الأثنين ١٤ - ٧ - ٢٠٢٥
 
التاريخ: تموز ٢٤, ٢٠١٦
المصدر: جريدة الحياة
عن المقاربة المصريّة للحالة التركيّة - صلاح سالم
أبدى كثيرون من المحللين السياسيين والإعلاميين في مصر، نوعاً من الشماتة غير المبررة، بعد محاولة الانقلاب الفاشلة على الرئيس التركي وحكومة حزب «العدالة والتنمية»، بذريعة مواقف أردوغان السلبية من ثورة ونظام 30 حزيران (يونيو) في مصر، بقوة دفع من طبيعته الشخصية. إذ يتلاقى الطموح الكاريزمي مع الطبيعة الحادة، والثقة العالية بالنفس، ودرجة عالية من الجذرية في كثير من الأحيان، الأمر الذي انتهى بأدوغان إلى وضع نفسه في موقف العداء غير المبرر مع مصر ونظام حكمها الذي ولد من رحم خريطة طريق الثالث من تموز (يوليو) 2013، إلى درجة صارت معها العلاقة بين البلدين أقرب إلى نوع من الحرب الباردة. غير أن الشامتين بأردوغان، المهلّلين للانقلاب العسكري الفاشل اتخذوا الموقف الخطأ، بعيداً من النتائج العملية والمآلات النهائية لما جرى، وذلك لثلاثة أمور رئيسية:

الأمر الأول، الوقوف في الاتجاه الخاطئ لحركة التاريخ، مع القوة والسلاح والإرغام والقهر، بدلاً من الوقوف في الاتجاه الصحيح، مع حرية الشعوب وأحلامها وحقها في التعبير عن نفسها. لم يفهم هؤلاء الشامتون، مثلاً، مغزى إعلان أحزاب المعارضة التركية الرئيسية، وعلى رأسها «الشعب الجمهوري»، رفضها الانقلاب ومطالبة الجيش بالعودة إلى ثكنه منذ اللحظات الأولى لوقوع الانقلاب، قبل أن تتكشف اتجاهات الريح، ما يعني أنه موقف مبدئي وأخلاقي، على رغم خلافاتها الشديدة مع سياسات أردوغان وحزبه، المنافس السياسي الشرس على السلطة. لم يكن ذلك مفاجئاً، ولا موقفاً مثالياً من رموز المعارضة المدنية، بل مجرد اتساق سياسي مع ما يمثلونه هم أنفسهم، كونهم ساسة قبل كل شيء، يتنافسون على السلطة السياسية بوسائل مدنية في كل حال، ومن ثم فإن الانقلاب العسكري على حكم مدني إنما هو انقلاب على الطبقة المدنية بكاملها يجب رفضه ومقاومته، مبدئياً، ولو كانت مختلفة مع الطرف الذي يحكم الآن، لأن من المتصوّر أن تكون في موقعه غداً أو بعد غد. بل إنها كانت في هذا الموقع في الأمس، حين وقعت انقلابات سابقة على أحزاب مدنية، لا تحمل هوية إسلامية واضحة، خصوصاً في عامي 1961 و1980. نعم على المعارضة في أي نظام حكم أن تبدي اختلافاً مع الحزب الحاكم حول بعض السياسات في الداخل أو الخارج، ومن حقها أن تطالبه دوماً بمزيد من الإجراءات الديموقراطية لاحترام حريات التعبير والتفكير والاجتماع، وترسيخ استقلال القضاء، وغيرها من قضايا، لكنها يجب ألاّ تؤيد الانقلاب العسكري عليه وإلا فقدت صدقيتها، وبدت كأنها تنقلب على نفسها.

الأمر الثاني ثقافي، وهو أن العلمانية الأتاتوركية التي وقع الانقلاب العسكري بدعوى استعادتها، لم تكن هي النموذج المرغوب عربياً. فالأتاتوركية صيغة متطرفة من العلمانية الأوروبية، لا تكتفي بإخراج الإسلام من المجال العام السياسي بل كانت تحاربه في الفضاء العام الاجتماعي. كما كانت تعادي جيرانها العرب جموحاً إلى الانضواء في الاتحاد الأوروبي والتحالف مع إسرائيل في الخارج، إلى درجة كانت تضغط على أعصابنا خصوصاً في سورية. أما النموذج الذي جسّده حزب العدالة والتنمية خلال عقد ونصف عقد، فنهض على علمانية «سياسية» معتدلة، يتصالح داخلها الإسلام الحضاري مع الديموقراطية التمثيلية (الغربية)، إلى حد كان يمكنه أن يلهم مجتمعاتنا العربية في الداخل، ويبني جسراً بينها وبين العالم الغربي، لو أحسنت بلادنا استقباله، واستمر أردوغان في حسن تجسيده داخل بلده، وحسن تقديمه إلينا، وهو ما لم يتحقق، خصوصاً منذ حزيران 2013 عندما تورّط أردوغان بمواقف معادية لمصر، ومؤيدة لجماعة الإخوان المسلمين، ومن ثم تحرك نحو الإسلام السياسي ابتعاداً من الإسلام الحضاري.

