Deprecated: GetLink(): Optional parameter $Href declared before required parameter $Img is implicitly treated as a required parameter in /home/ademocr/public_html/Arabic/include/utility.inc.php on line 254
الشبكة العربية : القبلية الدينية والفتنة السياسية - صلاح سالم
الجمعه ٩ - ٥ - ٢٠٢٥
 
التاريخ: تشرين الأول ٢١, ٢٠١٢
المصدر: جريدة الحياة
القبلية الدينية والفتنة السياسية - صلاح سالم
طالما ارتبط مفهوم القبلية بتلك المجتمعات التي لم تنضج تركيبتها المجتمعية، ولم تدخل عصر الحداثة القانونية والسياسية. كما ارتبط مفهوم الفتنة بالطائفية والمذهبية الدينية، لأن التباين المذهبي والتنوع الطائفي يؤديان إلى عصبيات تقود إلى الصدام والفتنة. أما المشهد الذي شهده «ميدان التحرير» في قلب القاهرة، عاصمة الربيع العربي، يوم 12 تشرين الأول (أكتوبر) الجاري، فيجسد خلطاً بيّناً لهذه المفاهيم المستقرة، إذ رأينا بأم أعيننا من دون رواية وسيطة تدعي وجود طرف ثالث، أنصار «الإخوان» يعتمرون قبعاتهم ويعتدون بالعصي والحجارة على معارضي الرئيس، صارخين فيهم ومتوعدين إياهم بأن مرسي، أي الرئيس «وراه رجّالة». هذه العبارة كنتُ اعتدتُ سماعها في «خناقات» عائلية في قريتي الصغيرة في دلتا النيل، حينما يود أحد المتعاركين أن يثبت أن له عزوة من عائلته الريفية لا يحتاج معها إلى حماية الشرطة، ولكني لم أسمعها قط في منحنيات السياسة ومنتدياتها القاهرية طوال عشرين عاماً، لا قبل الثورة ولا بعدها حتى يوم الجمعة الحزين.
 
كنا نعلم، بل ربما كتبتُ على هذه الصفحة قبل جولة الإعادة في الانتخابات الرئاسية، عندما كان الصراع يدور بين شفيق ومرسي، مرجحاً كفة الأول على علاته السياسية، ورغم انتمائه إلى النظام القديم، معللاً ذلك بأنه يظل ابناً خالصاً للدولة المدنية المصرية، لا يستطيع العمل إلا من خلالها على منوال أسلافه المنتمين إلى موروث 23 تموز (يوليو) الجمهوري، الحداثي، ولو الاستبدادي، فيما يعد مرسي ابناً لجماعة ذات توجه سياسي محافظ، وتوجه ثقافي رجعي، طالما عملت من خارج إطار الدولة، من داخل إطار الشرعية أحياناً، ومن خارجه غالباً. الأول لا يستطيع مواجهة الناس إلا بأدوات عمل الدولة، سواء نجح في استخدامها ليبقى ويستمر، وإما فشل في التعامل معها، وساعتها سيتمكن الناس من الخروج عليه ضمن صيغة الخروج المعروفة والمضمرة في ثنائية سلطة - مجتمع، والتي تضمن بقاء الصراع سياسياً منظماً، فيما الثاني يستند إلى جماعة منظمة، ينتمي إليها انتماء عقدياً لا سياسياً، تمارس معه لعبة الولاء الديني لا التأييد السياسي، ومن ثم فهي، وبغض النظر عن مضمون سياساته أو توجهاته، مؤيدة له على الدوام، وتدافع عنه باستمرار، كأحد أبنائها، إذ إن شرفه من شرفها، وحياته من حياتها. إنه بالضبط منطق القبيلة، وإن تدثرت بغطاء سياسي (الحرية والعدالة)، أو عملت ضمن إطار حداثي (النظام الدستوري والسياسي المصري)، وهو الأمر الذي كشفته وجسدته أحداث التحرير الأخيرة التي حاولت الجماعة من خلالها أن تثبت للمصريين أن الرئيس وراءه رجّالة تدافع عن شرفه من النقد السياسي الذي تعتقد أن يتلوث بالنقد السياسي.
 
 
 
تسرّع... وكمّ أفواه
 
كان «الإخوان» يعلمون أن هناك تظاهرة يوم الجمعة 12 تشرين الأول (أكتوبر) الجاري أعلنت عنها القوى المدنية للتعبير عن استيائها من أداء الرئيس في المئة يوم الأولى من حكمه، وعجزه عن حسم أو التأثير الإيجابي في الملفات الخمسة التي أعلن أولويتها في برنامجه. ربما كان من قبيل المبالغة أن يطالب الناس أو يتصوروا حل تلك المعضلات الكبرى في مئة يوم، وهي التي تراكمت عبر عشرات السنين، ويرجع بعضها إلى أسباب سلوكية لدى الناس، وثقافية راسخة في المجتمع، حتى ولو كان الرئيس هو من بادر بادعاء تلك القدرة على الحل. وقد يكون التظاهر على ما اعتبر فشل الرئيس الآن نوعاً من التسرع غير المحمود، إذ تفرض قواعد الإنصاف والعدالة إعطاء الرجل فرصة أكبر ووقتاً أطول قبل الحساب. ولكن الأمر المؤكد، في المقابل، هو خطورة منع الناس من التعبير عن استيائها أو غضبها إزاء حكومة تبدو عاجزة إلى درجة الشلل عن مواجهة معظم تلك الملفات، اللهم سوى مشكلة الأمن التي حدث فيها نوع من التحسن أو التقدم. أما الأخطر فهو أن تتلبس تلك الممانعة ثوباً دينياً، قبلياً، فلا يصبح للرئيس مؤيدون كما أن له معارضين سياسيين، بل يصبح للرجل، عضو الجماعة، «رجّالة» يحمونه بميليشيات تعترض طريق الآخرين، وتقمعهم بالعدوان عليهم، من خارج إطار الدولة التي أخذت موقف الحياد السلبي.
 
