الأحد ٢٨ - ٤ - ٢٠٢٤
 
التاريخ: آذار ٢٦, ٢٠١٥
المصدر: جريدة الشروق المصرية
ارحموا عزيزة قوم ذلت -عمرو حمزاوي
فهذا هو ما آل إليه حال الكثير من النساء والأطفال والعجائز والرجال العرب الذين تهجرهم اليوم حروب الكل ضد الكل وثلاثية الاستبداد والتخلف والإرهاب من أوطانهم، وتزج بأغلبيتهم الضعيفة والفقيرة وغير القادرة إلى مخيمات اللاجئين أو تفرض عليها هوان افتراش طرقات المدن ومد اليد، طلبًا للمساعدة وللعون على قضاء بعض متطلبات الحياة. ودوما ستعجز مساعدات الأفراد، كما جهود الجمعيات الأهلية والمنظمات غير الحكومية، عن إنهاء مأساة المهجرين واللاجئين العرب.
 
ينفطر القلب حزنا، ومشاهد النصف الأول من القرن العشرين التى وثقت لوحشية ودموية العصابات الصهيونية وجرائمها ضد الإنسانية وتهجيرها للأسر الفلسطينية من قرى ومدن وطن أبدا لن يتناسوه، تستنسخ اليوم فى العراق وسوريا، وبهما تهجر الأطراف المتحاربة الشعب الأعزل بين مناطق الصراع والاقتتال أو تجبره بوحشيتها ودمويتها وإجرامها على اللجوء إلى المخيمات المنتشرة فى بعض المناطق الحدودية أو الارتحال إلى بلدان الجوار وربما منها إلى ملاذات أبعد جغرافيا أكثر أمنا.
 
•••
 
ينفطر القلب حزنا، ومشاهد النصف الثانى من القرن العشرين التى وثقت لموجة ثانية من تهجير الشعب الفلسطينى باتجاه الجوار العربى فى أعقاب احتلال إسرائيل الاستيطانى للضفة الغربية وقطاع غزة ــ ووثقت أيضا لاستحالة التهجير واللجوء ظواهر عربية مزمنة بتمدد مكانى وتضخم للكثافة السكانية لمخيمات الفلسطينيين فى بعض المناطق الحدودية بين فلسطين وبين الأردن ولبنان وسوريا وعلى أطراف بعض المدن العربية، يعاد إنتاجها خلال العقود الأولى من القرن الحادى والعشرين دون توقف وبإجرام لا يختلف عن إجرام الاحتلال والاستيطان الإسرائيليين. فقط تتباين الأماكن، وتتنوع «مسارح» عمليات التهجير، وتتعاقب موجات المهجرين واللاجئين، من عراق ما بعد الغزو الأمريكى وانهيار الدولة الوطنية فى 2003 إلى سوريا حرب الدمار الشامل الراهنة بين المستبدين والمجرمين ومرورا بسودان ما بعد الانفصال ومخيمات اللاجئين المهجرين من الشمال إلى الجنوب وبالعكس.
 
•••
 
ينفطر القلب حزنا، ومشاهد الثلث الأخير من القرن العشرين التى وثقت لحرب الجنون الطائفى فى لبنان ــ وللاقتتال الأهلى على الهويات الدينية والمذهبية ولإجرام التهجير المدفوع أيضا بهواجس الهوية لكتل سكانية كبيرة فى البلد الصغير، تتحدى مجددا فى السنوات الأخيرة ضمائر العرب وضمير الإنسانية بطائفية مقيتة فى عراق ما بعد الغزو الأمريكى تنتهك الحق فى الحياة للمواطنات والمواطنين من السنة، وتنهى بالنسبة لهم الوجود المجتمعى الآمن، وتتلاعب بمصائرهم بعد أن انتهك الحاكم المستبد قبل الغزو حقوق مجموعات المواطنين الأخرى من شيعة وأكراد واختزل الدولة الوطنية فى فرد وعشيرة وقبيلة. مشاهد مفجعة تتحدى ضمائرنا بإجرام إرهابى يهجر من بعض المناطق العراقية والسورية السكان المسيحيين ويدمر كنائسهم ويرتكب بحقهم جرائم ضد الإنسانية ومعولا على حروب الكل ضد الكل لتذكيرنا بمحطات الجنون والكراهية المتكررة فى تواريخنا وتواريخ غيرنا من المجتمعات البشرية، وباقتتال أهلى فى اليمن وليبيا تتداخل فى إشعاله صراعات الهوية وصراعات الموارد والقوة والنفوذ ومتواليات انهيار الدول الوطنية وانتشار السلاح التى يعتاش عليها الإرهاب ويتمدد بفعلها كما بفعل تناقضات مصالح بعض الأطراف الإقليمية والدولية. والحصيلة هنا أيضا هى مأساة إنسانية تتنوع مسارحها، ومخيمات لاجئين تتمدد مكانيا وتتضخم سكانيا لتجعل من بلاد العرب «حزام اللاجئين الأكبر» فى عالم اليوم.
 