وما لا يدركه كثر في مصر، أن ذلك التحرك نحو الأسلمة ضايق كثيرين من بين الجمهور التركي الذي خرج إلى الشارع مؤيداً الحكم المدني، والذي كان بعضه ممن خرج ضد الرجل في تظاهرات تقسيم قبل عامين أو أكثر. لكن الخلاف على تفاصيل سياسية يجب ألاّ يفضي إلى الاختلاف على المبادئ الكلية، وإلا فقدنا جميعاً بوصلة الطريق.

الأمر الثالث، والأهم، سياسي يتعلق بالانقسام الذي بدا واضحاً بين المصريين، فمن يؤيدون الإخوان المسلمين أو يتعاطفون مع الإسلام السياسي عموماً، اتخذوا موقفاً مؤيداً للحكم المدني والرئيس أردوغان. والعكس صحيح حيث أخذ المؤيدون للثلاثين من حزيران موقفاً مؤيداً للانقلاب العسكري. وهنا، يعطي هؤلاء رسالة سيئة عن مصر، ويمنحون «الإخوان» شرفاً لا يستحقونه. فمعروف أن كل فـــاعل سياسي يميل إلى مَنْ يجسّد قيمه، ويدافع عمَّن يشبهــــه، ومن ثم فإن حماسة غالبية المصريين للانقلاب تكــــاد أن تشبه اعترافاً ضمنياً بأن ما حدث في 30 حزيران كان انقـــلاباً، وأننا لذلك نثمّن الانقلاب التركي ونتعاطف معه، فيمــا الإخوان وأذنابهم يتحمسون للحكم المدني الذي يؤمنون به ويجسدونه. فهل هناك رسالة أكثر غباءً من ذلك؟ خصوصاً أن أصواتاً عديدة في الجماعة أخذت تروّج لانتصار أردوغان باعتباره نذيراً بقرب انتصارهم، من دون أن يعلموا أن انتصاره إنما يرجع الى السبب ذاته الذي أدى الى انتصار عموم المصريين عليهم. فالشعب المصري الذي خرج في موجة ثورية كاسحة ضد حكمهم الديني، يشبه تماماً الشعب التركي الذي فاض إلى شوارع اسطنبول بالذات رافضاً الحكم العسكري... إنها إرادة الشعوب هنا وهناك، ضد الحكم الديني هنا، والعسكري هناك، لذا فإن عموم المصريين هم الأوْلى بالاحتفاء بانتصار أردوغان، وليس «الإخوان» الذين اعتادوا التعمية على الحقائق، والمزايدة على الجميع، فيما ساعدهم بعض الإعلاميين الجاهلين الذين روّجوا للموقف التاريخي الخاطئ، ونسبوه إلى عموم المصريين، ربما تحت وطأة الشماتة السياسية بشخص كأردوغان، نعترف بأنه متغطرس، ولكن متى كان رجل واحد يمثل بديلاً لأمة عظيمة، ومتى كانت الشماتة السياسية بديلاً للحسابات الاستراتيجية والمبادئ الأخلاقية؟


الآراء والمقالات المنشورة في الموقع لا تعبر بالضرورة عن رأي الشبكة العربية لدراسة الديمقراطية
 
تعليقات القراء (0)
اضف تعليقك

اطبع الكود:

 لا تستطيع ان تقرأه؟ جرب واحدا آخر
 
أخبار ذات صلة
منظمة حقوقية مصرية تنتقد مشروع قانون لفصل الموظفين
مصر: النيابة العامة تحسم مصير «قضية فيرمونت»
تباينات «الإخوان» تتزايد مع قرب زيارة وفد تركي لمصر
الأمن المصري يرفض «ادعاءات» بشأن الاعتداء على مسجونين
السيسي يوجه بدعم المرأة وتسريع «منع زواج الأطفال»
مقالات ذات صلة
البرلمان المصري يناقش اليوم لائحة «الشيوخ» تمهيداً لإقرارها
العمران وجغرافيا الديني والسياسي - مأمون فندي
دلالات التحاق الضباط السابقين بالتنظيمات الإرهابية المصرية - بشير عبدالفتاح
مئوية ثورة 1919 في مصر.. دروس ممتدة عبر الأجيال - محمد شومان
تحليل: هل تتخلّى تركيا عن "الإخوان المسلمين"؟
حقوق النشر ٢٠٢٥ . جميع الحقوق محفوظة