 | | التاريخ: تشرين الأول ٢٥, ٢٠١٢ | المصدر: جريدة الحياة |  | مستقبل لبنان بين الحوار والمقاطعة - رغيد الصلح |
توجه كتلة 14 آذار (مارس) اللبنانية إلى «حزب الله» سلسلة من الانتقادات المتعلقة بنشاطه العسكري وبالأهداف المتوخاة من هذا النشاط. من هذه الانتقادات أن الحزب تابع لإيران وأنه لا يمتلك استراتيجية دفاعية مستقلة لخدمة القضيتين اللبنانية والعربية وإنما يستقي مواقفه وتحركاته من الاستراتيجية الإيرانية. في هذا السياق، تتهم كتلة 14 آذار الحزب بالمساهمة في قمع حركات المعارضة السورية، ومؤازرة القوات النظامية وإمدادها بالمقاتلين المدربين اللبنانيين. كذلك تنتقد كتلة 14 آذار «حزب الله» أيضاً بالتهرب من بحث الاستراتيجية الدفاعية وإسدال ستار من الغموض والتعمية عليها. وترى أوساط الكتلة أن هذا الموقف يوفر دليلاً على أن نشاط الحزب الجهادي ليس موجهاً بصورة حصرية ضد إسرائيل وضد الصهيونية، بل أيضاً لتحقيق أهداف أخرى غير المصالح والتطلعات اللبنانية والعربية. فعندما أعلن الحزب أنه هو الذي أطلق طائرة «أيوب» فاخترقت الدفاعات الجوية الإسرائيلية، ردت مصادر على هذا التحرك العسكري بالقول إن الحزب فعل ذلك خدمة للمصالح الإيرانية الاستراتيجية وليس اللبنانية أو العربية. غني عن القول إن «حزب الله» سعى إلى صد هذه الانتقادات وتفنيدها. وفي مناسبات عدة، رد على هذه الانتقادات بمثلها لجهة الربط بين نشاط 14 آذار من جهة، والاستراتيجيات الغربية والأميركية بصورة خاصة في المنطقة. فالحزب اعتبر أن إلحاح الكتلة على نزع سلاح «حزب الله»، يستجيب بالدرجة الأولى إلى مطلب أميركي. والسعي إلى وضع حد لأعمال المقاومة ونشاطها أدرج في نفس الإطار، وكذلك الحملة النشيطة والدؤوبة التي تشنها أوساط 14 آذار والمعارضة اللبنانية ضد إيران. تراجع هذا السجال نسبياً مؤخراً بعد أن طغت عليه مأساة اغتيال الشهيد وسام الحسن ومعه الشهيد أحمد صهيوني وبقية شهداء وضحايا جريمة الأشرفية والمضاعفات الساخنة التي أثارها هذا العمل الإجرامي. ولكن سرعان ما عاد هذا الموضوع إلى الأذهان عندما أعلنت كتلة 14 آذار أنها سوف تقاطع جلسة الحوار الوطني المقررة في الثاني عشر من هذا الشهر. جاء هذا القرار كرد فعل على تجدد نهج الاغتيال الذي ذهب بعدد من قيادات المعارضة. لقد ألحق تجديد هذا النهج حجماً من الألم بين المعارضين واللبنانيين يصعب تقديره والتقليل من أهميته. فلا جدال في حق المعارضة بل في واجبها الرد على جريمة الاغتيال. ولا نقاش في أهمية طرقها كل وسيلة من وسائل العمل السياسي والشرعي لمقاومة نهج الاغتيال. ولكن هل اختارت كتلة 14 آذار الطريق الصحيح في الرد على الجريمة عندما علقت المساهمة في الحوار الوطني؟ خصصت الجلسة المقبلة من جلسات الحوار لبحث مسألة استراتيجية الدفاع الوطني. ومهد الرئيس ميشال سليمان لهذه الجلسة عندما أعلن الإطار العام للبحث ومحاوره. وبدا الإعلان مساهمة قيمة في إرساء النقاش المرتقب على أساس عقلاني بعيد عن الصراع السياسي الظرفي. وقدر المعنيون بقضية الدفاع الوطني أن ساعة الحقيقة قد دنت. وعلق هؤلاء الآمال الواسعة على توجيه البحث صوب القضية التي شغلت اللبنانيين قرابة نصف قرن. وعلى رغم أنه