واشنطن - من هشام ملحم: القاهرة - الوكالات:
أكد الرئيس الاميركي باراك اوباما ان مصر "لن تعود الى ما كانت" قبل الانتفاضة الشعبية، "لان الشعب المصري يريد الحرية، يريد انتخابات حرة ونزيهة ويريد حكومة تمثيلية ومسؤولة". وأشار الى ان حكومته كانت تقول للرئيس حسني مبارك "علنا وفي اللقاءات الخاصة ان محاولة قمع شعبك لن تنجح".
وفي مقابلة اجرتها معه شبكة "فوكس نيوز" الاميركية للتلفزيون أمس، خاطب مبارك قائلا ان الرسالة التي تصل اليه من كل انحاء العالم هي: "عندما تلجأ الى القمع، وتلجأ الى العنف، فان هذا لن ينجح". ومع انه ذكر ان بعض العناصر في ايديولوجية جماعة "الاخوان المسلمين" معادية للولايات المتحدة، الا انه شدد على ان "الاخوان المسلمين" يمثلون فئة سياسية مصرية لا تحظى بدعم الاكثرية، وتحدث عن وجود قوى وشخصيات علمانية فاعلة في المجتمع المدني تريد المشاركة في العمل السياسي.
وسئل هل يستقيل مبارك، فاجاب: "هو وحده يعرف ما سيفعله، ولكن هذا ما نعرفه: مصر لن تعود الى ما كانت... وما قلناه هو عليكم ان تبدأوا العملية الانتقالية الان. لقد قرر مبارك ألا يترشح مرة ثانية، وولايته تنتهي هذه السنة. قلنا فلنضمن جمع كل الاطراف معا، واتركوا الشعب المصري يقرر في شأن عملية الانتقال المنظم (للسلطة)، ولكن ان تكون عملية انتقالية ذات مغزى وتؤدي الى حكومة تمثيلية".
ولدى الالحاح عيله، بالسؤال، قال ان "الولايات المتحدة لا تستطيع الاملاء... ما نستطيع فعله هو ان نقول ان الوقت الان لبدء التغيير في تلك البلاد". وسأله المذيع بيل اورايلي، وهو من ابرز مقدمي البرامج في "فوكس نيوز" والمعروف بمواقفه اليمينية وانتقاداته لاوباما، هل كان مبارك شريكا سيئا لاميركا، فاجاب: "الولايات المتحدة ومصر هما شريكان منذ وقت طويل، وهو كان شريكا جيدا بالنسبة الى السلام مع اسرائيل، كما دعمنا في جهود مكافحة الارهاب". لكنه اضاف ان المشكلة هي في القمع الذي مارسته حكومة مبارك للشعب المصري.
وهل هو قلق من نفوذ "الاخوان المسلمين"؟ أجاب: "اعتقد ان الاخوان المسلمين هم احدى الفئات في مصر وهم لا يتمتعون بدعم الاكثرية المصرية، لكنهم منظمون بشكل جيد، وهناك عناصر في ايديولوجيتهم معادية للولايات المتحدة ولا شك في ذلك... ولكن ما علينا ان ندركه هو ان هناك مجموعة كبيرة من القوى العلمانية ومجموعة كبيرة من المثقفين والناشطين في المجتمع المدني في مصر من الذين يريدون المشاركة" في العمل السياسي. واستطرد بانه "من المهم ألا نقول ان الخيارين المطروحين امامنا هما: إما الاخوان المسلمين وإما قمع الشعب المصري". ما نريده هو حكومة تمثيلية في مصر، ولدي الثقة بانه اذا دخلت مصر في عملية انتقالية منظمة فاننا سنجد حكومة نستطيع ان نتعامل معها شريكاً".
وكانت واشنطن عملت امس لليوم الثاني على احتواء الإشارات المتناقضة الصادرة عنها، فسعت إلى إبعاد شبهة رغبتها في إبقاء مبارك، اذ استعادت وزيرة الخارجية الأميركية هيلاري كلينتون الخطاب الداعي إلى قيام حكومة انتقالية، وذهبت إلى حد الترحيب، وإن يكن بحذر وديبلوماسية، بمشاركة "الاخوان المسلمين" في الحوار مع نائب الرئيس المصري اللواء عمر سليمان. وهو الحوار الذي قدم فيه سليمان تنازلات "شكلية" تضمن سلامة المتظاهرين في ميدان التحرير وتعترف بشرعية ثورتهم، وصولاً إلى الموافقة على لجنة للتعديلات الدستورية، وإن يكن لم يحمل مفاجأة، ذلك أن جوهر المواقف لا يزال كما هو: المعارضون والمتظاهرون لا يقبلون بأقل من رحيل الرئيس المصري حسني مبارك، بينما يرفض سليمان ان يفوض اليه الرئيس سلطاته. وأيا تكن النتائج التي سينتهي إليها الحوار الذي رفضته جماعات المعتصمين في ميدان التحرير، فإن أهم ما أظهره هو ان جماعة "الاخوان المسلمين" كرست نفسها الطرف الأهم فيه، في ظل غياب المدير العام السابق للوكالة الدولية للطاقة الذرية محمد البرادعي، فاكتسبت بذلك شرعية رسمية في الداخل والخارج.
