الأربعاء ١٤ - ٥ - ٢٠٢٥
 
التاريخ: شباط ١٢, ٢٠١١
المصدر: جريدة النهار اللبنانية
 
ثورة لا تفرح "النظم الثورية" - علي حماده

مع تنحي الرئيس حسني مبارك عن الرئاسة بدأت مرحلة جديدة ليس على صعيد مصر وحدها بل على صعيد المنطقة بأسرها. فالثورة الشبابية التي ما لبثت كل القوى الحية في البلاد ان انضمت اليها حتى صارت ثورة عارمة اخذت في دربها بنية النظام بأسره، ففرضت معادلة جديدة على القوى الضامنة للامن القومي اي الجيش، بحيث ما عاد ممكنا ان يبقى على ولائه للرئيس السابق حسني مبارك في ظل قرار واضح وصريح بعدم الاصطدام بالشعب وفقا لمسار تاريخي انتهجه الجيش منذ ولادته وما شذّ عنه يوما. فلم يحصل ان اطلق الجيش النار على الشعب.


لقد كانت الشعارات التي امتلأت بها ساحات المدن المصرية ومدونات الشباب شعارات مدنية مطلبية اجتماعية تتعلق بالحقوق السياسية المدنية والانسانية للمواطنين. ولم نر اي حراك مطلبي جدي لشعارات ايديولوجية او ثورية بما يلامس السياسة الخارجية، وهذا بالتحديد هو العنصر اللافت. فقد قامت ثورة ضد الديكتاتوية والمافيوية الحاكمة والفساد والقمع المخابراتي. وكان الاسلام الثوري غائبا تماماً كغياب العروبة الثورية المنبثقة من خطاب ستينيات القرن الماضي. وكانت معضلة التوريث عنصراً مستقطباً للاعتراض الشعبي بحيث انها شكلت منذ بضع سنوات محركا اساسيا من محركات المجتمع المدني الاعتراضي.


ومما تقدم يمكن القول ان ثورة مصر انهت النموذج الايراني للثورات حيث الانسان في خدمة الايديولوجيا. وانهت النموذج البعثي في ما تبقى منه حيث الانسان في خدمة الانظمة. وشكّلت نموذجاً عربياً سوف ينعكس شئنا ام ابينا على كل الرقعة العربية. فالثورة حصلت في اكبر دولة عربية، وسنية. والعنصر الاسلامي السياسي لم يكن محركها ولا حاول ان يتصدرها، ولا حتى ان يركب موجة تحولت الى مدّ هائل ذابت فيه الخصوصيات والاجندات الخاصة.


بعد ثورة مصر 2011 لن يعود العالم العربي كما كان. ولن تعود الانظمة العربية او حتى الاسلامية قادرة على الاستمرار طويلا في حكم الشعوب بقوة الخوف والترهيب تحت شعارات ثورية او "قومجية" انتهت صلاحيتها في عقول الناس وقلوبهم. ومن هنا علينا ان نراقب بلداناً عربية واسلامية من الخليج الى المحيط "معتدلة" و"غير معتدلة" على حد سواء. فترددات ثورة مصر سوف تسمع بعيداً بعيداً ولزمن طويل بعد ان تعود وتهدأ في مصر نفسها.


لقد ثبت ان المجتمع المدني عندما يكسر حاجز الخوف بإمكانه ان يقلب المعادلات ويفرض التغيير. وما احوج الشعوب العربية الى التغيير الحاسم لأوضاعها المأسوية.
سقط حسني مبارك في مصر فارتفع منسوب القلق في أروقة الأنظمة من طهران الى نواكشوط!
فمن التالي؟ 
   



الآراء والمقالات المنشورة في الموقع لا تعبر بالضرورة عن رأي الشبكة العربية لدراسة الديمقراطية
 
تعليقات القراء (0)
اضف تعليقك

اطبع الكود:

 لا تستطيع ان تقرأه؟ جرب واحدا آخر
 
حقوق النشر ٢٠٢٥ . جميع الحقوق محفوظة