التاريخ: تموز ٣٠, ٢٠١٣
المصدر: جريدة النهار اللبنانية
ملاحظات على حادثة فلسطينية - ماجد كيالي
لا شكّ في أن شابات وشباب الجبهة الشعبية، الذين أثبتوا شجاعتهم في مواجهة هراوات رجال أمن السلطة، في التظاهرة التي نظموها في رام الله (28/7)، تعبيراً عن حقّهم المشروع في الاحتجاج على استئناف المفاوضات، يستحقّون تحية تقدير.
 
لكن وبعد إدانة هذا التصرّف الذي اعتادت عليه السلطة (في الضفة وغزة) في محاولاتها قمع وتقييد أية تحرّكات شعبية، سواء كانت للاحتجاج على المواقف السياسية للسلطة، أو في إطار التحركات الشعبية المناهضة للسياسات الإسرائيلية، ثمة أسئلة يجدر طرحها في هذه المناسبة على الجبهة، وعلى غيرها.

مثلاً، لماذا غابت الجماهير عن التظاهرة المذكورة، التي اقتصرت على عشرات، أو مئات، فقط؟ ولماذا لم تشهد المدن الأخرى والتجمعات الفلسطينية في الخارج أية تعبيرات شعبية مناهضة لاستئناف المفاوضات؟ هل هذا يعني أن غالبية الجماهير مؤيّدة لأوسلو وللسلطة ولاستئناف المفاوضات؟ وإذا كانت الغالبية ضد كل ذلك فلم لم تلبِّ نداء التظاهر؟ هل المشكلة في الشعب أم عند الجبهة؟

هكذا ثمة أسئلة كثيرة مسكوت عنها فلسطينياً، واللافت أن فصيلاً يسارياً مثل الجبهة الشعبية كان في مرحلة ماضية يقف في مركز المجادلات الفكرية والسياسية في الساحة الفلسطينية بات اليوم كغيره من الفصائل يعاني أعراض الاستهلاك والتقادم والتكلس، السياسي والتنظيمي. فقد تراجعت الطاقة النضالية لهذا الفصيل في مصارعة إسرائيل، وانحسرت مكانته في المجتمعات الفلسطينية، وتعرض تنظيمه للتآكل، بدليل فوزه في الانتخابات بثلاثة مقاعد فقط (من 132)، وبدليل عدم قدرته على تطوير احواله، ناهيك عن عدم قدرته على تشكيل تيار ثالث بديل أو مغاير في الساحة الفلسطينية.

طبعاً لا ينبغي تحميل الجبهة مسؤولية كل مايحصل فثمة الظروف الموضوعية المتمثلة بواقع السلطة المفروض بتوازنات اسرائيلية وعربية ودولية، وحال الإحباط والضياع والانقسام عند الفلسطينيين، وأفول مكانة منظمة التحرير ككيان سياسي معنوي جامع لهم، بعد أن جرى تهميشها وتغييبها خلال العقدين الماضيين لمصلحة السلطة.

أما من جهة السلطة الفلسطينية فإن دأبها على قمع أية تحركات شعبية سواء معارضة لسياساتها، أو موجهة ضد إسرائيل، لا يمكن فهمه في إطارات منطقية، إذ يعبّر عن ضيق أفق، واستمراء للواقع السائد، فضلاً عن أنه يخدم إسرائيل أكثر مما يخدم مصلحتها. فبينما تقوم هي بقمع الرأي الآخر والمعارضة، وتقييد أية تحركات شعبية ضد الاحتلال، تقوم إسرائيل باستثمار المعارضة للمفاوضات ولأوسلو داخلها للتهرب من التزاماتها إزاء الفلسطينيين، وفرض مزيد من الشروط عليهم، ومواصلة أنشطتها الاستيطانية.
القصد أنه حتى من الناحية البراغماتية فإن القيادة السائدة لاتجيد لعبة السلطة والمعارضة، والقبول والرفض، وربما لا تريد ان تلعبها.
 
كاتب فلسطيني