التاريخ: شباط ١٠, ٢٠١١
المصدر: جريدة الراي الكويتية
لبنان يتجه لمواجهة «وجهاً لوجه» بين حكومة «أحادية» ومعارضة شرسة
لمسات أخيرة على التشكيلة الوزارية وعلى... إحياء ذكرى الحريري

| بيروت ـ من وسام أبو حرفوش |

 

يتجه لبنان نحو معادلة صراعية قاسية، وسط منطقة مصابة بـ «الغليان» وعالم اربكته الوتيرة الصاخبة للتحولات في دول مركزية في الشرق الاوسط كانت «نائمة» حتى امد قريب.
والمعادلة الجديدة التي ستحكم الصراع المتأجج في بيروت تقوم على المواجهة «وجهاً لوجه» بين حكومة «احادية» موالية لسورية ومعارضة «شرسة» خطها الدفاعي المحكمة الدولية الخاصة بلبنان.


ويُشكل تزامن العمل على وضع اللمسات الاخيرة على تشكيلة الحكومة العتيدة مع التحضيرات لإحياء الذكرى السادسة لاغتيال رئيس الحكومة السابق رفيق الحريري في 14 الجاري، «مصادفة زمنية» ذات دلالة سياسية ترتبط بـ «الحلة الجديدة» للصراع في لبنان.


فرغم ان «التاريخ لا يعيد نفسه» بدت اللحظة السياسية الراهنة شبيهة بتلك التي سبقت اغتيال الحريري في 14 فبراير من العام 2005... حكومة احادية جاءت بارادة سورية بعد اقصاء الحريري ـ الاب، انفجرت معها معارضة شرسة عرفت في حينه بـ «لقاء البريستول».
فالمعطيات الراهنة على خطي الاكثرية المستجدة (8 اذار) والمعارضة الجديدة (14 اذار) توحي بان البلاد تتجه نحو استحضار «النموذج السابق» مع الاتجاه الى المجيء بحكومة من «لون واحد»، وذهاب «اللون الآخر» الى المعارضة الشرسة.


فمع انتقال الرئيس المكلف تشكيل الحكومة نجيب ميقاتي من مرحلة «غربلة» نتائج المشاورات والشروط الى «القلم والورقة» لرسم الصياغة النهائية لحكومته، اتضح انها ستشكل من «الاكثرية الحالية» وبمعزل عن قوى «14 اذار»، التي اجرت تمريناً تفاوضياً، اقرب الى المناورة، مع ميقاتي.
ومع «حرق المراكب» بين ميقاتي و«14 اذار» سرّعت الاخيرة من التحضيرات السياسية واللوجيستية لاطلاق حركة معارضة واسعة، وصفت بـ «الصلبة والشرسة»، خلال مهرجان احياء ذكرى اغتيال الحريري في مجمع «البيال» وسط بيروت، الاثنين المقبل.


وفي الطريق الى هذا النمط الجديد من الصراع تسارعت الخطوات في بيروت الى ضربت اكثر من موعد لولادة الحكومة، رواحت بين نهاية الاسبوع ومنتصف الاسبوع المقبل، وسط تسريبات عن تشكيلات وزارية الثابت فيها ان الحكومة العتيدة ستكون من 24 وزيراً من سياسيين وتكنوقراط.
وشكل عيد مار مارون في محطتيه، البيروتية والحلبية، مناسبة ظهّرت مجدداً مشهد الانقسام المسيحي حول الخيارات السياسية، اذ حضر مسيحيو «14 اذار» الى جانب الرئيس ميشال سليمان في بيروت، في وقت اطل زعيم «التيار الوطني الحر» العماد ميشال عون من براد السورية.


ومن المفترض ان يأخذ الملف الحكومي دفعاً مع عودة زعيم «التيار الحر» الى بيروت، لإنهاء عقدة التمثيل المسيحي المتمثلة في نقطتين هما: «صراع الجنرالين»، سليمان وعون الذي يخوض في الحكومة معركة ضدّ سليمان بدأها تحت عنوان فرض «حُرم» على تمثيل الأخير بوزراء محسوبين عليه، هو الذي كان لديه 5 وزراء في الحكومة المستقيلة، ليستكملها بعد فشل هذه المحاولة، تحت عنوان حصر تمثيل رئيس الجمهورية بثلاثة وزراء كحدّ اقصى وانتزاع حقيبة الداخلية السيادية منه، وهو ما لا يبدو قابلاً للحصول، وطرْح الحصول على حقيبة الدفاع السيادية (من سليمان) كمطلب وصفته دوائر مراقبة بأنه «لإنقاذ ماء الوجه» إزاء «السقف العالي» لعملية استهداف موقع رئيس الجمهورية ضمن الحكومة العتيدة.


مع الاشارة الى ان تقارير تحدثت عن «كباش» بين عون والنائب سليمان فرنجية على هذه الحقيبة «الأرثوذكسية» التي قيل ان زعيم «المردة» يريدها للنائب السابق فايز غصن (يكون ايضاً نائباً لرئيس الحكومة)، وانه يلوّح حتى بالانسحاب من التكتل العوني اذا لم يتراجع رئيسه عن ترشيح وزير البيئة السابق يعقوب صراف من حصته.


