التاريخ: شباط ٢٥, ٢٠١٥
المصدر: جريدة النهار اللبنانية
إصدار مالي يؤكّد الثقة بلبنان ملف العسكريين يسلك طريق الحل
فرنسا طرحت العودة إلى المادة 49 واقترحت مخرجاً للرئاسة
في ظل الفراغ السياسي على أكثر من مستوى، والشغور الرئاسي، والتعطيل الذي أصاب الحكومة، والشلل الذي قد يصيب السلطة التشريعية، تتقدم الملفات المالية والحياتية، ولعل أبرزها ملف العسكريين المخطوفين لدى "داعش" و"النصرة" في جرود عرسال بعدما ظهرت اجواء ايجابية تشي بانفراجات قريبة.

أما اللافت أمس فهو اصدار "الاوروبوند" الأكبر منذ دخول لبنان الأسـواق المالية بما يؤكد الثقة الدولية بلبنان واستقرار وضعه المالي والنقدي، كما الامني، اذ لا يمكن ضمان الوضع المالي في ظل تفلت أمني يلحق بالحركة الاقتصادية خسائر وانهيارات في الاسواق المصرفية والمالية. وكشف وزير المال علي حسن خليل أن عملية إصدار سندات خزينة بالعملة الأجنبية التي قامت بها وزارة المال والبالغة 2200 مليون دولار تعدّ الإصدار النقدي الأكبر منذ دخول الدولة الأسواق المالية في التسعينات. وأوضح أن "الاصدار توزع شطرين: الأول بقيمة 800 مليون دولار استحقاق 2025 بمعدل عائد 6,2%، والثاني بقيمة 1400 مليون دولار استحقاق 2030 بمعدل عائد 6,65%. وهذه العوائد على السندات الجديدة التي تم اصدارها هي معدلات ممتازة مقارنة بمعدلات العوائد الرائجة في الاسواق الثانوية".
 
العسكريون المخطوفون
وبعد مرور 200 يوم على خطف الجماعات الارهابية 25 عسكرياً لبنانياً في جرود عرسال، تحدث عدد من الاهالي عن تقدم في المفاوضات قد تفضي الى نهاية سعيدة، وإن على مراحل، لهذه القضية الشائكة والمعقدة.
مصادر مواكبة لقضية العسكريين أكدت ان الاتصالات التي أجراها المدير العام للامن العام اللواء عباس ابرهيم في تركيا كانت ايجابية وتشي بانفراجات قريبة قد تظهر نتائجها في الاسابيع المقبلة، وان ابرهيم ينتظر اتصالاً قد يحمل بشرى للاهالي، وان توجه الجماعات الخاطفة لاطلاق العسكريين على مرحلتين أو ثلاث مراحل بعدما أبدت الحكومة اللبنانية موافقتها على مقايضة العسكريين بموقوفين في سجن رومية وسجون أخرى، علماً ان الخاطفين طلبوا فدية مالية للشروع في صفقة التبادل. وأوضحت المصادر ان الصفقة تقضي بإبعاد المفرج عنهم من الموقوفين المتورطين في أعمال ارهابية الى خارج لبنان وعلى الارجح الى تركيا، ربطاً بما تم الاتفاق عليه في زيارته الاخيرة لقطر.

وقال مصدر معني بالملف لـ"النهار" إن المفاوضات مع "داعش" كانت تتسارع أكثر في السابق، "أما الآن فنستطيع القول إنها مجمّدة في مكان ما لكنها لم تنقطع". أما بالنسبة الى المفاوضات مع "جبهة النصرة" فتمضي بوتيرة أسرع وثمة تقدّم في الموضوع، "ونستطيع القول إن الأمور تسير بمسار أكثر إيجابية، ولم تعد عالقة عند النقطة التي علقت فيها سابقاً".

وتحدثت مصادر أخرى متابعة للملف الى "النهار"، فقالت: "كنا أمام حالة في لبنان لا تريد حل الملف، فكلما خطونا الى الأمام ظهر من يحاول العرقلة، أما حالياً فوصلنا الى النهايات ونتمنى على كل الاطراف اللبنانيين ان يمضوا في محاولة اعادة العسكريين الى اهاليهم".
وشددت على أن "المقايضة أمر صار مفروغاً منه، وجرى الحديث عنه من اليوم الأول والحكومة اعلنت الموافقة على مبدأ المقايضة، فهناك طرفان وكل طرف له شروطه ومطالبه، ونتمنى حصول نتائج في اقرب وقت ممكن، ومن المفترض ان يحل الملف خلال أيام وليس خلال أشهر".

وانتقدت المصادر "تسريبات اعلامية تتناول المواضيع بطريقة غير دقيقة، فكلمة او عبارة تبكي الاهالي أياماً، وتفسد بعض الاتصالات. نحن بدأنا بخطوات، ومنها الزيارات الاخيرة، ولا نريد ان نصطدم بجدار فولاذي يمنعنا من التقدم".

