التاريخ: آب ٣٠, ٢٠١٥
المصدر: جريدة الحياة
محكمة مصرية تأمر بسجن صحافيي «الجزيرة» 3 سنوات
بدت قضية «صحافيي الجزيرة» مثل كرة النار التي كلما حاول نظام الرئيس عبدالفتاح السيسي احتواءها ترتد عليه مجدداً. فبعد أشهر من الهدوء ترافق مع إعادة محاكمة المتهمين في القضية وترحيل الصحافي الأسترالي بيتر غريستي، أعاد حكم قضائي صدر أمس بالسجن المشدد لمدة ثلاث سنوات ضد صحافيين عاملين في قناة الجزيرة الإنكليزية، صخب الانتقادات الدولية التي يُتوقع أن تستمر إلى حين فصل محكمة النقض (أعلى سلطة قضائية في البلاد) في القضية بشكل نهائي.

وكانت محكمة جنايات القاهرة برئاسة القاضي حسن فريد عاقبت بالسجن المشدد لمدة 3 سنوات ستة من المتهمين في القضية، وهم: محمد فاضل فهمي (صحافي حر) وباهر محمد حازم (صحافي حر) وصهيب سعد محمد (طالب في كلية الاقتصاد والعلوم السياسية) وخالد محمد عبدالرؤوف (طالب في كلية الإعلام) وشادي عبدالحميد عبدالعظيم (طالب في كلية الحاسبات والمعلومات) والأسترالي بيتر غريستي الذي تم ترحيله إلى بلاده استناداً إلى قانون أصدره الرئيس السيسي في مسعى منه لمعالجة القضية.

ودانت المحكمة المتهمين جميعاً بـ «جرائم التحريض على البلاد، من خلال قناة الجزيرة الفضائية، واصطناع مشاهد وأخبار كاذبة وبثها عبر القناة القطرية». كما تضمن الحكم معاقبة أحمد باهر محمد بعقوبة إضافية وهي الحبس مع الشغل لمدة 6 أشهر، وتغريمه مبلغاً وقدره خمسة آلاف جنيه مصري، عن تهمة حيازة طلقة نارية مما لا يجوز الترخيص بحيازتها أو إحرازها. وبرأت المحكمة متهمين اثنين آخرين هما: خالد عبدالرحمن محمود (مدير مبيعات بشركة البردي لصناعة الورق) ونورا حسن البنا (فنانة تشكيلية) والتي ألقي القبض عليها أخيراً بعدما حوكمت في السابق بوصفها هاربة وصدر في حقها حكم غيابي بالسجن المشدد لمدة 10 سنوات في المحاكمة الأولى للمتهمين.

وتعد هذه الأحكام مخففة عن الأحكام التي أصدرتها محكمة أول درجة بالسجن لسبعة متهمين لمدة سبع سنوات، قبل أن تقبل محكمة النقض المصرية في كانون الثاني (يناير) الماضي طعوناً قدمتها هيئة الدفاع عن المتهمين وتأمر بإعادة محاكمتهم.

ويحق للمتهمين باستثناء الأسترالي بيتر غريستي الطعن مجدداً أمام محكمة النقض المصرية التي سيكون أمامها سيناريوهان: إما قبول الطعن وبالتالي تفصل بنفسها في إعادة المحاكمة، أو رفض تلك الطعون من ثم تصبح نهائية. ولا يحق للرئيس عبدالفتاح السيسي إصدار عفو رئاسي في حق المتهمين قبل إصدار محكمة النقض أحكامها النهائية.

وأوضح رئيس المحكمة حسن فريد في كلمة استهل بها جلسة النطق بالأحكام أمس، أن القضية «عرضت على المحكمة في 12 شباط (فبراير) الماضي، وتداولت على مدار 13 جلسة قامت خلالها المحكمة بتحقيقها تحقيقاً قضائياً كاملاً، استبان من خلاله على وجه القطع واليقين أن المتهمين هم من غير الصحافيين وغير مقيدين بنقابة الصحافيين والهيئة العامة للاستعلامات، كما أنهم حازوا أجهزة بث من دون ترخيص من الجهات المختصة، وقاموا ببث مواد مصورة لأخبار كاذبة على قناة الجزيرة بقصد الإضرار بالبلاد، علاوة على قيامهم ببث هذه المواد المصورة عبر قناة الجزيرة غير المرخص لها بالعمل في مصر، وقيامهم أيضاً بالبث من مكان غير مخصص للبث الإعلامي وهو فندق ماريوت».

وعقب صدور الحكم تحفظت أجهزة الأمن على الصحافيين محمد فهمي وباهر محمد لترحيلهما للسجن، إلى حين احتساب النيابة العامة مدة الحبس الاحتياطي على ذمة القضية.

