القاهرة - أمينة خيري نظر المذيع اللامع في البلورة المسحورة، وقال: «11 حقيبة سيتم تغييرها». وصال وجال في ما رأى في بلورته، مضيفاً أن التعديل يصاحبه تغيير في المحافظين. وقبل أن يترك جموع المشاهدين في «حيص بيص»، طمأنهم وبشرهم بأن «مصر مليئة بالكفاءات وعامرة بالقدرات».
قدرات المصريين على التعامل مع أنباء التعديل وأخبار التغيير عالية جداً. وهي قدرات مكتسبة عبر العقود ومهارات متراكمة من خلال مئات، وربما آلاف، المواقف الشبيهة على مر العصور. ورغم معرفة شعبية ضمنية وقناعات تاريخية بأن أحداً في نهاية المطاف لن يعرف لماذا رحل هذا (باستثناء من رحلوا رحيلاً إلى الآخرة وهي حالات نادرة تكاد تحصى على نصف أصابع اليد الواحدة) أو على أي أساس جاء ذاك، إلا أن اهتمامهم المحموم وانغماسهم المخلوط بمعلومات تكهنية صارخة وحقائق غير علمية واضحة في شأن كل تغيير أو تعديل لا يفتر أو يلين أو يرتدع لتأكيدات عدم التغيير.
«لا موجة غلاء قادمة، ولا تعديلات وزارية مقبلة»، هكذا صرح رئيس الوزراء شريف إسماعيل. لكن في مصر، يعلم الجميع أن نفي التعديل إيجاب، وأن تأكيد عدم زيادة الأسعار خيال. حديث الشارع تسيطر عليه آلام الزيادات ويطغى عليه توقعات بالأسوأ في شأن جنون أسعار غير مسبوق وتلويح بمزيد لا يفوته القلب والأذن. ورغم عدم فهم كثيرين المقصود بـ «ضريبة القيمة المضافة» التي تطرحها الحكومة ويدرسها البرلمان ويتداولها الإعلام، إلا أن «الضريبة الجديدة» (كما يُشار إليها شعبياً) تعني زيادة أوتوماتيكية في الأسعار الزائدة أصلاً.
الأصوات الرسمية تشير إلى أن الأسعار إما لن تتأثر أو ستتأثر بدرجة لا يشعر بها المواطن. أما الإعلام الخاص وجيوش المحللين وقلوب المواطنين فترجح بل وتؤكد أن الأسعار إلى زيادة، وأن الجميع سيشعر بهذه الزيادة.
الزيادة في المعاشات التي أعلنتها وزيرة التضامن الاجتماعي غادة والي ثم رفضها البرلمان مطالباً بزيادتها رغم موافقة لجنة القوى العاملة على الاقتراح الحكومي، صاحب جدلها تصريح غريب بأن «المواطن الفقير أكثر استعداداً للتحمل عن نظيره الغني»، وهي الكلمات التي تفوهت بها الوزيرة وأشعلت دوائر التحليل وأججت أروقة التخمين. مواطنون مطحونون رأوا في التلويح تأكيداً على حدوث زيادة كبيرة في الأسعار وتوقع قدر أكبر من المعاناة وكأن كلماتها تؤهل الجميع لقادم أسوأ. آخرون ربطوا بين الكلمات وتصاعد وتيرة «تلويحات» التعديل، فتمنوا تغيير الوزيرة وضمها إلى الحقائب المزمع تغييرها.
تغيير الحقائب شعبياً هو الوجه الآخر لزيادة الأسعار. فرغم أن زيادة الأسعار ماضية قدماً في طريقها لا ترتدع لتحذيرات المسؤولين بمعاقبة التجار الطماعين أو وعود الرئاسة بالسيطرة على السوق، إلا أن القشة التي يتعلق بها الغريق أو يتعلل بها المأزوم أو يعقد عليها المطحون آمالاً بالخلاص تكمن في تغيير الوزراء.
هذا التغيير يخضع هذه الأيام لعمليات تكهن وتلميح وتلميع وكذلك استغلال لدق الأسافين وفرصة لإنعاش الميتين سريرياً والمفقودين ثورياً والخاملين عنكبوتياً. فإذا كان المذيع مصرحاً بتوقعاته المرئية عن تعديلات وزارية محدداً لها ملامح يقول إنها نهائية، فإن غيره من زملائه وكل من هب ودب في عالم الصحافة يصول ويجول في المضمار نفسه. وبين حقيبتين وسبع وتسع، وفي أقوال أخرى 11 حقيبة، تتعالى التوقعات وتتواتر التكهنات. منها ما يترك الباب مفتوحاً لحفظ ماء الوجه في حال أخفق التوقع وتبخر التعديل، فمال إلى التعميم والابتعاد عن التحديد بعبارة مثل «لدي قائمة بالأسماء لكن لن أعلن عنها حتى لا أجهض التغيير»، ومنهم من غامر وقامر وأعلن أسماء الوزراء الذين سيطاح بهم مع تنويعات في الأسباب، بعضها واضح وضوح الشمس للعيان وبعضها شأنه شأن غيره من مجهولات الغيب.
فمن ملف فساد القمح، إلى جنون تسريبات اختبارات الثانوية العامة على يد «شاومينغ»، ومنهما إلى جمود الصحة وتحجر التعليم بدرجتيه، وكذلك وقوف الاستثمار محلك سر ومعه السياحة والثقافة وربما رئيس الوزراء نفسه، يغرق كثيرون حالياً في التوقع والتكهن. ومعهم يغرق المواطنون الذين يدلون بدلوهم في شأن هذا التعديل بحسب نوعية مشاكلهم.
فالمواطنون الأكثر معاناة من زيادة الأسعار تحدثهم قلوبهم بأن وزراء المجموعة الاقتصادية على رأس التعديل، أما المنشغلون بمسائل التخطيط وقضايا التكتيك للمستقبل القريب فيتوقعون حقائب الثقافة والسياحة وربما التعليم بأنواعه. وتظل هناك فئة تقرأ بين السطور وتحلل ما خلف الأمور. فرئيس الوزراء الذي أدلى بتصريحات لجريدة «الأهرام» مؤكداً فيها أن متابعة الرئيس عبدالفتاح السيسي بنفسه للمشاريع الجاري تنفيذها والتكليفات في كل القطاعات «لا تعني أن هناك تعديلاً وزارياً قادماً» أشعل توقعات التغيير من أعلى. ورده على سؤال عن احتمالات زيادة سعر تذكرة مترو الأنفاق في الموضوع المعنون «رئيس الوزراء: لا زيادة في الأسعار» جاء ليؤكد أنه إذا كانت الزيادة الحادثة فعلياً منفية رسمياً، فإن التعديلات المستبعدة رسمياً أيضاً تعني إنها حادثة. رد إسماعيل قائلاً إن «ضرورة استمرار خدمة المترو والمحافظة على مستوى الخدمة من خلال الصيانة المستمرة تتطلب توفير التمويل اللازم لاستمرار هذه الخدمة، وهذا ليس بالأمر الهين».
هوّنت أحاديث التعديل وتوقعات الأسماء من ألم الزيادات وسكنت أوجاع الجيوب المستنزفة، لكن آثار المسكن إلى زوال مهما طال أمدها، وهو ما سيحدث مع أول فاتورة كهرباء تدق الباب، أو قائمة مشتريات تستنفد ما في الجيب، أو حدوث التعديل مع استمرار جنون الأسعار. فأي تعديل وزاري مرتقب لا يتوقع أن يخفف آلام الجيب المنتهك.
|