الحريري
وأول من أمس استقبل الرئيس سعد الحريري في "بيت الوسط" وفداً من اهالي العسكريين المخطوفين. وفي معلومات "النهار" ان الحريري ابدى كل التعاطف مع هؤلاء وقال لهم :"نحن مستعدون للقيام بأي شيء ينهي معاناتكم وحتى دفع الفدية، وأنا لي ثقة باللواء ابرهيم الذي يتابع قضية العسكريين وكانت له تجارب ناجحة في قضيتي مخطوفي اعزاز وراهبات معلولا، وانشالله يصل الى نتائج مماثلة في هذه القضية"، مشيراً الى "ان الحكومة مستعدة للمساعدة للانتهاء من الملف اذا كان الأمر من ناحية المال أو المقايضة".
 
سلام
سياسياً، قالت أوساط رئيس الوزراء تمّام سلام لـ"النهار" إن لا جديد في الاتصالات المتعلقة بآلية العمل الحكومي، نافية ما نشر عن زيارة كانت مقررة امس للرئيس امين الجميّل للسرايا، واشارت الى انه كان هناك ترتيب لزيارة الرئيس الجميّل للرئيس سلام لتناول الغداء الى مائدة رئيس الوزراء لكن الموعد أرجئ بسبب الوعكة الصحية التي ألمت بالجميّل أخيراً.
وتوقف مواكبون لمواقف الرئيس سلام عند ما قاله أمس أمام مجلس نقابة الصحافة من انه "اذا كان التعطيل والعرقلة والمشاكسة تسود الموقف فما الجدوى من عقد جلسات غير منتجة؟... منذ بداية الشغور الرئاسي ارتأيت بالتواصل مع القوى السياسية اعتماد التوافق الذي هو في صلب المادة 65 من الدستور، لكن التوافق لا يعني بالضرورة الاجماع ...".

وفي هذا الإطار، علمت "النهار" أن حركة اتصالات تمت في اليومين الاخيرين لاعادة تفعيل العمل الحكومي، أدت إلى تأييد للرئيس سلام في موقفه من الآلية يشمل كتلة "المستقبل" وكتلة "التنمية والتحرير" التي يرأسها الرئيس نبيه بري وكتلة "اللقاء الديموقراطي" التي يرأسها النائب وليد جنبلاط، في حين لا يزال موقف كتلة "الوفاء للمقاومة" غامضاً.
كما علمت انه تم الاتفاق على التمديد للقادة الأمنيين من دون عقبات وسط تغطية سياسية للقرارات التي يتخذها وزيرا الدفاع والداخلية سمير مقبل ونهاد المشنوق على هذا الصعيد منعاً للفراغ.
 
اللقاء التشاوري
من جهة أخرى، من المقرر ان ينعقد اللقاء التشاوري الوزاري الذي يضم ثمانية وزراء ظهر اليوم في منزل الرئيس الجميّل في سن الفيل. وعلمت "النهار" ان البيان الذي سيصدر عن المجتمعين سيتصف بـ"الايجابية ويضع النقاط على الحروف في شأن آلية العمل الحكومي". وعشية اللقاء جرى تواصل بين وزيرين مقربين من الرئيسين الجميّل وسلام تخلله بحث في ترتيبات لقاء سيعقد بين الرئيسين.
وكان اللقاء التشاوري انعقد للمرة الاولى في منزل الرئيس ميشال سليمان الجمعة الماضي. ومن المقرر ان يزور الرئيس سليمان اليوم بكركي للقاء البطريرك مار بشارة بطرس الراعي.


فرنسا طرحت العودة إلى المادة 49 واقترحت مخرجاً 
عون يقيّد العملية فإما توافق حوله وإما انسحاب

باريس - سمير تويني
قالت مصادر رسمية فرنسية لـ"النهار" انه اذا بقيت دولة واحدة تهتم بلبنان فهي فرنسا لأن هناك ترابطا سياسيا وثقافيا يربط بين البلدين. ولذا فهي مستمرة في اهتمامها بسد الفراغ الرئاسي من منظار تعلقها بسيادة لبنان ووحدة أراضيه واحترامها للمؤسسات الدستورية والمحافظة على لبنان. وقررت باريس مشاركة مجموعة الدعم الدولية من اجل لبنان في مهمتها للمساهمة على نطاق دولي اوسع في حماية لبنان من خلال تأمين وصول رئيس توافقي بأسرع وقت، وفصل الملف اللبناني عن الازمات الإقليمية لانها تؤمن بأن الانتخاب يعود الى اللبنانيين فقط.

