الأثنين ١٤ - ٧ - ٢٠٢٥
 
التاريخ: تشرين الثاني ٢٦, ٢٠١٥
المصدر: جريدة الحياة
الشباب و"داعش"- عمرو حمزاوي
منذ الأعمال الإرهابية فى باريس، والصحافة الأميركية والأوروبية تطرح عبر تقارير وتحقيقات ودراسات ومقالات رأي تفسيرات مختلفة لظاهرة انضمام شباب غربيين ذوي أصول عربية وإسلامية لعصابة "داعش" الإرهابية. التفسير الأكثر شيوعا اليوم هو الحضور المؤثر لـ"داعش" على شبكات التواصل الاجتماعي، وتوظيفها لشعارات جهادية زائفة ولدمويتها ووحشيتها للتغرير بشباب إما يشعر بالاغتراب بسبب أصوله العربية والإسلامية أو بسبب النشأة فى ظروف اقتصادية واجتماعية صعبة.

فى أعقاب "إرهاب سبتمبر 2001"، طرحت الصحافة الغربية سؤال "ما هي جذور الإرهاب؟"، وقدمت إجابات متنوعة بعضها ركز على الحروب والصراعات فى الشرق الأوسط وموقف الحكومات الغربية منها وبعضها ركز على مسألة التطرف الديني وطالب المؤسسات والمراجع الدينية فى بلاد العرب بإدانة الإرهاب. أما اليوم، فالسؤال الرئيسي بعد باريس 2015 هو "كيف لداعش أن تجند شبابا من فرنسا وبلجيكا وبريطانيا وبلدان غربية أخرى وتورطهم فى تنفيذ تفجيرات انتحارية وأعمال إرهابية بعد أن تستغل قدراتهم الذهنية فى الإعداد لها؟". والإجابة الأكثر شيوعا هى جاذبية "داعش" الإلكترونية التى تستدعي المجابهة بخطاب إلكتروني مضاد.

فى 2001، صمتت الصحافة الغربية عن العلاقة المؤكدة بين غياب العدل والحرية والتنمية عن بلاد العرب وبين صعود التطرف والعنف والإرهاب، واختزلت مسألة المواقف المشينة للحكومات الغربية من الحروب والصراعات فى عالمنا إلى نقاش حول "تحسين صورة الغرب بين العرب" وإطلاق جهود الديبلوماسية العامة. وبالتبعية، اتسمت الصحافة الغربية بالكثير من التفسيرات السطحية لجذور الإرهاب.

فى 2015، تتجاهل الصحافة الغربية الدور الكبير لوجود عصابة "داعش" "على الأرض" فى سوريا والعراق وفى بلدان عربية أخرى فى تجنيد شباب غربيين مأزومين، ودفعهم للانضمام إلى ما يرونه "تنظيما جهاديا" له مناطقه الجغرافية التى يستطيعون الوصول إليها.

تتجاهل الصحافة الغربية، ثانيا، كون انجراف شباب غربيين لعصابة "داعش" مرتبطا بالأثر الإعلامى القوي لحضورها شبه اليومي فى أحداث سوريا والعراق ولجرائمها المتكررة فى بلدان عربية أخرى. اليوم، "داعش" فاعل رئيسي فى الشرق الأوسط شأنها شأن الحكام والحكومات.

تتجاهل الصحافة الغربية، ثالثا، أهمية عنصر التقليد والمحاكاة فى تفسير تجنيد "داعش" لشباب غربيين. التحق بالعصابة فى البداية شباب عرب، ثم تبعهم شباب من مناطق الأقليات المسلمة خارج الشرق الأوسط كما فى الشيشان الخاضعة لسيطرة روسيا، ثم تبعهم بعض الشباب الغربيين. ثم أصبح "السفر إلى حيث داعش" فى "رحلات الجهاد" ظاهرة عالمية لها مريد وممول ومنظم، ولها أيضا ناقل الخبرة بين شبكات الشباب.

تتجاهل الصحافة الغربية، رابعا، حقيقة تاريخية مفادها أن تورط بعض قطاعات الشباب الأميركى والأوروبي فى ممارسة العنف هو أمر دائم الحدوث ووثيق الصلة بالنزوع الاحتجاجي لدى الشباب. عنف الحركات الفاشية والقومية واليسارية فى أوروبا النصف الأول من القرن العشرين، عنف الحركات العنصرية وبعض الحركات المناوئة للعنصرية فى الولايات المتحدة الأميركية فى القرن العشرين، عنف بعض مجموعات اليسار الراديكالي فى أوروبا ستينات القرن العشرين وسبعيناته، العنف الراهن للحركات النازية والعنصرية الجديدة فى الغرب؛ جميعها تشيرالى مسار احتجاجي له جذور تاريخية ومجتمعية عميقة.

أيضا بعد باريس 2015، لن تذهب بنا التفسيرات السطحية للإرهاب بعيدا.

"الشروق" المصرية


الآراء والمقالات المنشورة في الموقع لا تعبر بالضرورة عن رأي الشبكة العربية لدراسة الديمقراطية
 
تعليقات القراء (0)
اضف تعليقك

اطبع الكود:

 لا تستطيع ان تقرأه؟ جرب واحدا آخر
 
أخبار ذات صلة
منظمة حقوقية مصرية تنتقد مشروع قانون لفصل الموظفين
مصر: النيابة العامة تحسم مصير «قضية فيرمونت»
تباينات «الإخوان» تتزايد مع قرب زيارة وفد تركي لمصر
الأمن المصري يرفض «ادعاءات» بشأن الاعتداء على مسجونين
السيسي يوجه بدعم المرأة وتسريع «منع زواج الأطفال»
مقالات ذات صلة
البرلمان المصري يناقش اليوم لائحة «الشيوخ» تمهيداً لإقرارها
العمران وجغرافيا الديني والسياسي - مأمون فندي
دلالات التحاق الضباط السابقين بالتنظيمات الإرهابية المصرية - بشير عبدالفتاح
مئوية ثورة 1919 في مصر.. دروس ممتدة عبر الأجيال - محمد شومان
تحليل: هل تتخلّى تركيا عن "الإخوان المسلمين"؟
حقوق النشر ٢٠٢٥ . جميع الحقوق محفوظة