الأحد ٢٨ - ٤ - ٢٠٢٤
 
التاريخ: تشرين الأول ١١, ٢٠١٥
المصدر: جريدة الحياة
دساتير من ورق... وانتخابات بمن حضر - وحيد عبد المجيد
«دساتير من ورق: الدساتير العربية والسلطة السياسية» هو عنوان كتاب مهم للبروفيسور ناثان براون، ترجمه وعلق عليه عام 2007 الدكتور محمد نور فرحات الذي انسحب تحالف انتخابي كان هو أحد رموزه («تحالف صحوة مصر») من الانتخابات النيابية المصرية الراهنة.

وإذا كان فرحات قد ترجم أحد أهم الكتب التي تُفرّق بين دول دستورية وأخرى فيها دساتير لا قيمة لها، فقد خاض هو شخصياً تجربة تؤكد هذا المعنى. ففي كثير من الأحيان تكون الاستهانة بالدستور مرتبطة بانتخابات شكلية تخلو من تنافس سياسي وحزبي وبرامج وأفكار، فيما يشتعل الصراع فيها بين أصحاب الأموال والعصبيات المحلية. وفي مثل هذه الانتخابات، تقل مشاركة الناخبين وتكاد أن تقتصر على من يُحشدون بواسطة مرشحين أقوياء بأموالهم أو بعصبياتهم، ويُطلق عليها بعض المتخصصين في دراسة العمليات الانتخابية المقارنة «انتخابات بمن حضر».

لذلك لا يثير استغراباً أن تتزامن حملات تستهدف تعديل الدستور المصري الذي يُعد الإنجاز الوحيد الباقي لثورة 25 يناير، بعد أن طال تجميده وكثرت مخالفاته، مع انطلاق انتخابات منزوعة منها السياسة والحيوية اللتان اقترنتا بهذه الثورة، ومنصرفة عنها قطاعات واسعة في مجتمع فقد الثقة بها لأسباب أهمها الارتباك الشديد الذي شاب إجراءاتها على مدى ما يقرب من عام.

وترمي الحملات، التي تمهد لتعديل الدستور الأفضل منذ دستور 1923، إلى تفريغه من أهم نصوصه الجديدة، لكي يلائم «مقاسات» نظام الحكم الذي يتشكل الآن. وحين يكون الدستور مجرد كلام على ورق لا حياة فيه ولا نبض، يسهل إجراء عمليات قص ولصق فيه لكي يناسب أي نظام حكم، بدل أن يُبنى هذا النظام على أساسه.

ولا يجد بعض من رفعوا هذا الدستور إلى عنان السماء، وحشدوا الناس لتأييده في الاستفتاء عليه في كانون الثاني (يناير) 2014، أي حرج في إهالة التراب عليه الآن. فقد صنعوا حينذاك «زفة» لهذا الدستور بوصفه انتصاراً وطنياً عظيماً وإنجازاً تاريخياً. وهم يصنعون الآن «زفة» مضادة تجعله انتكاسة وطنية كبرى، في أجواء تفتقر إلى التفكير والتدبير. وكان بعض هؤلاء أعضاء في «لجنة الخمسين» التي وضعت مشروع الدستور، وأفاضوا في شرح «فضائله» التي يرونها الآن «رذائل»!

كُتب هذا الدستور في لحظة تفاؤل بأن تكون «30 يونيو» إنقاذاً لثورة 25 يناير التي قفزت عليها جماعة «الإخوان المسلمين» وصادرتها لمصلحة مشروعها. غير أنه لم تمض أشهر قليلة على إصداره حتى كانت القوى المضادة للثورة قد استعادت نفوذها، وصادرت «30 يونيو» لمصلحتها مثلما فعل «الإخوان» بـ «25 يناير».

وتسيء هذه القوى الآن استغلال عبارة وردت عرضاً في كلمة ألقاها الرئيس عبد الفتاح السيسي في 12 أيلول (سبتمبر) الماضي، وهي أن «الدستور كُتب بنيات حسنة، فيما البلاد لا تُبنى بهذه النيات وحدها»، للانقضاض على هذا الدستور عقب الانتخابات.

وبخلاف ما يحدث في الدول الدستورية، وهو أن يتولى أول برلمان يُنتخب في ظل دستور جديد إصدار القوانين المكملة له وتعديل القوانين المخالفة لكي تنسجم معه، يريد بعض من يتصدرون المشهد الانتخابي الراهن أن يفعل البرلمان الجديد عكس ذلك.

غير أن من يُعدون لتفريغ الدستور من محتواه الديموقراطي عبر المجلس الذي ستسفر عنه هذه الانتخابات، لا ينتبهون إلى أن عدد الناخبين المتوقع مشاركتهم فيها قد لا يصل إلى نصف من اقترعوا لتأييد ذلك الدستور (أكثر من 20 مليون ناخب).