في الشكل، محصور في واحدة من القضايا الوطنية، أما في الجوهر فإنه يتعلق بأهم القضايا الوطنية. فلا ريب أن الموقف من هذه القضية، صراعاً أم تفاهماً، له تبعات مباشرة على كل صعيد. لقد كان الشهيد كمال جنبلاط على حق عندما دأب على القول في السبعينات إن اللبنانيين لم ينزلقوا إلى التحارب بسبب القضايا الاجتماعية والإدارية، ولكنهم ولجوا باب الاقتتال بدافع من حرصهم أو تخوفهم من المقاومة. هذه كانت أهمية الموقف تجاه المقاومة بالأمس. وهذه هي أهمية الموقف من المقاومة اليوم مع الأخذ في الاعتبار الفارق بين حجمها وعمق تداخلها مع القضايا المحلية خلال المرحلتين. وهذا ما يجعل الكثيرين من اللبنانيين ينظرون بترقب وقلق إلى كل ما يحيط بمسألة الاستراتيجية الدفاعية من جدل ومن مشاريع ومواقف. وهذا ما يزيدهم قلقاً وتوجساً عندما تشتد الصراعات المحلية حول هذه المسألة بمقدار ما تتعمق خفاياها وتحاط بالغموض والحجب والأستار. في هذا السياق يمكن القول بأنه من الصعب على المرء أن يفهم مسوغات القرار الذي اتخذته كتلة 14 آذار بمقاطعة جلسة الحوار الوطني المقبلة، أي بالامتناع عن التحاور حول مسألة الدفاع الوطني. يصعب على المرء فهم مسوغات القرار حتى بمعيار مصلحة الكتلة نفسها. فإذا كانت الكتلة مقتنعة حقاً بالانتقادات التي توجهها إلى «حزب الله»، فان المنطق يقضي بأن تمارس ضغطاً على الحزب لكي يعلن استراتيجيته على الملأ، وأن تناقش هذه الاستراتيجية بدقة وبالاستناد إلى الحقائق العينية والملموسة وتجارب الحكم والسلطة التي جمعت سائر الآذاريين. فضلاً عما سبق فإذا كانت الكتلة تريد مقاطعة الحكومة حتى يضطر رئيسها إلى الاستقالة، فان الداعي إلى الحوار هو رئيس الجمهورية وليس رئيس الحكومة. ومن المفترض أن الحوار يجمع بين زعماء البلاد وقادة الرأي فيها ولا يجمع وجوهاً حكومية مع المعارضة. أخيراً لا آخراً، فان هذا القرار يفوت على اللبنانيين واللبنانيات الاطلاع على مواقف الفرقاء الرئيسيين في بلدهم تجاه «أم القضايا»، كما يفوت عليهم اتخاذ الموقف السليم تجاهها وتجاه أولئك الفرقاء. فإذا مضت كتلة 14 آذار في تنفيذ قرارها بمقاطعة الحوار الوطني فإنها لا تعاقب بذلك رئيس الحكومة الذي تحمله مسؤولية جريمة الأشرفية، وإنما تعاقب بذلك رئاسة الجمهورية وتساهم في تعطيل دورها - أو ما تبقى من هذا الدور كما يقول البعض - وتعاقب المواطنين وتحرمهم من حقهم البديهي في الاطلاع على مصير البلد وعلى مستقبله في أجواء دولية وإقليمية ملأى بالمخاطر والتحديات. لقد بذل رئيس الجمهورية جهداً متواصلاً من أجل استمرار الحوار الوطني وضمان آثاره الإيجابية. حرص الرئيس على استمرار الحوار دفعه أحياناً إلى تأجيله حتى تتوافر الظروف المناسبة لاستئنافه. لعل الرئيس يلجأ اليوم إلى نفس التدبير إذا استمرت الكتلة في موقفها تجاه جلسته المقبلة. ولكن الظروف تتطلب التعجيل في الحوار وليس تأجيله. هذا يقتضي إقناع المقاطعين بالعودة عن مقاطعة الحوار حتى ولو استمرت المقاطعة في مجالات أخرى. إذا تمكن الرئيس من تحقيق هذه الغاية فانه يساهم في إنقاذ المقاطعين من قرارهم الخاطئ، وفي فتح الباب أمام اختيار استراتيجية دفاع وطني للبنان. * كاتب لبناني
| |
|