على خلفية النقاش الواسع في الأوساط الاكاديمية والاعلامية حول جدوى واشكالية تقديم الدعم المادي للمعارضة السورية، تواصل الحكومة الاميركية ارسال الاشارات المبهمة والمتناقضة الى المعارضة السورية والتي تعكس تردد واشنطن في المساهمة في تسليحها. ففي اليوم السابق لمؤتمر "اصدقاء الشعب السوري" في تونس، قالت وزيرة الخارجية هيلاري كلينتون ان المعارضة السورية سوف تزداد فاعلية "وسوف يحصلون بطريقة ما ومن مصدر ما على الوسائل التي تسمح لهم بالدفاع عن انفسهم، والبدء بعمليات هجومية".
لكن كلينتون سرعان ما اثارت الشكوك في طبيعة القوى التي تعارض النظام السوري متذرعة باحتمال دخول تنظيم "القاعدة" في الخليط المناوىء لنظام الاسد حين قالت لهيئة الاذاعة البريطانية "بي بي سي": "هناك مجموعة خطيرة جدا من اللاعبين في المنطقة، القاعدة، حماس، وغيرهم من المصنفين ارهابيين، من الذين يدعون دعم المعارضة".
وتساءلت في مقابلة مع شبكة "سي بي اس نيوز" الاميركية للتلفزيون: والى من ستسلم هذه الاسلحة؟". وتابعت في اشارة لافتة وغريبة: "نحن ندرك ان ايمن الظواهري يدعم المعارضة" في سوريا. وحضت في تساؤلاتها: "هل ندعم نحن القاعدة في سوريا". وحتى الان لم يتحدث المراسلون الاجانب الذين جالوا في شمال سوريا اخيرا عن اي وجود ميداني لافت لتنظيم "القاعدة".
كما لوحت كلينتون باحتمال انزلاق سوريا الى حرب اهلية، قائلة ان "التدخل الخارجي لن يمنع ذلك، بل ربما عجل فيها "الحرب الاهلية". لكنها عادت الى القول ان الذين يريدون مقاومة النظام سيجدون الاسلحة، مؤكدة انه حتى لو تسلموا اسلحة اوتوماتيكية، فانها لن تكون مجدية ضد الدبابات والمدفعية الثقيلة "وسوف يستمر قتل الناس".
ولعل الموقف الاكثر غرابة من كلينتون جاء في مقابلة مع شبكة "سي ان ان" الاميركية للتلفزيون حين لمحت الى ان السوريين المعارضين للنظام لا يقومون بما فيه الكفاية، واضافت: "وانا اتساءل عن موقف الناس في دمشق وفي حلب... في اي وقت سوف يفلتون من سيطرة هذا النظام غير الشرعي؟". ولدى سؤالها عما اذا كانت بذلك توجه دعوة الى السوريين ليفعلوا ذلك، اجابت كلينتون بالايجاب.
المشكلة هي انه، بصرف النظر عن موقف واشنطن من تسليح المعارضة، بدأت دول صديقة لها عربية وغير عربية، أو ستبدأ، بتسليح المعارضة. واذا كانت سوريا بالفعل تنزلق الى حرب اهلية، فان تاريخ معظم الحروب الاهلية يبين ان تدخل، أو انجرار الجيران الى التدخل في حرب اهلية، هو امر شبه حتمي. الذين يؤيدون دعم المعارضة عسكريا ومادياً، والبدء بالتحضير لمناطق آمنة قرب الحدود مع تركيا بالتحديد، تسمح لواشنطن بالتأثير أكثر على التطورات على الارض والمساهمة في التعديل في اسقاط النظم وتفادي حرب أهلية طويلة يخشاها الجميع.
|