ولا يعتمد توقع انخفاض المشاركة في هذه الانتخابات على تكهنات أو تخمينات، بل يستند إلى مؤشر نادراً ما يخطىء وهو قلة عدد المرشحين فيها. فالقاعدة العامة في الانتخابات التي تفتقد الحيوية السياسية هي أن معدلات التصويت تدور زيادة ونقصاناً مع معدلات الترشح.

وقد بلغ عدد المرشحين في هذه الانتخابات نحو ستة آلاف مرشح، أي أقل من 60 بالمئة ممن ترشحوا في الانتخابات السابقة (2011) والذين كان عددهم أكثر قليلاً من عشرة آلاف، رغم إضافة 60 مقعداً إلى البرلمان المقبل مقارنة بسابقه. وترتيباً على ذلك انخفض معدل التنافس على المقعد الواحد في الانتخابات الحالية إلى 3.10 مرشح في المتوسط، مقابل 5.20 مرشح في انتخابات 2011.

وإذا نجحت الحملات الهادفة إلى حمل البرلمان الجديد على تعديل الدستور، ربما يكون هذا التعديل جوهرياً على صعيد الحقوق والحريات العامة. فالمتوقع أن يكون الهدف الأساسي للتعديل هو المواد التي تضع ضوابط صارمة في شأن تقييد حرية المواطن، وتجعل التعذيب بكل أشكاله، والاعتداء على الحرية الشخصية والحقوق والحريات العامة، جريمة لا تسقط بالتقادم.

وهناك أيضاً النصوص التي تضمن حرية الإبداع بأنواعه كلها، وتحظر مصادرة أي عمل فكري أو أدبي أو فني إلا من طريق القضاء، وتحمي حق الناس في استخدام وسائل الاتصال التقليدية والإلكترونية، وتوفر مساحة واسعة لحرية الرأي والتعبير، وتحظر العقوبات السالبة للحرية في الجرائم التي تُرتكب بواسطة النشر وغيره من وسائل العلانية، وتُلزم الدولة بتوفير المعلومات وإتاحة الحق في الحصول عليها وتداولها، وتكفل حرية التظاهر والاجتماع بالإخطار ومن دون تصريح مسبق.

والمتوقع أن يشمل التعديل أيضاً إذا حدث، نصوصاً أخرى تثير قلق من لا يطيقون نظاماً ديموقراطياً عندما يُقرأ كل منها بمعزل عن السياق العام. فمثلاً تعطي المادة 161 البرلمان الحق في سحب الثقة من رئيس الجمهورية والدعوة إلى استفتاء على انتخابات مبكرة ولكن عبر إجراءات معقدة وشروط بالغة الصعوبة منها مثلاً موافقة ثلثي أعضائه على الأقل. كما تحكم هذه المادة على البرلمان بـ «الإعدام» إذا رفض الشعب إجراء الانتخابات المبكرة، إذ يؤدي ذلك إلى حله. أما المادة 137 فتعطي الرئيس سلطة الدعوة إلى استفتاء على حل البرلمان من دون شروط وإجراءات.

لذلك فبينما تستغرق إجراءات سحب الثقة منه أسابيع عدة، يستطيع هو إصدار قرار حل المجلس في دقائق معدودات.

وهكذا يظل الدستور في أي بلد ورقة مهلهلة ما لم تكن هناك إرادة لبناء نظام ديموقراطي وإجراء انتخابات تنافسية حديثة يقبل عليها غالبية الناخبين متفائلين مستبشرين.


الآراء والمقالات المنشورة في الموقع لا تعبر بالضرورة عن رأي الشبكة العربية لدراسة الديمقراطية
 
تعليقات القراء (0)
اضف تعليقك

اطبع الكود:

 لا تستطيع ان تقرأه؟ جرب واحدا آخر
 
أخبار ذات صلة
منظمة حقوقية مصرية تنتقد مشروع قانون لفصل الموظفين
مصر: النيابة العامة تحسم مصير «قضية فيرمونت»
تباينات «الإخوان» تتزايد مع قرب زيارة وفد تركي لمصر
الأمن المصري يرفض «ادعاءات» بشأن الاعتداء على مسجونين
السيسي يوجه بدعم المرأة وتسريع «منع زواج الأطفال»
مقالات ذات صلة
البرلمان المصري يناقش اليوم لائحة «الشيوخ» تمهيداً لإقرارها
العمران وجغرافيا الديني والسياسي - مأمون فندي
دلالات التحاق الضباط السابقين بالتنظيمات الإرهابية المصرية - بشير عبدالفتاح
مئوية ثورة 1919 في مصر.. دروس ممتدة عبر الأجيال - محمد شومان
تحليل: هل تتخلّى تركيا عن "الإخوان المسلمين"؟
حقوق النشر ٢٠٢٤ . جميع الحقوق محفوظة