وفي ميونيخ صرحت كلينتون: "علمنا اليوم أن الاخوان المسلمين قرروا المشاركة (في الحوار)، الأمر الذي يشير الى انهم على الأقل صاروا الآن مشاركين في الحوار الذي شجعنا على إقامته... سننتظر ونرى كيف يتطور ذلك، لكننا كنا واضحين جداً حيال ما نتوقعه"، في ما بدا إشارة إلى استعداد الإدارة الأميركية للتعامل مع حكومة مصرية مقبلة تضم الجماعة المحظورة. واجرت كلينتون اتصالاً هاتفيا برئيس الوزراء المصري احمد شفيق. كيري كذلك قال رئيس لجنة العلاقات الخارجية في مجلس الشيوخ الأميركي جون كيري إن مبارك "بدأ حواراً مع محتجين، وهو يتعهد الآن رفع حال الطوارئ وهذا ما يعد خطوة رئيسية أمام فتح الباب نحو العملية الديموقراطية. أعتقد أن هذه بداية". لكن "أهم شيء الآن هو ضمان أن تسير العملية بحيث تجرى انتخابات حرة ونزيهة وأن يكون في الامكان تأسيس أحزاب وأن تتمكن من تنظيم حملات" انتخابية. واقترح أن يخاطب مبارك الشعب المصري مرة ثالثة لتوضيح "الجدول الزمني وما هي العملية على وجه الدقة. إذا حدث ذلك فمن الممكن بحق أن يؤدي ذلك إلى نتيجة أفضل". وإذ انتقد تصريحات المبعوث الأميركي فرانك ويزنر التي "لم تكن الرسالة التي طلب منه تسليمها أو التي سلمها"، ذكَر بأن الرئيس الأميركي كان واضحاً، فهو "يريد التغيير، ويريد ذلك فورا. يريد أن يكون ذلك فعالاً وأن يكون منظماً، هذه هي الشروط التي وضعها الرئيس".
الحوار وكان شارك في الحوار مع سليمان ممثلان لـ"الاخوان المسلمين" ورئيس حزب التجمع رفعت السعيد ورئيس حزب الوفد السيد البدوي وسكرتيره العام منير فخري عبد النور ورئيس حزب الغد (الجناح الموالي للنظام) موسى مصطفى موسى وشخصيات مستقلة.
وصرح الناطق باسم الحكومة المصرية مجدي راضي بانه تم "التوافق على بيان" ينص على اجراءات عدة أبرزها "تشكيل لجنة تضم اعضاء من السلطة القضائية وبعضاً من الشخصيات السياسية تتولى دراسة واقتراح التعديلات الدستورية". وأضاف ان الجانبين وضعا "خريطة طريق للتفاوض"، مشيراً إلى ان مبارك سيظل في السلطة للاشراف على تنفيذ الإصلاحات.
وفي المقابل، أصدرت جماعة "الاخوان المسلمين" بياناً تحدثت فيه عن "خلاف في الرأي على بقية المطالب التي يطالب بها الشعب"، في مقابل الاتفاق على أمور عدة، منها "انهاء حال الطوارئ بمجرد تحسن الظرف الأمني وقبل اجراء اي انتخابات مقبلة" و"ملاحقة الفاسدين". وقال مسؤول في حزب معارض ان سليمان رفض مطلب أن يفوض اليه مبارك سلطاته له، وقال إن "الديموقراطية تتحقق على مراحل". كذلك التقى سليمان ممثلين للعتصمين في ميدان التحرير بعد انتهاء حواره مع الشخصيات السياسية.
وكان ميدان التحرير شهد في "أحد الشهداء" قداساً ومشاركة قبطية. ومع تواصل الاعتصام الشعبي في الميدان، قال محمد عادل، أحد منظمي التحركات وهو من "حركة 6 أبريل"، إن الحوار شكل تحايلاً على "مطالب الشعب"، مجدداً رفض أي تفاوض قبل رحيل مبارك. وشكلت المجموعات الشبابية قيادة مشتركة حملت اسم "القيادة الموحدة لشباب ثورة الغضب". وجاء في بيان تلاه زياد العليمي، أحد الأعضاء الستة في تلك القيادة التي تألفت في نهاية كانون الثاني وأُعلنت امس، ان الاعتصام باق الى حين "استقالة رئيس الجمهورية" و"الغاء حال الطوارئ" و"حل مجلسي الشعب والشورى" و"تشكيل حكومة وحدة وطنية تتفق عليها القوى الوطنية".
وتضم القيادة ممثلين لـ"حركة 6 ابريل" وشباب "الاخوان المسلمين" و"الجبهة الديموقراطية" و"مجموعة العدالة والحرية" و"حملة طرق الأبواب" وحملة دعم الدكتور محمد البرادعي. وفي موقف استرعى الانتباه، اتهم وزير الخارجية المصري أحمد ابوالغيط ديبلوماسيين لم يسمهم بمحاولة إدخال أسلحة وأدوات اتصال في حقائب ديبلوماسية.
|