الجمعه ٢٩ - ٨ - ٢٠٢٥
 
التاريخ: شباط ١٥, ٢٠١٤
المصدر: جريدة النهار اللبنانية
استراتيجية ثلاثية لمعالجة التحديات الاقتصادية - الاجتماعية في لبنان - سامي عطاالله
التحديات الاقتصادية الاجتماعية التي تنتظر الحكومة الجديدة تكاد تكون سابقةً تاريخية. ذلك أن موارد لبنان ترزح تحت ثقل أزمة اللاجئين والتباطؤ الاقتصادي المتفاقمين بفعل عدم الاستقرار السياسي.
 
إذا ما أرادت الحكومة معالجة التحديات الاجتماعية الاقتصادية معالجةً فعالةً، فعليها أن تدرك:

أولاً، أن العلل الاقتصادية الاجتماعية في البلد – أي عجز الميزانية المزمن، والبطالة، وهيكلية السوق الخاضعة للاحتكار، وضعف البنى التحتية –قد سبقت الأزمة السورية، وحجبتها معدلات النمو المرتفعة على نحوٍ مضلل بين العامين 2006 و2010. وثانيًا، إن أزمة اللاجئين هي أزمة على المدى المتوسط إلى الطويل، ولا بدّ من معالجتها على ذلك الأساس. فالدراسات التي تناولت بلدانًا أخرى مزّقتها الحروب قد أظهرت أن عودة اللاجئين تتطلب خمس سنوات الى سبع بعد صمت المدافع. والعدّ العكسي لم يبدأ حتى بالنسبة إلى لبنان. ولا شك في أن أي محاولة لمداواة العلل الوطنية تتجاهل هذين الواقعين هي محاولة موقتة في أفضل الحالات، إن لم تكن عقيمة.

إن أرادت الحكومة أن تتحلى بالجدية، عليها وضع استراتيجية من ثلاثة أقسام لمعالجة العلل الاقتصادية الاجتماعية:

 
1 - عليها تقديم المساعدة إلى اللبنانيين والسوريين على السواء
نظرًا إلى اشتداد الأزمة بشكلٍ غير مسبوق – مع أكثر من مليون لاجئ سوري ومليون لبناني من الفقراء، على الحكومة أن تمدّ يد العون مباشرةً إلى هؤلاء. وفقًا لدراسة حديثة صادرة عن البنك الدولي، سوف يجد 170 ألف لبناني آخر انفسهم تحت خط الفقر في السنتين المقبلتين. صحيح أنه من الواضح أن اللاجئين السوريين بأمس الحاجة إلى الدعم، إلا أنه على الحكومة أن توسّع رقعة برامجها لمعالجة فقر للبنانيين للحدّ من التوتر الاقتصادي الاجتماعي المتأجج بين السوريين واللبنانيين. وكثيرة هي التحديات في انتظار الحكومة: عليها أن تعالج مشكلة اللاجئين في المدن، بخاصةٍ إذ يصعب تحديد موقعهم على عكس اللاجئين في المخيمات؛ وعليها وضع آلية شفافة للحرص على وصول الأموال إلى المستفيدين. وقد تقنع خطوة كهذه عددًا أكبر من الجهات المانحة لتقديم المساعدة المالية إلى لبنان.

2 - إطلاق التنمية في الضواحي
إذا ما كان لجهود مكافحة الفقر ان تتكلل بالنجاح، لا بدّ من أن ترافقها الاستثمارات في البنى التحتية والمياه ومعالجة الصرف الصحي والكهرباء وجمع النفايات لإنقاذ الوضع المتزعزع في مناطق كانت هشة أصلاً قبل اندلاع الأزمة السورية. وتعتبر البلديات،التي تتحمل اليوم جزءًا غير متكافئ من المشكلة، من اللاعبين الأساسيين في قيادة هذه المشاريع وتنفيذها، إلى جانب مجلس الإنماء والإعمار والوزارات المعنية. وعلى الرغم من أن الضعف الإداري وشح الموارد يصيبان 80% من ألف بلدية تقريبًا، يضم لبنان من 50 إلى 80 بلدية قوية يمكن أن تتولى القيادة في الشؤون الإنمائية.

وعلى الحكومة تعزيز القدرات المالية لهذه البلديات، بطرق أربعة على الأقل:

أولاً، من خلال توزيع حصتها من الصندوق البلدي المستقل في الوقت المناسب (أي في الشهر التاسع من كل سنة) وذلك دفعة واحدة وفقًا لما ورد في المرسوم 1917. وصدر المرسوم الأخير الذي وزّع أموال الصندوق البلدي المستقل على البلديات، متأخرًا ستة أشهر عن موعده، وغالبًا ما تسدّد الأموال على دفعتين إلى أربع دفعات، ما يعوِّق عملية التخطيط أو تنفيذ مشاريع إنمائية طويلة الأمد.

