الجمعه ٣ - ٥ - ٢٠٢٤
 
التاريخ: تموز ٢١, ٢٠١٦
المصدر: جريدة الحياة
«الإخوان المسلمون» في مصر: مصالحة أم صفقة؟ - وحيد عبد المجيد
ليس غريباً أن يتجدد حديث «المصالحة» بين سلطة الدولة وجماعة «الإخوان المسلمين» في مصر من وقت إلى آخر. لكن حين يكون المتحدث عنها هذه المرة وزيراً في الحكومة الحالية، والرئيس الموقت للائتلاف البرلماني الذي يُنظر إليه بوصفه بديلاً من حزب حاكم غير موجود (ائتلاف دعم مصر)، يصعب إغفال مغزى هذا التطور.

كان حديث وزير الشؤون القانونية ومجلس النواب المستشار مجدي العاجاتي هو الأوضح حتى الآن. وخلاصة حديثه، في مقابلة صحافية أجريت منتصف الشهر الماضي، الاستعداد لفتح صفحة جديدة مع «الإخوان» الذين لم تتلوث أياديهم بدماء، بوصفهم مواطنين مصريين.

ولم تمض أيام قليلة حتى أكد الرئيس الموقت للائتلاف المؤيد للحكومة اللواء سعد الجمال هذا المعنى، وأضاف إلى شرط عدم تلوث أيدي المتصالَح معهم بدماء أن تكون نواياهم صادقة، ويدينوا الإرهاب.

وحين يواكب حديث على هذا المستوى تنظيم محاضرات في بعض السجون يلقيها علماء دين ينتمون إلى سلطة الدولة ويعمل أحدهم مستشاراً لرئيس الجمهورية للشؤون الدينية، ويحضرها بعض شبان «الإخوان» المحبوسين، ربما لا يكون هذا التزامن مجرد مصادفة.

لذلك يبدو أن الموجة الراهنة في حديث «المصالحة» مختلفة عن سابقاتها، وبخاصة بوجود ما يدل على استعداد قادة الجناح الأكبر حجماً في «الإخوان» لإنهاء الصدام على رغم اضطرارهم أحياناً إلى نفي ذلك حين يتهمهم الجناح الآخر بـ «الاستسلام».

لا يعني ذلك أن تغييراً جوهرياً في العلاقة بين السلطة و»الإخوان» سيحدث فورياً أو بسرعة. لكنه يفيد بأننا إزاء مقدمات تغيير في هذه العلاقة سيستغرق فترة يصعب توقعها بدقة، لكنها قد لا تزيد على ما بين عام وعامين، أي قبل موعد الانتخابات الرئاسية المقبلة منتصف 2018.

ويعود ذلك إلى عاملين: أولهما عام يتعلق بطبيعة الصراعات داخلية كانت أو دولية، وهي عدم وجود عداء دائم أو صداقة أبدية. فلكل صراع نهاية لابد منها.

أما الثاني والأهم فإن تصعيد الصراع فقد وظيفته بالنسبة إلى كل من الطرفين. لم تعد فزّاعة «الإخوان» مخيفة لقطاع واسع من الرأي العام بخلاف ما كانت عليه قبل ثلاثة أعوام، بعدما ظهرت حدود قوة تنظيمهم. فقد هُزم هذا التنظيم في الصدام الذي اختارته قيادة الجماعة في تموز (يوليو) 2013.

كما ثبت فشل رهان هذه القيادة على أن تصعيد الصدام يساعد على تماسك التنظيم، لأنه يسهل استغلال ثقافة المحنة الراسخة في أعماق كثير من أعضائه. فقد أدى الصدام هذه المرة إلى تفكك تنظيمي غير مسبوق. وعجزت قيادة الجماعة عن السيطرة على مجموعات من تنظيمها صارت أكثر تطرفاً على نحو يجعل انفصالها وتكوين جماعة موازية وارداً في الفترة المقبلة. لذلك يبدو أن هذه القيادة تريد إنقاذ ما يمكن إنقاذه، وتراهن على أنها تستطيع حال عودتها استغلال حال الجفاف السياسي الراهن لاستعادة مواقعها في قلب المجتمع، ومن ثم إعادة إنتاج ما حدث بعد صفقة السبعينات بين سلطة السادات و»الإخوان».

هكذا أصبحت الظروف مهيأة لتغيير تدريجي في العلاقة بين سلطة الدولة و»الإخوان». لكن وصف هذا التغيير بأنه مصالحة ينطوي على خطأ جوهري، سواء من الناحية المفهومية أو من زاوية خبرة العلاقة بين الطرفين في العقود الستة الأخيرة. فالمصالحة بمفهومها الدقيق ترتبط عادة بإصلاح يبدأ بفتح المجال العام حين يكون الكثير من مساحاته مغلقاً، ورفع القيود المفروضة على الحريات أو تخفيفها، ومن ثم تحرير التفاعلات السياسية وإتاحة الفرصة أمامها للتطور في شكل طبيعي.