•••
 
ينفطر القلب حزنا، وطرقات المدن العربية من عمان وبيروت إلى القاهرة والإسكندرية تواجهنا ببضاعة مجتمعاتنا المعاصرة الأكثر رواجا والأشد ألما فى توثيقها لتخلفنا وفشلنا فى بناء مجتمعات تتمتع بالسلم الأهلى ودول وطنية تستقر بالعدل وسيادة القانون ومواطنة الحقوق والحريات المتساوية؛ جموع الأطفال والعجائز والنساء والرجال الذين صاروا ضحايا حروب الكل ضد الكل وضحايا ثلاثية الاستبداد والتخلف والإرهاب وتطالعهم أعيننا يوميا فى عجز. اليوم، تلقى طرقات المدن العربية على مسامعنا خليطا يدمى من اللهجات العربية يخرج من حناجر أمهات عراقيات وسوريات وفلسطينيات ــ ممن كانت أسرهن تقيم فى مخيمات اللاجئين فى سوريا قبل 2011 ثم هجرهن الجنون الراهن وأجبرهن على الارتحال من الارتحال وعلى اللجوء من اللجوء ــ وهن يتسولن طلبا لإنقاذ مؤقت للأطفال والعجائز من مصائر الجوع، وزجا بهم وبنا جميعا إلى مصائر ذل وهوان عرب بدايات القرن الحادى والعشرين. تحيطنا طرقات المدن العربية بأرقام تنشر وببيانات تصدر عن منظمات أممية ومؤسسات إقليمية وجهات حكومية وغير حكومية متحدثة عن مجتمعات ودول غنية بعيدة عنا تتعطل ضمائر حكوماتها حتى ترفض تقديم المساعدات الكافية والعون الكافى لتمكن من الحياة الآمنة ضحايا الحروب وضحايا ثلاثية الاستبداد والتخلف والإرهاب التى يتحملون هم أيضا مسئولياتها، ومتحدثة عن حكومات قريبة من بلاد المشرق العربى المأزومة ولها نفوذ سياسى مؤثر فى اليمن وليبيا وغيرهما تواصل الإنفاق على تسليح المتورطين فى حروب الكل ضد الكل وفى الاقتتال الأهلى وتمتنع عن توظيف نفوذ السياسة والمال للملمة أشلاء الدول الوطنية وبناء السلم الأهلى بل وتتملص من تقديم تمويل تقدر عليه ولا ريب للمساعدات الإنسانية.
 
•••
 

حزن وعجز وذل وهوان لا أبواب اليوم للخروج السريع منها، ولن ننجح نحن عرب بدايات القرن الحادى والعشرين فى احتوائها وتجاوزها فى المستقبل القريب دون لملمة لأشلاء الدول الوطنية تبدأ الآن بالتحول الديمقراطى والتنمية المستدامة والتقدم العلمى لكى تنتهى حروب الكل ضد الكل وتتوقف ثلاثية الاستبداد والتخلف والإرهاب.
 
استفيقوا. فغير ذلك سينعون قريبا اختفاء مجتمعاتنا، ولن يبقى من آثارنا سوى مآسى التهجير ومخيمات اللاجئين.




الآراء والمقالات المنشورة في الموقع لا تعبر بالضرورة عن رأي الشبكة العربية لدراسة الديمقراطية
 
تعليقات القراء (0)
اضف تعليقك

اطبع الكود:

 لا تستطيع ان تقرأه؟ جرب واحدا آخر
 
أخبار ذات صلة
من "ثورة الياسمين" إلى "الخلافة الإسلامية"... محطّات بارزة من الربيع العربي
لودريان: حرب فرنسا ليست مع الإسلام بل ضد الإرهاب والآيديولوجيات المتطرفة
نظرة سوداوية من صندوق النقد لاقتصادات الشرق الأوسط: الخليج الأكثر ضغوطاً... ولبنان ‏الأعلى خطراً
دراسة للإسكوا: 31 مليارديرًا عربيًا يملكون ما يعادل ثروة النصف الأفقر من سكان المنطقة
الوباء يهدد بحرمان 15 مليون طفل شرق أوسطي من الحصول على لقاحات
مقالات ذات صلة
المشرق العربي المتروك من أوباما إلى بايدن - سام منسى
جبهات إيران الأربع والتفاوض مع الأمريكيين
إردوغان بوصفه هديّة ثمينة للقضيّة الأرمنيّة
إيران أو تحويل القضيّة فخّاً لصاحبها - حازم صاغية
عن تسامح الأوروبيين ودساتيرهم العلمانية الضامنة للحريات - عمرو حمزاوي
حقوق النشر ٢٠٢٤ . جميع الحقوق محفوظة