ولاحظت ان هذا الفراغ تجاوز للمرة الاولى منذ اتفاق الطائف التسعة اشهر وهي مدة مفرطة فلم يتم التوافق بين الافرقاء نظرا الى التحالفات الإقليمية. ومن هذا المنطلق قامت المبادرة الفرنسية لتسهيل الحوار الداخلي والخارجي لتأمين هذه الانتخابات التي يعود للبنانيين فيها اختيار الرئيس المقبل. وهذا لا يعني ان ليس للاطراف الإقليميين والدوليين دور، لكنها اعتبرت ان التقييد هو داخلي.

وفي وصف هذه المصادر للواقع اللبناني تقول ان هناك شخصية محورية هو الجنرال ميشال عون يطمح لانتخابه رئيساً، ولكنه لم يتمكن حتى الآن من تأمين ذلك دستوريا. وفي المقابل هنالك زعماء مسيحيون يطمحون لتبوؤ هذا المنصب ومنهم سمير جعجع وأمين الجميل وغيرهم ولكنهم لم يحصدوا الأكثرية المطلوبة.

وفي هذا السياق، يقول الشيعة والسنّة والايرانيون والسعوديون انه يعود للمسيحيين التوافق في ما بينهم. وهذه القاعدة غير المكتوبة والمتفق عليها كتأمين التوافق تقيد العملية الانتخابية. فالأكثرية غير متوافرة والأنظار متجهة الى الجنرال عون وهو يرفض حتى الآن الانسحاب لانه يعتبر انه المرشح الشرعي.

وقد فتحت حوارات بين عون وجعجع وبين الموارنة تحت مظلة البطريركية المارونية وبين تيار المستقبل و"حزب الله". لكن يبدو حتى الآن ان اللبنانيين تعودوا على هذا الفراغ ويتكيف السياسيون مع هذه الثغرات الدستورية. لكن رغم ذلك فان الوضع هش وتعبر الدول الغربية بشكل منتظم عن مخاوفها من استمراره.

نظرا الى هذه المخاوف لفتت المصادر الى ان الديبلوماسية الفرنسية انطلقت من ان الحل هو مؤسساتي ودستوري فدعت للعودة الى المادة ٤٩ من الدستور حيث يتطلب انتخاب الرئيس في الدورة الاولى مشاركة الثلثين وفي الدورة الثانية الأكثرية المطلقة. وعرضت باريس اقتراحا بعد فشل كل محاولات التوافق وهو العودة الى الأصول الدستورية وحضور النواب الى البرلمان والتفاوض والتصويت حتى انتخاب الرئيس التوافقي.

اما الحل الثاني فهو التوافق على انتخاب عون رئيساً او انسحابه للمرشح الذي يحصل على الأكثرية اذا فشل هو في تأمينها حول شخصه اي ترك العملية البرلمانية تأخذ مجراها.
وتؤكد المصادر ان باريس لا تريد التدخل في الصراع السياسي بل تعول على عودة البرلمان الى عمله الدستوري. وليس لدى باريس أي وصفة سحرية اخرى لكسر الجمود، بل يعود الى اللبنانيين التوافق وانتخاب رئيس.

وتشير المصادر الى ان الوضع السياسي مقيّد لان الزعماء غير متفقين على الرئيس ويعود الى المسيحيين التوافق على شخصه وانسحاب عون من السباق الرئاسي يفتح الأبواب امام الحل.

وتضيف هذه المصادر، البعض يقول ان ايران لا تريد سد الفراغ الرئاسي لانها لا تتدخل مع "حزب الله"، لكن الحقيقة هي ان هناك شراكة بين الحزب وعون وهما يتقاسمان المكاسب. فالتقييد بالنسبة الى هذه المصادر يعود الى الدور الذي يريد ان يلعبه عون. ومثال على ذلك فان الرئيس نبيه بري ليس الشخص الاكثر تمثيلا داخل طائفته الشيعية والرئيس تمام سلام ليس الشخص الاكثر تمثيلا داخل طائفته السنية، واصرار عون يكبل الوضع ولا يسمح ببروز ترشيح اخر. لذلك يتوجب العودة الى البرلمان للفصل بين المرشحين ومعرفة مَن يؤيد مَن لكن القوى السياسية غير جاهزة حتى الآن للنزول الى المجلس والفراغ الرئاسي ليس لمصلحة لبنان واللبنانيين. وتعتبر هذه المصادر انه وفقا للمعلومات التي لديها ان ليس هناك اي تعديل في السياسة الخارجية السعودية وان الخطوط العريضة لسياستها بالنسبة الى لبنان مستمرة.

وتؤكد باريس وفق هذه المصادر، انها مستمرة في دورها المسهّل لكنها ستوسع تشاورها من خلال مشاركة مجموعة الدعم الدولية من اجل لبنان التي أنشئت في الامم المتحدة لمساعدة لبنان على تخطي ارتدادات الازمة السورية عليه.