عبّرت الإدارة الأميركية أخيراً، وفي تصريح لوزير خارجيتها، عن قلقها من احتمال انهيار السلطة الفلسطينية، لكنها أحالت ذلك إلى سببين، أولهما، امتناع إسرائيل عن تسديد الأموال المستحقة لها. وثانيهما، وقف القيادة الفلسطينية العمل باتفاقية التنسيق الأمني مع إسرائيل. طبعا لا أحد يقلل من هاتين المسألتين، فالعوائد الضريبية، التي تجبيها إسرائيل، وتقدر بحوالى 125 مليون دولار شهرياً، تعتبر حيوية جداً للسلطة، لتغذية موازنتها، وتغطية رواتب حوالى 160 ألف موظف من العاملين فيها، في السلكين المدني والأمني؛ وتبلغ كتلة الأجور المخصصة لهم حوالى ملياري دولار سنويا، أي يقارب نصف موازنة السلطة. ومن الجهة الثانية فإن عملية التنسيق الأمني، هي مطلب، أو حاجة، للإسرائيليين، وهو شرط استمرار عملية أوسلو، التي بدأت عمليا في مطلع العام 1994.
على أية حال ما يهمنا هنا ما تفعله إسرائيل التي كانت احتجزت المستحقات المالية للسلطة منذ شهرين، كإجراء عقابي ضد الفلسطينيين، رداً على انضمامها لمعاهدة روما ولمحكمة الجنايات الدولية، علما أن هذه ليست المرة الأولى التي تلجأ فيها إسرائيل لهذا التصرف، لابتزاز القيادة الفلسطينية وفرض املاءتها السياسية عليها.
اللافت في الموقف الأميركي أنه يحيل انهيار السلطة الى موقفها المالي، وهو ما تعتبر الولايات المتحدة مسؤولة عنه، من كونها راعية لعملية المفاوضات، وأيضاً لكونها ساهمت في تصميم اتفاق أوسلو، بملاحقه الأمنية والاقتصادية على النحو الذي يجعل الفلسطينيين رهينة لهذا الخيار، وتحت رحمة إسرائيل.
فضلا عن هذا وذاك فإن الإدارة الأميركية، في هذا الموقف، تتجاهل قضية جوهرية مفادها أن انهيار السلطة لا يتأتى من عدم قدرتها على توفير الموارد المالية اللازمة لها، فقط، وإنما هو يتأتى أساساً من انسداد أفق عملية التسوية، وتعثر قيام الدولة الفلسطينية المستقلة، بسبب التعنّت الإسرائيلي، واستمرار الأنشطة الاستيطانية، أي بسبب استمرار الاحتلال. بيد أن هذ الموقف يستبطن، أيضا، نهجا أميركيا قوامه التنصل من الالتزامات إزاء الفلسطينيين في عملية التسوية، واعتبار الأمر الواقع بمثابة الحل الوحيد الممكن، لاسيما اننا نتحدث بعد أكثر من عقدين على توقيع اتفاق أوسلو (1993).
هكذا فإن القيادة الفلسطينية، وبعد كل هذا الزمن، تبدو معنية بترتيب أوضاعها، بطريقة او بأخرى، على أساس أن إسرائيل لن تقدم لها سوى المزيد من الاملاءات، التي تجعل من فكرة الدولة الفلسطينية مجرد شكل لا معنى له، وعلى أساس أن الإدارة الأميركية ليس لديها ما تفعله إزاء العنت والتملص الإسرائيليين. إزاء ذلك من الواضح ان الفلسطينيين في وضع صعب ومعقد ومربك مع ذلك فإن قيادتهم مطالبة بتقديم الاجابات عن هذا الوضع لأنها هي القيادة.
|