التاريخ: آب ١٠, ٢٠١٣
المصدر: جريدة الغد الاردنية
ما حقيقة الوضع الاقتصادي للأردنيين؟ - فهد الخيطان
لم يمر يوم خلال شهر رمضان، إلا وطالعنا ذات العنوان: “الركود يخيم على الأسواق التجارية في المدينة الفلانية”. في المتن، شكوى مريرة من التجار بسبب عدم إقبال المواطنين على التسوق. ومن يتابع حملات عشرات اللجان المعنية برعاية الأيتام ومساعدة الفقراء، وموائد الرحمن، يخيل إليه أن جل الأردنيين أيتام وجياع.

تنسجم هذه المعطيات مع نتائج استطلاعات للرأي، محلية وأجنبية، صدرت في الآونة الأخيرة، وتفيد بأن أوضاع الأردنيين الاقتصادية في تدهور، وشعورهم بالثقة تجاه المستقبل في تراجع. ولا ننسى بالطبع الخطاب الحكومي الذي لا يكل ولا يمل من تذكير المواطنين، ليل نهار، بمستوى العجز المتنامي، والمديونية المرتفعة، وعجز الخزينة عن الوفاء بالمتطلبات الأساسية للدولة، وغيرها من “البلاوي” المالية والاقتصادية.

لكن الأمر محير؛ ففي مقابل الصورة السوداوية هذه، والانطباعات السلبية التي يسجلها المراقبون، ثمة معطيات مغايرة تنسف كل ما سبق. يؤكد تجار الجملة، خاصة مستوردو المواد الغذائية، أنهم يعجزون في بعض الأحيان عن تلبية احتياجات السوق نظرا للإقبال الكبير من طرف المستهلكين. والحقيقة أن جولة على أحد “المولات” تزكي هذه التصريحات. بعد أيام قليلة على بدء شهر رمضان، أعلنت إحدى الجهات الرسمية أن استهلاك الأردنيين من الدجاج بلغ نصف مليون دجاجة!

على نطاق أوسع لا تختلف الصورة كثيرا. فبعد إلغاء الدعم كليا عن المشتقات النفطية، توقع بعض الخبراء تراجعا في استخدام السيارات ذات المحركات الكبيرة. لكن ما نشهده في عمان والمدن الكبرى لا يشير إلى ذلك أبدا؛ سيارات الدفع الرباعي في ازدياد، واستخدام الأردنيين عموما للسيارات ظل بنفس معدلاته، بدليل الازدحام في الشوارع.

لم يتبدل سلوك المواطنين فيما يخص الولائم والإنفاق التظاهري، ولم نسمع عن تراجع يذكر في استخدام الهواتف الخلوية أو خدمات الإنترنت بعد زيادة الضرائب عليها.

ومنذ يومين، نشرت الصحف خبرين لافتين: الأول، يفيد بأن المستثمرين الأردنيين حلوا في المرتبة الأولى على قائمة العرب المستثمرين في دبي. والثاني، يكشف عن أن الأردنيين هم في المرتبة الثانية على قائمة السياح العرب في لبنان. وأظن أنهم في مرتبة متقدمة أيضا في تركيا وشرم الشيخ وغيرها من المصايف. بمعنى آخر، تفوق الأردنيون على بعض شعوب دول الخليج الغنية في السياحة وفي الاستثمار بقلب دبي.

إذا كان أكثر من 70 % من الأردنيين يجاهدون من أجل تأمين معيشتهم، كما أفاد استطلاع معهد “غالوب”، فبأي وجه نقرأ ونحلل الإحصاءات سالفة الذكر؟

أمس، أعلنت البنوك الأردنية نمو أرباحها بنسبة 8 % للنصف الأول من العام الحالي، مقارنة مع نفس الفترة من العام الماضي؛ ذلك يعني أن الحركة الاقتصادية منتعشة. وتشير معلومات سوق العقار إلى إقبال جيد على شراء الشقق السكنية رغم ارتفاع أسعارها.

في المقابل، هناك ما يربو على مائة ألف أسرة تتلقى رواتب شهرية من صندوق المعونة الوطنية، وبطالة بنسبة لا تقل عن 14 %، ومثلها فقر، ومعاناة واسعة في تأمين احتياجات التعليم والطبابة.

الصورة محيرة وغامضة بالفعل، ولم يفلح خبراء الاقتصاد في تقديم تصنيف وتعريف دقيقين لحال المجتمع الأردني. فرغم الدراسات والاجتهادات الكثيرة، إلا أننا لم نصل إلى أجوبة شافية تحل هذه الألغاز.