التاريخ: أيار ٢١, ٢٠١١
المصدر: جريدة النهار اللبنانية
صمت بيروت في عريه - ديانا سكيني

يتعدى تعطيل عقد ناشطين في المجتمع المدني لمؤتمر صحافي يتضامن مع "جزء" من الشعب السوري مسألة الالتزام بالعرف المثقل بعبر الأكلاف الباهظة لتدخُل لبنان في شؤون سوريا الداخلية.
لا بأس في هذا السياق بتحييد احتمال الخلفيات السياسية وراء النشاط المدني الذي يقول منظموه أنهم يمثلون أنفسهم وليس الفريق السياسي الذي ينتمون اليه.
هذا التحييد يبدو ضرورياً لتنقية النقاش وحصره في المبدأ وعدم تبرئة أي من فريقي 14 و8 آذار من حمل مقاربة تتكىء على ازداوجية في الموقف حيال "الثورات العربية".
ما يجدر التوقف عنده في حادثة اعتذار فندق البريستول عن استقبال نشاط "التضامن مع الشعب السوري" يتصل بشكل عضوي بالسؤال عما جناه لبنان من المد التغييري الديموقراطي الذي يجتاح العالم العربي.


ثمة انطباع سائد بأن "عروس العواصم العربية" خسرت ولم تربح، اجتاحها القحط ولم تزهر ورودها في هذا الربيع. كانت قادرة خلال الموسم العربي المثمر على اجهاض جنين تحرك شباب لا طائفي تغييري بسرعة كبيرة، لكنها كانت اكثر قدرة وبسرعة اكبر على استقطاب الانعكاسات الطائفية الناتجة من تشويه المنطلقات الانسانية والسياسية المحركة لمطالبة شعوب عربية بادخال الديموقراطية الى مفهوم السلطة. هكذا طفت أدبيات الاقليات الطائفية والهواجس على سطح تفاعل بيروت و"شعوبها" مع الحدث العربي الاستثنائي. وهي الأدبيات التي شدت عصب المحرك السياسي اللبناني صوب القرن التاسع عشر بدلا من دفعه نحو المستقبل الذي يلاقي ذهاب شعوب عربية نحو محاولة بناء الدولة العربية المدنية الحديثة.


هذا التقاعس في محاكاة التغيير سيتزامن مع مؤشرات ذات دلالة على التراجع الذي سجلته بيروت في قدرتها على احتضان حرية التعبير والتضامن مع مبادىء انسانية جامعة ينادي بها "جزءٌ" من "شعب شقيق".
لا بل أن ما هو أخطر من خفوت الانوار في المدينة المتوسطية العائمة على هموم الشرق وظلامه، تجسد في الترهيب المستمر الذي يتعرض له اشخاص او مؤسسات بهدف ثنيهــــم عن الكــــلام او احــــتضانه.


يوم الأربعاء الماضي، بعد يوم من تعطيل مؤتمر البريستول، نجح بعض الشباب اليساري باقامة ندوة "متواضعة" حول سوريا في مقر "زيكو هاوس" في شارع سبيرز.
كانت تلك المرة الأولى التي تنجح فيها هذه المجموعة بتنظيم نشاط متصل دون ان تفاجأ بمجموعات "الرأي الآخر" تحط فجأة في المكان مصرة على اخراج صورة برأسين للنشاط.
ملخص الندوة الذي نشره الشباب عبر "الفايسبوك" يذكر: "تمازج الخوف بالشجاعة في ندوة البارحة. كان باب الغرفة الكبيرة في بيت زيكو محور الاهتمام إذ كانت الأنظار تتجه صوبه كلما فتح الباب لتعود العيون إلى اطمئنانها...". حدث هذا في بيروت، في زمن البوح العربي الذي تهلل له حناجر النساء المنقبات في ساحات صنعاء.
في هذا الزمن بالتحديد يتعرى صمت بيروت. يصبح أكبر وطأة من صمتها المزمن والمترجم أفعالاً بالعصيان على التغيير، وبتعزيز مناعة أسوار سجون الطوائف، وبهدر الدماء التي روتها دفاعاً عن الحريات وعن حق أهلها في الحديث عن ربيع العرب... وعن معنى أن تكون بيروت بيروت في زمن عربي مشابه...