أرادت الجماعة ومنتسبوها أن يفسدوا المناسبة وأن يقمعوا أي معارضة ظاهرة للرئيس، ومن ثم جاءت واقعة الحكم القضائي بتبرئة المتهمين في «موقعة الجمل» بمثابة الذريعة القوية للخروج تعبيراً عن غضبهم من الحكم، ولو أحسنوا التقدير أو النية لأجّلوا خروجهم لهذا الهدف إلى اليوم التالي تجنباً للاحتكاك مع قوى المعارضة المدنية والثورية.
 
أما اختيار اليوم نفسه والمكان نفسه للتظاهر فلا يعكس سوى سوء النية أو التقدير أو كليهما، ناهيك بأن طريقة الاعتراض على حكم قضائي مهما كان صادماً، وهو كذلك بالفعل، لابد أن تكون قضائية لا سياسية، من داخل المؤسسات لا من خارجها. فثمة إمكان لنقض الحكم أو رد المحكمة، وثمة إمكان مختلف تماماً لإنشاء محكمة ثورية تحاكم هؤلاء المتهمين، وهم من رموز النظام السابق الذين أفسدوا الحياة السياسية. أما إقالة النائب العام من دون سند دستوري، والتظاهر السياسي أمام مكتبه بل الادعاء كذباً بقبوله منصباً شرفياً، فكلها أمور لا تمت بصلة إلى طريقة عمل السياسة، أو عمل الدولة، ولا يمكن فهمه إلا في سياق الحركة العشوائية لقبيلة سياسية تسعى للدفاع عن رجلها، وأن تثبت أن وراءه «رجّالة» قادرين على قمع من يعارضه، لأن في تلك المعارضة انتهاكاً لشرف القبيلة السياسية، ذات الفحوى الدينية، من دون انتباه أو حتى مبالاة بكونها تصرفات تنال من بنية الدولة وهيبتها، ومن القانون وسيادته.
 
يمثل هذا السلوك الإخواني المليشيوي تطوراً لافتاً يثير إذا ما استمر وتصاعد احتمالات الفتنة السياسية. وبدلاً من الفتنة الطائفية التي ما إن تهدأ حتى تتجدد، نجد أنفسنا أمام فتنة جديدة سياسية بين الإخوان ومعارضيهم. وبدلاً من كون الصراع سياسياً يدور بين أفكار وأحزاب، حول الصندوق الزجاجي، نجده ينتقل إلى الشارع من جديد، ليدور بين أجساد بشرية مندفعة مع الرئيس أو ضده، محكومة بولاءات مذهبية ورؤى دينية أكثر منها ببرامج سياسية أو تصورات إيديولوجية، وتلك انتكاسة سياسية كبرى ذات دلالة هائلة وهي أن جماعة الإخوان التي اعتبرت نفسها واعتبرها شريكة في الثورة على نظام سياسي بائد، لا تنتمي فقط إلى هذا النظام المستبد سياسياً، بل وإلى ما قبل هذا النظام (الجمهوري/ الحداثي) ثقافياً.
 
 
* كاتب مصري


الآراء والمقالات المنشورة في الموقع لا تعبر بالضرورة عن رأي الشبكة العربية لدراسة الديمقراطية
 
تعليقات القراء (0)
اضف تعليقك

اطبع الكود:

 لا تستطيع ان تقرأه؟ جرب واحدا آخر
 
أخبار ذات صلة
منظمة حقوقية مصرية تنتقد مشروع قانون لفصل الموظفين
مصر: النيابة العامة تحسم مصير «قضية فيرمونت»
تباينات «الإخوان» تتزايد مع قرب زيارة وفد تركي لمصر
الأمن المصري يرفض «ادعاءات» بشأن الاعتداء على مسجونين
السيسي يوجه بدعم المرأة وتسريع «منع زواج الأطفال»
مقالات ذات صلة
البرلمان المصري يناقش اليوم لائحة «الشيوخ» تمهيداً لإقرارها
العمران وجغرافيا الديني والسياسي - مأمون فندي
دلالات التحاق الضباط السابقين بالتنظيمات الإرهابية المصرية - بشير عبدالفتاح
مئوية ثورة 1919 في مصر.. دروس ممتدة عبر الأجيال - محمد شومان
تحليل: هل تتخلّى تركيا عن "الإخوان المسلمين"؟
حقوق النشر ٢٠٢٥ . جميع الحقوق محفوظة