التاريخ: تموز ٢٩, ٢٠١٣
المصدر: nowlebanon.com
إنّه الغرب... يا غبيّ - حازم صاغية
درّج فرسان النضاليّة العربيّة معنى اختزاليّاً للغرب صار بموجبه يساوي "الهيمنة العسكريّة" و"النهب الاقتصاديّ". بهذا صار العداء للغرب، الأوروبيّ وطبعاً الأميركيّ، مقدّمة لكلّ تحرّر وتقدّم ودخول إلى المستقبل من أعرض الأبواب. 
 
وهذا الفهم اختزاليّ لأنّه يلغي أبعاداً أهمّ من السياسة وأسبق منها، تبدأ ببناء الدول والإدارات والمؤسّسات التي تعلّمناها من الغرب ولا تنتهي بالطبابة والتعليم والتقنيّة. فالدراسة الجيّدة إمّا أن يتمّ تحصيلها في الغرب أو في جامعة غربيّة عندنا، والطبابة الجيّدة إمّا أن تتمّ في الغرب أو في مشفى غربيّ عندنا.

والحال أنّنا نتصرّف منذ أن نفتح أعيننا صباحاً حتّى نأوي إلى أسرّتنا ليلاً كما لو أنّ هناك أستاذاً خفيّاً يراقبنا هو الغرب. هكذا نقيس مدى فهمنا على فهمه ومدى بحثنا على بحثه ومدى نجاحنا في هندسة العمارة وتنظيم المدن على هندسة عمارته وتنظيمه لمدنه ومدى أناقتنا في المظهر على ناقته وهكذا دواليك.
 
حتّى الماركسيّون الأصليّون يقرّون بالتقدّم النوعيّ لـ"نمط الإنتاج الرأسماليّ" الذي وُلد في الغرب وانتقل إلى سائر العالم، على باقي "أنماط الانتاج" التي تعيش عليها الأجزاء الأخرى من العالم. وهذا ما يجعل اليساريّة العالمثالثيّة مثيرة للرثاء حين تنعى "الانبهار بالغرب" وبـ"الرجل الأبيض" فيما دعاتها غارقون في وحول الحروب الأهليّة والاستبدادات العسكريّة والأصوليّات الدينيّة.
 
ولأنّ سياسيّاً كالرئيس التونسيّ الراحل الحبيب بورقيبة كان يدرك أنّ الغرب أكثر من سياسة، وأنّ العلاقة به تتعدّى كثيراً مجال الخلاف السياسيّ، اعتبر أنّ الاستقلال الوطنيّ لا يكون ناجحاً إلاّ إذا تمكّن من الحفاظ على علاقة متينة بالغرب. فإذا أدّى الاستقلال إلى خسارة هذه العلاقة والتخلّي عن مكاسبها ومكتسباتها، كان الاستقلال خسارة بحتة.
 
يقال هذا الكلام وفي البال المناخ الذي أثاره حزب الله وأمينه العامّ بعد قرار الاتّحاد الأوروبيّ إدراج "الجناح العسكريّ" للحزب على قائمة الإرهاب. فقد أضيفت أوروبا كعدوّ إلى العدوّ الثابت الذي هو الولايات المتّحدة فاستحكمت صلة العداوة بيننا وبين الغرب. والأنكى من هذا طريقة تقديمه: فكأنّ القطيعة مع هذا الغرب، والتي تتمّ باسمنا جميعاً غصباً عنّا، هي كالقطيعة مع بلد مثل كوريا الشماليّة لا يؤثّر على شيء في حياتنا!
 
وهذا إنّما يرقى إلى اعتداء على حياتنا في جميع مستوياتها، اعتداءٍ لا يخفّف منه "تحرير فلسطين" من النهر إلى البحر (عملاً بالمزاعم طبعاً). ذاك أنّ نصراً مرفقاً بقطيعة مع هذا الغرب أسوأ من هزيمة مرفقة بانفتاح عليه.
 
فنحن، لا سيّما في بلد كلبنان، لا نستطيع أن نعيش يوماً واحداً من دون العلاقة بهذا الغرب. لكنّنا نستطيع أن نعيش العمر كلّه هانئين من دون هذه المقاومة.