الثلثاء ١٥ - ٧ - ٢٠٢٥
 
التاريخ: آب ٦, ٢٠١٦
المصدر: جريدة النهار اللبنانية
من هم النازحون السوريون؟ - عصام خليفة
عانى الشعب اللبناني مأساة الهجرة والتهجير، على الاقل منذ النصف الثاني من القرن التاسع عشر. وخلال الحرب العالمية الاولى تعرّضت الديموغرافية اللبنانية لكارثة المجاعة التي قضت على اكثر من ثلث السكان، وبين عامي 1975 و1995 هاجر من لبنان الى الخارج 900 ألف. وما بين عامي 1995 و2016، هاجر مئات آلاف اللبنانيين إلى مختلف بلاد الاغتراب (مراجعة دراسات د. بطرس لبكي).

في المقابل كان لبنان، على الدوام، يستقبل المجموعات والأفراد الهاربين من الظلم والتعسف في بلدان الشرق الأوسط. وبرغم ان اتفاق الطائف نصّ على صدور قانونٍ قبل البت بموضوع التجنيس، قامت الحكومة اللبنانية عام 1994 بإصدار مرسوم، على عكس اتفاق الطائف، تم فيه تجنيس ما يزيد حالياً عن 900 ألف، أكثريتهم من الجنسية السورية. ولما كانت الديموغرافية تقود التاريخ، فقد كانت خلفية القوى وراء مرسوم التجنيس تغييرُ هوية الشعب اللبناني. وبعد الزلزال الحاصل في الداخل السوري، حصل تهجير منظّم داخل الجغرافية السورية (ثلث السكان على الأقل) كما حصلت هجرة كثيفة إلى الخارج (أربعة ملايين على الأقل). ولأنّ سوريا ولبنان توأمان سياميان، فإن نتائج الكارثة السورية ستنعكس حتماً على لبنان. ومن هنا ضرورة إيلاء ما يجري لدى الدولة الجارة الاهمية القصوى والتفكير في وضع الخطط الآيلة، قدر الإمكان، لحماية الوضع اللبناني من ترددات الزلزال السوري، لاسيما وأن طول الحدود البرية بين الدولتين لا يقل عن 375 كيلومتراً. وسوريا هي الطريق البري الوحيد للبنان مع الدول العربية.

التوزعات الجغرافية للنازحين السوريين
1- اذا كان عدد القرى في لبنان حتى عام 2005، 1237 قرية وعدد المناطق العقارية 1545 منطقة، فإن عدد المخيمات العشوائية للنازحين السوريين، في عكار وحده، لا يقل عن 1250 مخيماً، بحسب وزارة الشؤون الاجتماعية. وفي بعض القرى صار عدد النازحين أكثر من عدد المقيمين اللبنانيين.

2- يوجد في لبنان اليوم وحده 81 لاجئاً سورياً في مقابل كل 100 لبناني، وقرابة 337 لاجئاً لكل كيلومتر مربع.

3- أعلنت السيدة كيلي ممثلة المفوضية السامية للأمم المتحدة للاجئين (21 كانون الثاني 2015) "إن المفوضية تعتبر ان هناك ما يناهز الـ500 ألف نازح غير مسجلين". وحتى 12 آذار 2015 كان عدد اللاجئين المسجلين في لبنان 1,184,323 لاجئ، والأرجح ان عدد اللاجئين السوريين في لبنان حالياً يزيد عن المليونين.

4- تصل الكثافة السكانية في لبنان إلى 700 شخص في الكيلومتر المربع.

5- تمثل الاراضي اللبنانية المرتفعة فوق 1500 متر ثلث مساحة لبنان الاجمالية. وتالياً فإن وجود اللاجئين السوريين هو في السواحل والمناطق الداخلية حيث تزيد الكثافة عن ألف شخص في الكيلومتر المربع.

6- يتبين من دراسة أجرتها مفوضية للاجئين، بين آذار 2013 و آب 2014 بأن 70 في المئة من الأطفال السوريين الذين ولدوا في لبنان لا يحملون شهادة ميلاد رسمية. مع العلم أن الاطفال يشكلون نصف عدد اللاجئين إلى البلدان المجاورة لسوريا، ومنها لبنان.

7- توزيع السوريين على المناطق اللبنانية هو 36 في المئة في الشمال، 34 في المئة في البقاع، 18 في المئة في بيروت وجبل لبنان و12 في المئة في الجنوب.

8- أفاد تقرير للأمم المتحدة انه لم يصل عدد اللاجئين في أي بلد الى ثلث السكان كما هو الحال في لبنان، وذلك منذ أحداث رواندا في تموز 2013).

9- الحد الأدنى للمساعدات المطلوبة للاجئين السوريين يجب ألا يقل عن مليارين ومئة مليون دولار سنوياً بحسب تقويم البرنامج الإنمائي للأمم المتحدة. ولاحقاً قدر البنك الدولي في دراسة التداعيات الناجمة عن تدفق اللاجئين السورين بنحو سبعة مليارات ونصف مليار دولار أميركي سنوياً.

