أصبح المشهد السياسي المصري بعد الجولة الأولى للإنتخابات البرلمانية المصرية في حاجة ماسة إلى تقييم شامل. يبدأ المشهد من حزب «النور»، الذراع السياسية للمدرسة السلفية التقليدية، الذي دفع بما يزيد على 300 مرشح على المقاعد الفردية وقائمتين، إلا أن النتائج لم تؤشر إلى ما يريده الحزب. فقد توقع الحصول على 85 مقعداً على الأقل، في الوقت الذي صعد حزب «المصريين الأحرار»، لأنه أجاد اختيار مرشحيه، من بين شخصيات ذات وزن نسبي في دوائرهم، ما يؤشر إلى أن المرشح الفرد هو الذي له الأولوية لدى الناخب وليس الحزب أو برنامج الحزب الذي ينتمي إليه. ففي الإسكندرية اختار في دائرة سيدي جابر وباب شرق طارق السيد الذي حصد 36 ألف صوت في المرحلة الأولى و40 ألف صوت في المرحلة الثانية. بينما يبدو المشهد في محافظة المنيا كاشفاً لذلك. فقد حصل جون طلعت، وهو قبطي، على 40 ألف صوت في المرحلة الأولى، ليرسب في المرحلة الثانية، أمام مرشح آخر للحزب نفسه، أي «المصريين الأحرار».
لكن نتائج الجولة الأولى نفسها أكدت نجاح أقباط للمرة الأولى منذ 60 عاماً في دوائر فردية في أسيوط والمنيا والعمرانية، ومن لم ينجح دخل انتخابات الإعادة، ما يؤكد إدراك المصريين لمفهوم المواطنة وربطه بقدرة المرشح على خدمة الدائرة الانتخابية وتمثيلها.
وعلى رغم الانتقادات التي وُجهت إلى المعركة الانتخابية من أحمد مرتضى منصور وعمرو الشوبكي، والتي فاز فيها الأول، فهناك إجماع على أن هذه الانتخابات لم يشُبها تزوير، وهذا يؤكده فوز كمال أحمد، وهو ذو ميول ناصرية ولم يفز لمرة واحدة في عصر مبارك. كذلك فاز الشاب هيثم أبو العز الحريري، ابن المناضل السياسي الشهير، وأحد أيقونات ثورة كانون الثاني (يناير) 2011، ما يؤكد أن مقاطعة الشباب لهذه الانتخابات أضاعت عليهم فرصة التأثير في الحياة السياسية المصرية.
أما عن الإقبال على الانتخابات والذي تجاوز نسبة 20 في المئة، وهو إقبال ضعيف، فيعود لعزوف البعض عن المشاركة، إما بسبب الإحباط السياسي، أو الاطمئنان الكامل للدولة. وبالتالي هناك شعور لديهم بأن البرلمان ما هو إلا استكمال للمشهد ليس إلا.
ولكن تشير المؤشرات من الآن الى أن الانتخابات ستشهد مستقبلاً مشهداً مختلفا كلياً، إذ تأكد عدم تدخل السلطة في الجولة الأولى منها، ليؤكد ذلك أن الطريق إلى التغيير يأتي عبر الصندوق وليس عبر العنف، وهو ما لا يصب حتماً في مصلحة الإخوان المسلمين، الذين بثوا اليأس في نفوس أنصارهم، فقاطعوا الانتخابات.
البرلمان القادم في مصر مزيج من خليط متعدد ليست له ملامح، لكن البرلمان الذي سيليه سيشهد ملامح مختلفة للقوى السياسية بخاصة من تيارات جديدة غير ظاهرة على الساحة حالياً، وهذا من شأنه أن يغيّر موازين القوى السياسية في مصر المستقبل.
* كاتب مصري |