حسناً، لقد أزيل عن صدورنا الثالوث الكابوسيّ: شعب وجيش ومقاومة، وهذا إنّما يبقى، رغم كلّ المكابرة المتوقّعة، تنازلاً حُمل حزب الله على تقديمه. مع ذلك، وما دام أنّ "المقاومة" تعني أساساً الصراع مع إسرائيل، فإنّ حزب الله بدا مستعدّاً لتقديم هذا التنازل لأنّه التتمّة الطبيعيّة لتنازل أكبر مفاده أنّ ذاك الصراع قد انتهى هو نفسه. وما العبوة الناسفة التي انفجرت داخل مزارع شبعا المحتلّة سوى التعبير عن الحاجة إلى إعطاء الإيحاء المعاكس، أي أنّ ذاك الصراع لم ينته. لكنّ المشكلة لا تقف عند هذا الحدّ. فالحزب المتورّط حتّى أذنيه في النزاع الدائر في سوريّا، في حاجة ماسّة إلى أيّ ذكر لـ"المقاومة" كائناً ما كان تعريفها وكائنة ما كانت وجهتها. ذاك أنّ ذكر المقاومة يحفظ له بعض ماء الوجه، بعد كلّ الضجيج والتوتّر اللذين شابا كتابة البيان. وأهمّ من ذلك أنّ ذكرها وما يرتّبه من شرعيّة لعملها قابلان للاستخدام في المواجهة السوريّة التي يخوضها الحزب أو في أيّة مواجهة لاحقة يرتئي خوضها. أمّا الحجّة فجاهزة لديه، وهي أنّ مصلحة المقاومة (الاستراتيجيّة طبعاً) تستدعي ذلك. في هذه الحدود، جاءت تسوية البيان الوزاريّ على النحو التالي: "واستناداً إلى مسؤوليّة الدولة ودورها في المحافظة على سيادة لبنان واستقلاله ووحدته وسلامة أبنائه، تؤكّد الحكومة على واجب الدولة وسعيها لتحرير مزارع شبعا وتلال كفرشوبا والجزء اللبنانيّ من قرية الغجر، وذلك بشتّى الوسائل المشروعة. مع التأكيد على الحقّ للمواطنين اللبنانيّين في المقاومة للاحتلال الإسرائيليّ وردّ اعتداءاته واسترجاع الأراضي المحتلّة". والحال أنّ الصياغة هذه تبقى، فضلاً عن إخلالها بسياديّة الدولة اللبنانيّة، مفيدة لخطّة حزب الله الجديدة على رغم ما تتسبّب به من تردٍّ في العلاقات الأهليّة بين اللبنانيّين، ومن استدعاء للإرهاب التكفيريّ إلى "الساحة اللبنانيّة". والبيان، في هذه الحدود، لم يوفّق في أن يكون عادلاً بين "المواطنين"، فلم يلحظ خطط "المواطنين" الآخرين، أكانوا أولئك الذين يرون ضرورة استنفاد السياسة، من خلال الدولة، لاستعادة الأراضي المحتلّة، أو أولئك الذين يرون في التورّط السوريّ لحزب الله تبريراً لتورّطهم هم أيضاً في وجهة معاكسة.
بلغة أخرى، لم تعد قضيّة المقاومة أساساً لأيّ شيء، ما عدا قدرتها على تقديم الذرائع المرغوبة لجماعة المقاومة. القضيّة الأساس هي اليوم المشاركة في حرب سوريّا، والتي لن يكتمل الإنجاز الجزئيّ الذي بدأ بإسقاط الثالوث السيّئ الذكر إلاّ باتّخاذ موقف صريح وواضح منها.
|