وأكد فهمي في تصريحات للصحافيين، قبل احتجازه، أن المحامية الدولية أمل كلوني ستتقدم بطلب للعفو الرئاسي عنه، وأنه سيسعى إلى لحصول على جنسيته المصرية بعد النطق بالحكم. وأضاف فهمي أن قوانين الصحافة في مصر أصبحت «أمراً واقعاً لكن يغلب عليها طابع الصرامة أكثر من أي شيء آخر».

أما الصحافي الأسترالي بيتر غريستي فأشار في عبر قناة الجزيرة، عقب صدور الحكم، إلى أنه لا يمكنه الطعن على سجنه في ظل القانون الحالي لأن عليه أن يكون موجوداً بنفسه للطعن على الحكم. ووفق القانون المصري لا يحق للمحكوم عليهم غيابياً الطعن على الأحكام إلا بعد تسليم أنفسهم للسلطات ومن ثم تعاد محاكمتهم.

ووصف غريستي الحكم بسجنه بـ «الظالم وغير أخلاقي على كثير من المستويات»، مشدداً على أن هذا الحكم لا يمكن أن يستمر. وأضاف: «سنفعل كل ما في وسعنا لتبرئة أنفسنا.. نحن لسنا إرهابيين.. ولم نتواطأ مع أي منظمة ولم نبث أي أخبار كاذبة». وأضاف أن الحكم لا يستند إلى دليل، مضيفاً أن المحاكمة راقبها عدد من الديبلوماسيين الدوليين والمراقبين المستقلين ووسائل إعلام ولم ير أي منهم أي دليل لإثبات الادعاءات التي جاءت في المحاكمة. وتابع: «علينا أن ندعو إلى ضغط دولي من الحكومات والديبلوماسيين من جميع أنحاء العالم لنوضح لمصر أنه لا يمكنها إصدار مثل هذه الأحكام.. ولا يمكنها الإفلات من ذلك.. يجب أن تقبل سيادة القانون إذا أرادت الحصول على الدعم الدولي».

وكانت السلطات المصرية رحّلت في شباط (فبراير) الماضي غريستي إلى بلاده لتتم محاكمته هناك بناء على قانون أصدره الرئيس السيسي، في تشرين الثاني (نوفمبر)، يسمح بترحيل الأجانب المتهمين لمحاكمتهم في بلادهم.

من جانبه قال سفير بريطانيا لدى مصر جون كاسن، إن بلاده ستتابع باهتمام تطورات قضية ما يُعرف بـ «خلية الماريوت»، مشدداً على أنه «لا يمكن (لمصر) بناء استقرار على أسس لا تدعم الحريات». ومن المقرر أن يقوم الرئيس المصري بزيارة للعاصمة البريطانية قبل نهاية العام للقاء رئيس الوزراء ديفيد كاميرون. وشدد السفير كاسن، الذي كان حاضراً جلسة النطق بالحكم أمس، على «أننا ندعم مصر الجديدة والاستقرار في مصر أفعالاً وليس أقوالاً، ولكن كيف يتم بناء الاستقرار على أسس هشة لا تدعم الحريات وتمنع الأفراد من ممارسة حقوقهم؟». وأضاف أن «بريطانيا ستتابع تطورات القضية باهتمام».

كذلك تحدثت المحامية أمل كلوني أمام الصحافيين في القاهرة عقب صدور الحكم وقالت إن لا أدلة دامغة تدعم إدانة المتهمين وإن الحكم «يُرسل رسالة خطيرة» مفادها أنه يمكن سجن الصحافيين في مصر لمجرد قيامهم بعملهم.

ومن ضمن المتهمين في قضية «صحافيي الجزيرة» بريطانيان هما دومينيك لورنس جون وسوزان ميلني والهولندية يوهنا ايدنتتي كانت محكمة أول درجة عاقبتهم بالسجن الغيابي لمدة عشر سنوات، بالإضافة إلى ستة مصريين لم تنظر المحكمة ثاني درجة في إعادة محاكمتهم إذ إنهم في حال فرار.

وفي لندن («الحياة») وزّعت وزارة الخارجية البريطانية تصريحاً للوزير المسؤول عن الشرق الأوسط وشمال أفريقيا توبايس إيلوود أعلن فيه «إدانتي الشديدة» للأحكام الجديدة، واعتبر انها «تضرب الثقة بأن مصر تتقدم نحو استقرار قوي وطويل قائم على تطبيق الحقوق التي يضمنها الدستور المصري». وطالب السلطات المصرية بإيجاد حل لقضية البريطانيين المتهمين في إطار محاكمة صحافيي الجزيرة.