ثانيًا، بإمكان الحكومة أن تعزز موارد الصندوق من خلال منع أي سحب غير شرعي لا تنتفع منه البلديات ببساطة. وكشفت دراسة سابقة موّلها البنك الدولي ونفّذتها منظمة ICMA لمصلحة وزارة الداخلية والبلديات أن الحكومة قد سحبت 1.26 مليار دولار أميركي من الصندوق البلدي المستقل على مدى عشر سنوات بهدف الدفع لجمع النفايات الصلبة (أي لسوكلين وخمس شركات أخرى)، والدفاع المدني، ومجلس الإنماء والإعمار، والقرى بدون بلديات، وتسديد نفقات أخرى. يُعتبر هذا الصرف غير مشروع، إذ لا يفيد بلديات لبنان كافة وفقًا لما ينص عليه المرسوم 1917.

ثالثًا، على الحكومة أن ترفع يدها عن الأموال المتراكمة حاليًا في وزارة الاتصالات، والتي تُقدّر قيمتها ما بين 1,5 مليار دولار وملياري دولار، وقد حُجبت عن البلديات.
رابعًا، بإمكان الحكومة وضع إطار يمكّن القطاع الخاص، ومنه المصارف، من إقامة الشراكات أو منح القروض إلى البلديات المستحقة الائتمان لإطلاق المشاريع الإنمائية.

3 - وضع السياسات وتنسيق المبادرات للحرص على التنمية الفعالة
على الحكومة المركزية قيادة المبادرة الإنمائية من خلال وضع إطار يجمع ما بين الجهات المانحة من جهة، والإدارات المحلية والمنظمات غير الحكومية من جهة أخرى، لتنسيق الجهود تنسيقًا فعالاً في التعامل مع الأزمة. ونظرًا إلى هشاشة الوضع الميداني، على الحكومة ألا تدّخر أيًا من الموارد لإحكام قبضتها على الوضع. في المقام الأول، عليها أن تدعو وزاراتها ومؤسساتها إلى العمل معًا بطريقةٍ متناسقة، وتفادي ازدواجية الجهود والتجاذبات السياسية حول الموارد الشحيحة.

وبالإضافة إلى قيادة جهود التنسيق، على الحكومة أن تتحرر من أطر التفكير التقليدية وتجد وسائل جديدة لاجتذاب رأس المال والاستثمارات الخاصة إلى لبنان لاستحداث الوظائف. وعوضًا عن السعي إلى الحصول على المساعدات المالية فحسب لتقديم المساعدات الإنسانية، عليها تقديم محفزات ضريبية سخية لإنشاء أعمال جديدة في البقاع أو الشمال. وقد تشكل رؤوس الأموال المتدفقة من سوريا مصدرًا أساسيًا للاستثمار واستحداث الوظائف للبنانيين والسوريين على السواء. ويجب أن تُدّعم هذه الجهود بالبنى التحتية الملائمة، على غرار شبكة الطرقات الملائمة، وتزويد الطاقة الرخيصة بدون انقطاع. ومن شأن هذه المبادرات أن تترك أثرًا طويل الأمد يستمرّ إلى ما بعد نهاية الأزمة. وللحكومة أيضًا أن تسعى إلى فتح الأسواق أمام الصادرات اللبنانية ما يعزز أيضًا الأنشطة الاقتصادية. ورغم الصعاب، تمكّن الصناعيون اللبنانيون من تصدير سلع فائقة التطور في غياب سياسة صناعية فعالة.

هذه الركائز الثلاث متكاملة إذ توفّر الدعم إلى الأشد فقرًا، وتطوّر المناطق المحيطة التي لطالما أهملت، وتنفّذ السياسات التي تستحدث الوظائف الأكثر إلحاحًا. وليست هذه الخطة خالية من المخاطر، لكنها تتطلب حكومة مستعدة لأخذ زمام المبادرة، واختبار السياسات وقادرة على أن تحدّد سريعًا النجاحات والإخفاقات.
 
المدير التنفيذي للمركز اللبناني للدراسات



الآراء والمقالات المنشورة في الموقع لا تعبر بالضرورة عن رأي الشبكة العربية لدراسة الديمقراطية
 
تعليقات القراء (0)
اضف تعليقك

اطبع الكود:

 لا تستطيع ان تقرأه؟ جرب واحدا آخر
 
أخبار ذات صلة
ماكرون يتوقع الأسوأ... والحريري يدرس الاعتذار
الفاتيكان يدعو البطاركة إلى «لقاء تاريخي» لحماية لبنان
البنك الدولي: لبنان يشهد إحدى أسوأ الأزمات الاقتصادية العالمية منذ منتصف القرن 19
عون: الحريري عاجز عن تأليف حكومة
اشتباكات متنقلة في لبنان على خلفيّة رفع صور وشعارات مؤيدة للأسد
مقالات ذات صلة
نوّاف سلام في «لبنان بين الأمس والغد»: عن سُبل الإصلاح وبعض قضاياه
حروب فلسطين في... لبنان - حازم صاغية
حين يردّ الممانعون على البطريركيّة المارونيّة...- حازم صاغية
عن الحياد وتاريخه وأفقه لبنانياً
جمهوريّة مزارع شبعا! - حازم صاغية
حقوق النشر ٢٠٢٥ . جميع الحقوق محفوظة