التاريخ: شباط ١, ٢٠١٩
المصدر: جريدة الحياة
عن المبعوث الذابل والمراقب النَّضِر - فارس بن حزام
منذ تسلمه المهام قبل عام، والارتخاء عنوان خطوات المبعوث الأممي إلى اليمن، فكان طبيعياً ألا يستمر عمل زميله المراقب العسكري في الحديدة، فاستقال في زمن قياسي.

قبل شهر، بدأ الجنرال باتريك كاميرت عمله في اليمن. جاء ليضمن تطبيق اتفاق استوكهولم بشأن الحديدة. وعندما قبل المهمة، كان يعلم جيداً وظيفة المراقب؛ أن يبقي عينيه وأذنيه مشرعة، لرصد التزام طرفي الصراع بما وقعا عليه.

حضر الجنرال متسلحاً بتجربة الصراعات، وواجه المصاعب مع الميليشيات، وصدم ببرود مديره المبعوث الإنكليزي. لن يكون عمل المراقب غير ذي جدوى، إلا إذا تحول إلى «خيال مآتة». بدا المشهد في أول الأيام أن المبعوث أراد للمراقب أن يكون شبيهاً له، في الارتخاء والتغاضي اليومي ولملمة الأمور، وأراد المراقب أن يجرب حظه في تسلق جبال اليمن السياسية، لكن وجد نفسه في ساحة مكشوفة؛ ترميه الميليشيا بقذائفها، وتهينه بتقييد حركته، وتخدعه بحوثي ارتدى بذلة الشرطي وتسريحة شعر الفنان، ويخذله المبعوث بالتمتمة ودعاء الصبر.

الجنرال باتريك كاميرت ليس رقماً سهلاً في ملفات تسوية الصراعات. بحار هولندي في الـ68 من عمره. أمضى معظم عمله خارج بلاده ضمن قوات حفظ السلام، وتقاعد مبكراً، وأكمل مسيرته العسكرية مع الأمم المتحدة في آخر 20 عاما، وعمل في مكاتبها المتعددة، ورأس وفودها إلى ساحات ساخنة مثل الكونغو وجنوب السودان.

أما خصمه الطارئ، المبعوث الأممي مارتن غريفيث، فيصغره بعام واحد. عمل ديبلوماسياً في خارجية بلاده، وفعل مثله أن غادر الوظيفة مبكراً إلى مؤسسات الأمم المتحدة، فأمضى أكثر من نصف عمره المهني في مؤسسات دولية توزعت بين الإغاثة، وأخرى غلب عليها الطابع التنظيري مثل المعاهد ومراكز الأبحاث، وفي السنوات الأخيرة شارك قليلاً في بحث حلول للأزمة السورية عبر إدارته مكتب الأمم المتحدة في دمشق، ومثل كثيرين من ديبلوماسيي الغرب في علاقتهم مع العرب، يعرفون دولة أو دولتين، ويظنون أن العرب متشابهون، وغريفيث يعرف شؤوناً عربية ولا يعرف اليمن.

في سباقه البارد مع ملف اليمن، يسعى المبعوث البريطاني إلى بلوغ عملية السلام في أسرع وقت. قلة من المبعوثين الأمميين لا تتأثر برؤية بلادها، وبلاد غريفيث قوة كبرى وعضو دائم في مجلس الأمن. ومنذ البداية، لم تتحمس بريطانيا لتصحيح الوضع وإعادة الشرعية. نعم، وافقت على قرار مجلس الأمن؛ لأنها لا تريد المضي عكس التيار، أما اليوم فتضغط لإنهاء الحرب، ومستعدة للتنازلات على حساب السعودية والشرعية في اليمن.

ضغوط بريطانيا لم تنجح، على رغم انسحاب المراقب أمام المبعوث، وسعي الأخير نحو موقف أقل ميوعة مع الميليشيا، ومضيه في إدارة المرحلة بأسلوب غض الطرف، المضاد لمبادئ الهيئة الدولية والاتفاق والتعهد.