10- النازحون السوريون الفقراء نزلوا بين لبنانين فقراء (8 في المئة من سكان لبنان يعانون الفقر المدقع، و28،5 في المئة يعيشون تحت خط الفقر)

النتائج السلبية للنزوح
إذا كان النزوح السوري الى لبنان يزيد في الطلب على استهلاك السلع والخدمات وزيادة استثمارات فئات سورية ميسورة وتحسين القوة التنافسية لقطاعَي الصناعة والزراعة بسبب استبدال العمال اللبنانيين بسوريين أقل كلفة، فإن هناك سلبيات كثيرة لهذا النزوح على مستويات عدة.

1- على الصعيد الاقتصادي والاجتماعي والتربوي والبيئي:
أ- منافسة القوى العاملة السورية لبديلتها اللبنانية، وقد شكلت القوى العاملة السورية عام 2014 27 في المئة إلى 35,5 من مجمل القوى العاملة في لبنان.

ب- ارتفاع أسعار العقارات وبدلات الايجار للمساكن.

ج- ازدياد استهلاك الطاقة الكهربائية وانحسار ساعات التغذية من شبكة "كهرباء لبنان".

د- ازدياد كلفة الخدمات العامة على الدولة، الصحية (زيادة 100 مليون دولار، والتربوية والكهرباء والمياه وخدمات جمع النفايات والخدمات البلدية والصرف الصحي).

هـ- التلوث البيئي في بعض المخيمات وتفاقم الأوبئة والأمراض.

و- التخوف من مخططات دولية وإقليمية لإيصال الاوضاع الى مرحلة التفكك والتوطين (تصريح رئيس الاستخبارات الالمانية السابق بأن السوريين الذين نزحوا الى لبنان سيبقون فيه) ("السفير" 7 تموز 2015).

2- على الصعيد الأمني:
أ- تجاوُز عدد الموقوفين لدى الأحهزة الأمنية اللبنانية من السوريين بتهم قتل وسرقة ومخدرات واغتصاب وسواها منذ نهاية آذار 2011 حتى نهاية تشرين الأول 2014 العشرة آلاف.

ب- قيام شبكات إرهابية آتية من سوريا بتفجيرات آخرها ما حصل في بلدة القاع.

ج- تزايد تشنج التيارات الأصولية والدينية من مختلف المذاهب وانعكاسها مع مثيلاتها في المجتمع اللبناني ضمن آلية الأوعية المتصلة.

د- انخراط قوى داخلية لبنانية في الصراع السوري وانعكاس ذلك على الوضع اللبناني في الأمن والسياسي.

هـ- وجود حساسيات تهدد بالإنفجار في مناطق عدة بين اللبنانيين والسوريين.

توصيات
1- أولوية الوحدة الوطنية في مواجهة الأخطار الوجودية الداهمة والمبادرة الفورية لانتخاب رئيس للجمهورية تطبيقاً للدستور اللبناني، واحترام أساس الميثاق الوطني اللبناني: إذا اتفق العرب نحن معهم، وإذا اختلف العرب نحن على الحياد.

2- زيادة عديد وعتاد الجيش والقوى الأمنية بشكل واسع. ووضع سياسة أمنية واعتماد استراتيجيا لتنفيذها وتفعيلها.

3- دعم كل المبادرات الساعية إلى وضع حل سلمي للصراع في سوريا، لأن ذلك يكون المدخل الطبيعي لإعادة كل السوريين إلى بلادهم.

4- الوقف الفوري لدخول النازحين السوريين إلى لبنان مع مراقبة مشددة على امتداد الحدود البرية والبحرية، مع استثناء حالات إنسانية معينة.

5- تشجيع السوريين للعودة ونزع صفة النازح عن كل من يذهب إلى سوريا.

6- إرغام كل سوري على تسجيل أطفاله لدى الجهات الرسمية السورية، أو على الأقل لدى السلطات الدولية. وقيام الحكومة اللبنانية باستحداث جهاز خاص يهتم بعملية الإحصاء والتسجيل للأطفال السوريين. وليس مقبولاً تجاهل خطورة وجود مكتومي القيد لأنهم سيشكلون قنبلة موقوتة في الوضع اللبناني.

7- تكليف البلديات، تحت طائلة المساءلة، باجراء إحصاءات دورية للنازحين ضمن نطاقها الجغرافي، وإعطاء الأولوية لزيادة الشرطة البلدية للحفاظ على الأمن، مع أهمية تسجيل أماكن الإقامة وكل التفاصيل عن عدد العائلات.

8- التشدد في تطبيق القوانين اللبنانية على السوريين للحؤول دون استمرار التنافس مع اللبنانيين في مجالات العمل.

9- الاهتمام بالمجتمع اللبناني المضيف في موازاة تأمين المساعدات للنازحين السوريين.

10- عدم التهاون في تذكير المؤسسات الدولية بالسيادة اللبنانية وبالقوانين والإتفاقات ذات الصلة.

11- فرض دفع رسوم الضمان الاجتماعي للعمال السوريين لدى أصحاب العمل والحؤول دون تسريح العمال اللبنانيين.

