ليس أخطر ما في خطاب حسن نصر الله، الأمين العامّ لحزب الله، توجيه التهديدات وتوزيع علامات الوطنيّة والخيانة. فهذا ما بات معهوداً ومألوفاً في الخطيب المفوّه.
أخطر ما فيه، وهو ما لم يسترع الانتباه الذي يستحقّه، دعوته إلى إشراك قوى غير برلمانيّة في "الحوار الوطنيّ" تبعاً لموقفها من... المقاومة. هكذا يغدو خالد حدادة وأسامة سعد والشيخ شعبان ناطقين باسم المصلحة العامّة على نحو لا يستحقّه سياسيّون منتَخبون.
وخطورة هذه الفعلة مردّها إلى عدم الاكتراث بالتمثيل والإرادة الشعبيّين اللذين يعبّران عن ذاتهما من خلال البرلمان. والحقّ أنّ هذا الاحتقار للشعب وإرادته سمة راسخة وثابتة من سمات الفكر الفاشيّ في سائر أصقاع الدنيا، بحيث وجد بعض دارسي الفاشيّة أنّ أوّل ما يميّزها كتيّار إيديولوجيّ وسياسيّ عداؤها للتمثيل البرلمانيّ، وإن كانت لا تتردّد في استخدامه لبلوغ السلطة.
فبحسب هتلر، حطّمت الديموقراطيّة البرلمانيّة "الانتخاب الطبيعيّ" للنُخب الحاكمة، وأنّها "لا شيء أكثر من رعاية منهجيّة للإخفاق الإنسانيّ". وفي عرف وزير دعايته جوزيف غوبلز، لا يحكم الشعب نفسَه أبداً، فيما نخبة أريستوقراطيّة ما هي التي تقف وراء حقبات التاريخ وتحوّلاته. وقد كتب الفاشيّ الإسبانيّ بريمو دو ريفيرا أنّ "إسبانيانا لن تنبثق من الانتخابات"، بل سيُنقذها الشعراء "بأسلحة موضوعة في أيديهم". وفي 1933 رأى الفاشيّ الفرنسيّ فرانسوا دو لا روك أنّ ما من انتخابات يجب أن تُجرى قبل "تطهير" الحكومة والصحافة.
وهناك أطنان من العبارات والمواقف الفاشيّة في هجاء البرلمان والنتائج التي تُسفر عنها الانتخابات. ذاك أنّ "القضيّة" المحقّة لا تستدعي سؤال الناس عنها أو رأيهم فيها. فحتّى لو أجمعتْ أكثريّة ساحقة على رفض مبدأ الدولة التوتاليتاريّة كما دافع عنها موسوليني، أو مبدأ التفوّق العرقيّ الذي دافع عنه هتلر، يبقى هذان المبدآن صحيحين لمجرّد أنّ نخبة بعينها قرّرت أنّهما صحيحان. والشيء نفسه يصحّ في اللينينيّة التي لا تستشير الإرادة الشعبيّة في مدى أحقيّة "ديكتاتوريّة البروليتاريا". فهذه الديكتاتوريّة مُحقّة لأنّ طليعة بعينها رأت ذلك، ولا يؤثّر في هذا رأي أكثريّة الناس.
في هذا المعنى تكرّر التجارب الفاشيّة واللينينيّة تعطيل البرلمان والدستور في مجرّد وصولها إلى السلطة، وتختار بدلاً من النوّاب المنتخَبين "ممثّلين" للشعب اكتسبوا صفتهم هذه تبعاً لموقفهم العقائديّ وموقعهم التنظيميّ.
على العكس تماماً تقوم النظريّة البرلمانيّة على افتراض حقائق وآراء ومصالح متعارضة في المجتمع، وأنّ ما يحكم بينها ليس تخوين واحدتها للأخرى، بل العمليّة الانتخابيّة التي تقرّر أين تقف الأكثريّة في ظرف سياسيّ راهن بعينه. هذه هي الديموقراطيّة. تلك هي الفاشيّة.
|