اما النقطة الثانية على مستوى التعقيدات المتصلة بالتمثيل المسيحي، فتتعلّق بما اعتبرته اوساط سياسية «محايدة» شعار «الأمر لي» الذي رفعه عون على مستوى «الصفة التقريرية» في كل ما يتعلّق بالوزراء المسيحيين، على قاعدة ان ينال تكتله بين 10 و12 وزيراً (بينها 7 او 6 للتيار الحر والباقون لفرنجية وحزب الطاشناق)، وهو ما يجعله لوحده يملك «حصة الأسد» في حكومة من 24 وزيراً (نحو نصفها)، الا اذا عاد الأمر ليرسو على صيغة حكومة ثلاثينية مراعاةً لـ «هجمة الاستيزار»، وعندها يريد «الجنرال» ان يكون له «حق الفيتو» على الوزراء المسيحيين الآخرين الذين لا يختارهم.


وكان ميقاتي تداول مع سليمان مساء اول من امس مسودّة اولية لتشكيلة قيل انها من 24 وزيراً موزّعة على قوى «الاكثرية الجديدة» اضافة الى تكنوقراط، كما أجريا عملية «جوجلة» للاسماء والحقائب، وسط معلومات عن قرار من «حزب الله» تبلّغه الرئيس المكلف بانه لن يشكّل اي عقبة امام التشكيلة الحكومية وانه لن يتوقّف عند نوعية الحقائب بأي شكل وإن كان يرغب بإبداء الرأي في الوزير المرشح لتولي حقيبة العدل (مبدئياً ستذهب لعون)، في حين بدا التمثيل السنّي مسهلاً ومنضبطاً تحت عنوان «لا أسماء استفزازية» الذي سيلتزم به ميقاتي الذي يحرص على مراعاة تمثيل بيروت وطرابلس وصيدا اذا استطاع، من دون ان يُحسم اذا كان سينجح في إحداث «خرق» من البوابة السنية في صفوف «الأكثرية القديمة» عبر استقطاب احد نوابها (عن بيروت) تمام سلام الذي لم يجزم امر مشاركته ولا حسم عدمها، مكتفياً امس بنفي ما ذُكر عن إعلانه الموافقة على دخول الحكومة، مؤكدا أنه ليس مستوزراً، ومذكرا بأن اي مشاركة له «ستكون على قاعدة الوسطية والاعتدال»، مضيفاً: «اذا لم أجد في المشاركة ما يريحني فلن اشارك».
كما بات شبه محسوم ان التوزيع الطائفي للحقائب السيادية الاربع سيبقى «على قدمه»، رغم «الرغبة» التي أعرب عنها رئيس البرلمان نبيه بري في إسناد حقيبة المال الى شيعي من حصته، مما يستتبع تخلي السنّة عنها.


وفي هذا الإطار ترى دوائر سياسية ان ميقاتي يصعب ان يتخلى عن هذه الحقيبة التي يريدها للوزير محمد الصفدي، لان هذا سيضعه في هذه المرحلة في خانة المفرّطين بحقوق الطائفة السنية التي يحاذر الرئيس المكلف اي استفزاز اضافي لها بعد إقصاء الحريري، علماً ان ميقاتي رفع بعيد تكليفه شعار «انا السنّي الاول».
وفي غمرة دخول الملف الحكومي مرحلة «مخاض ما قبل الولادة»، استوقف الاوساط السياسية تطوران، هما:
* الدعوة التي وجّهها مفتي الجمهورية الشيخ محمد رشيد قباني إلى اجتماع إسلامي موسّع يعقد في دار الفتوى اليوم.


* الزيارة التي يقوم بها الأمين العام لـ «تيار المستقبل» أحمد الحريري، لطرابلس، مسقط ميقاتي و«خزان» التيار، في خطوة وُضعت في إطار توجيه «رسالة جديدة» بان عاصمة الشمال لن تكون «متروكة» للرئيس المكلف والصفدي اللذين باتا يشكلان نواة تحالف «جدّي» يمكن ان يشكّل «خطراً» في الانتخابات النيابية المقبلة، كما اعتُبرت محاولة لوضع كوادر «المستقبل» وجهاً لوجه امام مستلزمات مرحلة «المعارضة» التي تنطلق «رسمياً» مع ولادة «حكومة اللون الواحد».


في سياق متصل، اعلنت السفيرة الاميركية مورا كونيللي، بعد زيارتها رئيس الهيئة التنفيذية في «القوات اللبنانية» سمير جعجع، «أن تشكيل الحكومة الجديدة هو عملية لبنانية حصراً وينبغي أن تظل بمنأى عن التدخل الخارجي»، مشددة على أن «الولايات المتحدة ستحتاج إلى النظر في تشكيلة الحكومة الجديدة وبيانها الوزاري وأدائها قبل أن تتخذ أي قرار بشأن العلاقات الثنائية الأميركية - اللبنانية».