12- هناك أكثر من 1435 مخيماً عشوائياً للنازحين، منها 852 في البقاع، يجب إخضاعها للرقابة الصحية والطبية والامنية والبيئية.

13- استمرار الحكومة اللبنانية بتقديم المذكرات الى المنظمات الدولية لتوضح أنها تتحمل وحدها أعباء إعالة أكثر من 95 في المئة من النازحين السوريين، وأن من واجب المنظمات الدولية القيام بذلك.

14- إصرار لبنان على اعتبار السوريين نازحين وليسوا لاجئين ورفض كل الضغوط لإجبار الحكومة اللبنانية على توقيع الاتفاقية الدولية حول اللاجئين وملحقاتها.

15- تشكيل مجلس أعلى لإدارة النزوح السوري فيه أعضاء من وزارات الداخلية والصحة والشؤون الاجتماعية والبيئة والطاقة والتربية. ويكون من أولويات عمله إنشاء بنك معلومات لمعرفة أعداد النازحين، وتحديداً أماكن وجودهم ومصدر مجيئهم وملفهم الأمني.

16- إعطاء الأولوية لوضع خريطة طريق لإدارة ملف النازحين واتخاذ قرارات سياسية وأمنية تكفل احترام سيادة الدولة والتشدد في تطبيق التدابير الجديدة التي اتخذتها الحكومة لتنظيم دخول السوريين والحرص على إيصال المساعدات اللازمة لهم وحمايتهم من الاستغلال.

17- وضع سياسة سكانية في مواجهة تدفق المهاجرين السوريين وسواهم، والحد من الهجرة اللبنانية الى الخارج.

18- الحرص على مبدأ تأمين التعليم الإلزامي والمجاني لجميع الأطفال السوريين النازحيين، ذلك أن الجهل والفقر والأمية هي البيئة الحاضنة للإرهاب.

خلاصة
قالت آن ريشتارد، مساعدة وزير الخارجية الأميركية لشؤون السكان واللاجئين والهجرة إنه ليس هناك قرية أو مدينة في لبنان لم تتأثر بوجود اللاجئين السوريين، و"يعادل تدفق اللاجئين إلى لبنان الصغير تدفق 75 مليون من سكان كندا أو ضعفَي عدد السكان في كندا، إلى الولايات المتحدة".

وأشارت في مناقشات في مركز ويلسون للأبحاث في واشنطن الى ان لبنان أبقى حدوده مفتوحة امام جميع الفارين من النزاع في سوريا، و"التزامه الثابت بالمبدأ الانساني الدولي للحماية يخدم كمثال للمنطقة"، لكنه "دفع ثمناً باهظاً نتيجة لكرمه".

والسؤال الذي يقلق ضمائرنا، هل ستخرج سوريا من أتون الحرب مقسمة ومفككة، وتالياً كيف يستطيع النازحون السوريون العودة إلى حيث كانوا ما دام الوضع غير مستقر؟

وهل ان الانفجار السكاني للنازحين السوريين وغير السوريين في لبنان سيسمح باستمرار الاستقرار في الوضع اللبناني ام أن ما خُطط لسوريا سيصل الى لبنان؟

على الشعب اللبناني في هذه المرحلة ان يتمسك بوحدته الوطنية وبالسلم الاهلي وبرفض العنف بين مكوناته، وأن يتضامن في وجه الارهاب ويدافع عن استقلال الدولة اللبنانية وسيادتها. ويبدو ان مؤسسة الجيش اللبناني هي خط الدفاع الأخير عن الدولة اللبنانية.

¶ ورقة مقدمة في مؤتمر "الشرق الاوسط في ظل النظام العالمي الجديد، وتداعيات الصراع العالمي في المنطقة" الذي أقامه "مركز البحوث والدراسات الاستراتيجية" في الجيش اللبناني

مؤرخ وأستاذ متقاعد في الجامعة اللبنانية


الآراء والمقالات المنشورة في الموقع لا تعبر بالضرورة عن رأي الشبكة العربية لدراسة الديمقراطية
 
تعليقات القراء (0)
اضف تعليقك

اطبع الكود:

 لا تستطيع ان تقرأه؟ جرب واحدا آخر
 
أخبار ذات صلة
تقرير لوزارة الخارجية الأميركية يؤكد حصول «تغييرات طائفية وعرقية» في سوريا
انقسام طلابي بعد قرار جامعة إدلب منع «اختلاط الجنسين»
نصف مليون قتيل خلال أكثر من 10 سنوات في الحرب السورية
واشنطن تسعى مع موسكو لتفاهم جديد شرق الفرات
دمشق تنفي صدور رخصة جديدة للهاتف الجوال
مقالات ذات صلة
سوريا ما بعد الانتخابات - فايز سارة
آل الأسد: صراع الإخوة - فايز سارة
نعوات على الجدران العربية - حسام عيتاني
الوطنية السورية في ذكرى الجلاء! - اكرم البني
الثورة السورية وسؤال الهزيمة! - اكرم البني
حقوق النشر ٢٠٢٥ . جميع الحقوق محفوظة