وفي هذه الحال تكون المصالحة منهجاً عاماً، وليس توجها خاصاً نحو جماعة بعينها، وتعبيراً عن تغيير في قواعد اللعبة يجعل الحوار والتعاون مُقدَّمين على المواجهة والصدام في مختلف المستويات.

والمنطقي في حال مصر الراهنة أن تبدأ سياسة سلطة الدولة في المصالحة بـ «الأقربين»، أي من كانوا يؤيدونها وصاروا ما بين معارضين ومتحفظين على بعض توجهاتها، وكذلك من يعارضونها سعياً إلى تصحيح يرونه ضرورياً.

والمفترض أن يكون الشبان من غير المنتمين إلى جماعة «الإخوان» وتنظيمات إسلامية سياسية أخرى في صدارة من تشملهم أية سياسة للمصالحة، بدءاً بالإفراج عن المحبوسين منهم، ووصولاً إلى التفاعل الإيجابي مع طموحاتهم.

وفي غياب أي من هذه المقومات اللازمة لمصالحة حقيقية، فالأرجح أن التغيير المتوقع في العلاقة بين الطرفين سيُعيد إنتاج سياسة الصفقات التي اتبعتها السلطات السابقة منذ 1952. وكان جوهر هذه الصفقات فتح الأبواب أمام «الإخوان» للعمل في المجتمع وممارسة نشاطات اجتماعية واقتصادية بلا حدود، مقابل وضع سقف لدورهم السياسي.

لقد كانت جماعة «الإخوان» جزءاً لا يتجزأ من تركيبة نظام 1952 في كل مراحله التي تشهد المرحلة الراهنة خليطاً من سياسات اتُبعت في كل منها. وكان «الإخوان» حاضرين في هذه التركيبة منذ أن كانت جماعتهم هي الوحيدة التي دعمت تحرك تنظيم «الضباط الأحرار» لتغيير النظام في 1952.

وأخذ حضور «الإخوان» في تركيبة نظام 1952 صورتين هما الشريك الضمني، والخصم الذي لا يصل الخلاف معه إلى العداء باستثناء الفترة من 1954 إلى 1971. وجمعت سياسات هذا النظام تجاه «الإخوان» بين الاحتواء والمواجهة. كانت المواجهة غالبة في سياسة السلطة الناصرية، على رغم أنها استقطبت بعض أبرز كوادر «الإخوان». وصار التعاون سائداً في المرحلة الساداتية منذ صفقة 1971. واستمرت سياسة الصفقات في ظل سلطة مبارك التي استخدمت «الإخوان» في الوقت نفسه فزَّاعة للتخويف من عدم وجود بديل منها غيرهم. وكان القبض على عدد محدود من قادتهم ومحاكمتهم من وقت إلى آخر ضرورة لتشغيل الفزّاعة من ناحية، ووسيلة لمعاقبة الجماعة حين تتجاوز خطوطاً حُمراً متضمنة في بعض الصفقات.

والأرجح أن يعيد التغيير المحتمل في العلاقة بين الطرفين إنتاج هذه السياسة، الأمر الذي يجعله أقرب إلى صفقة على «النسق الساداتي - المباركي»، ولكن مع خفض السقف الذي سيُسمح لهم بالتحرك تحته.

والحال أنه حين يُعاد إنتاج أي سياسة فهي تأخذ في الأغلب شكلاً مختلفاً، ولكن من دون أن تؤدي إلى نتيجة مختلفة.


الآراء والمقالات المنشورة في الموقع لا تعبر بالضرورة عن رأي الشبكة العربية لدراسة الديمقراطية
 
تعليقات القراء (0)
اضف تعليقك

اطبع الكود:

 لا تستطيع ان تقرأه؟ جرب واحدا آخر
 
أخبار ذات صلة
منظمة حقوقية مصرية تنتقد مشروع قانون لفصل الموظفين
مصر: النيابة العامة تحسم مصير «قضية فيرمونت»
تباينات «الإخوان» تتزايد مع قرب زيارة وفد تركي لمصر
الأمن المصري يرفض «ادعاءات» بشأن الاعتداء على مسجونين
السيسي يوجه بدعم المرأة وتسريع «منع زواج الأطفال»
مقالات ذات صلة
البرلمان المصري يناقش اليوم لائحة «الشيوخ» تمهيداً لإقرارها
العمران وجغرافيا الديني والسياسي - مأمون فندي
دلالات التحاق الضباط السابقين بالتنظيمات الإرهابية المصرية - بشير عبدالفتاح
مئوية ثورة 1919 في مصر.. دروس ممتدة عبر الأجيال - محمد شومان
تحليل: هل تتخلّى تركيا عن "الإخوان المسلمين"؟
حقوق النشر ٢٠٢٤ . جميع الحقوق محفوظة