Deprecated: Optional parameter $Href declared before required parameter $Img is implicitly treated as a required parameter in /home/ademocr/public_html/Arabic/include/utility.inc.php on line 254
الشبكة العربية : في فلسفة الحوار ومعناه في الحالة اللبنانية - كرم الحلو
الثلثاء ١٦ - ٤ - ٢٠٢٤
 
التاريخ: تموز ٢٣, ٢٠١٤
المصدر: جريدة الحياة
في فلسفة الحوار ومعناه في الحالة اللبنانية - كرم الحلو
احتشد الخطاب السياسي العربي منذ الثمانينات بدعوات الحوار بين العقائد والايديولوجيات السياسية والاجتماعية والدينية. من الحوار الاسلامي المسيحي الى الحوار القومي الاسلامي الى حوار الطوائف والمذاهب والاثنيات، الى طاولات الحوار اللبناني المستعادة والمتكررة منذ بدايات الحرب الأهلية الى الآن.

مع ذلك يبقى مفهوم الحوار من بين أكثر المفاهيم اشكالاً والتباساً، اذ انه في صيغه المتداولة والسائدة، منتزع من جذوره التاريخية ومن اصله الحداثي كما من مغزاه الفلسفي. فما تغفله هذه الصيغ هو ان الحوار مرتبط تلازمياً بالحداثة ومبادئها وقيمها، التي منها التاريخية والنسبية والتطورية، ومركزية الانسان وحريته واستقلاليته، وكذلك الاعتراف بالآخر والعقلانية والمساواة والعلمانية.

الحوار بالمعنى الحداثي قوامه الاعتراف بالآخر والمختلف، والتواصل معه من دون ان تلغيه او يلغيك، من دون ان تصبح انت هو او يصبح هو انت. ان تحاور الآخر يعني ان تدخل معه في عملية بحث عن حقيقة لم تتشكل بعد، حقيقة نسبية تاريخية يمكن الارتقاء اليها في الزمان، وعبر تلاقي الافكار والتصورات. من هنا لم يكن قبل الحداثة ثمة حوار، لأنه لم يكن ثمة تاريخ. ما كان قائماً صراع مطلقات ينفي بعضها بعضاً في حرب ايديولوجية اساسها اقصاء الآخر او الغاؤه، لا التعرف اليه والتواصل معه، اذ لا حوار على المطلق والمقدس، ولا حوار مع تصور امتلاك الحقيقة المطلقة والنهائية، لأنك ان كنت تمتلك مثل هذه الحقيقة فعلاً، فلن يكون لتواصلك مع الآخر سوى معنى التبشير والبلاغ، لا معنى التواصل الفعلي.

يترتب على هذا ان لا معنى لحوار يتنكر لمبدأ التطور والتحول والتغيير، ففي ظل رؤية استاتيكية للكون والمجتمع والانسان، رؤية تؤمن بالاستمرار والثبات والديمومة، لا جدوى من الحوار ولا جديد ينتهي اليه، فان تحاور الآخر يعني انكما تبحثان معاً في المتحول والمتطور والتاريخي عما يمكن ان يشكل تقدماً نحو واقع انساني افضل، اما اذا كان احدكما يرى ان التطور قد حسم في مرحلة معينة وان التاريخ قد انتهى في وقت مضى، فلن يكون الحوار سوى استدعاء لما ينفيه او ينقضه من الاساس.

ان تحاور يعني انك حر وعاقل وقادر على التفكير من دون عوائق، وانك في الوقت نفسه غير محاصر بأية وصاية او مهدد من اية جهة متعالية عليك، اذ لا حوار مع آخر يهيمن عليك او يهددك او يكفرك. لكي تحاور يجب ان تكون على مستوى واحد مع من تحاور، لا تتعالى عليه ولا يتعالى عليك، فكما العقلانية، المساواة هي الاخرى شرط الحوار، من دونها يحسم من البدء لمصلحة الاقوى والمهيمن او القادر على تهديد الآخر وتكفيره.

وان تحاور الآخر يستلزم ان بينك وبينه هماً مشتركاً او افقاً واحداً تتطلعان نحوه، وانكما تحتكمان الى قيم انسانية كونية واحدة، فلا حوار مع الاعتقاد بنسبية القيم وانتفاء طابعها العام والكوني الموحد للانسانية جمعاء.

ولكي يكون الحوار ممكناً لا بد من الفصل بين ما هو ثابت وبين ما هو متحول متبدل متطور، اذ لا حوار حول الانتماء الديني او القومي، ولا حوار حول الهوية المعبرة عن وجود الانسان التاريخي.

سنداً الى هذه المبادئ الاساسية لمفهوم الحوار يمكن تفسير الاخفاق المتمادي لطاولات الحوار اللبنانية، فما كان يجري لم يكن يشكل حواراً حقيقياً بالمعنى الحداثي الذي حددناه بحيث يخرج المتحاورون من واقعهم الطائفي الى ما يتجاوزه ويتعداه، اي الى واقع المواطنية المتعالية على الطوائف والمذاهب، بل كان على عكس ذلك يعمل على اعادة انتاج الطائفية وتكريس الطوائف بوصفها الممثل الثابت والوحيد للبنانيين باعتبارهم رعايا لا مواطنين، وبالتالي اعادة انتاج الوعي الطائفي بصورة وبأخرى، وليس انتاج علاقات مواطنية علمانية على اساس مبادئ حقوق الانسان.

كان كل فريق من المتحاورين يحاور مدرعاً بوعيه الطائفي وتصوراته الماضوية، لا ليدفع باتجاه سلطة جديدة، لا هيمنة فيها لطائفة على اخرى، بل من اجل تحسين موقعه في السلطة وشدها الى فريقه من خلال اطاحة الستاتيكو القائم، باتجاه ستاتيكو أخر يمهد لنزاع اهلي جديد وحوارات اخرى عقيمة على شاكلة ما جرى منذ نظام القائمقاميتين الى اليوم. ولم يكن من المأمول ان يصل المتحاورون الى غير ذلك في ظل انقسام حاد حول الهوية وانتفاء الاتفاق على تصور موحد او متجانس على الاقل، لدولة حديثة تقوم على تكافؤ الفرص لا على الولاء الطائفي، وكيف يصح ان نأمل ذلك وبعضهم يحاور مجلبباً ببزته الطائفية؟

واي معنى لحوار لا ينطلق من تصور واحد لانتماء لبنان القومي او شكل اندراجه في محيطه، اذ من المتحاورين من يدين بالولاء لقومية لبنانية غنية عن التطلع الى اي افق قومي آخر، ومنهم من يرى في لبنان جزءاً من وطن عربي يشكل البعد الديني مقومه الرئيس، ومنهم من يمد تطلعاته مدفوعاً بانتمائه المذهبي المتشدد ووجدانه الطائفي الحاد، خارج العالم العربي وبعيداً من القضايا العربية؟ 

واي معنى لحوار لا يأخذ في الحسبان حقوق المرأة ودونيتها عملياً وواقعياً، فيتصدى لقانون احوال شخصية يتلاءم مع عالمنا المعاصر وتحولاته الثورية والانقلابية؟

وهل ثمة اجابات متقاربة ولو في الحد الادنى للاسئلة الاجتماعية والاقتصادية والانسانية؟ هل ثمة اعتراف حقيقي بالآخر الطائفي او الطبقي او الايديولوجي؟ هل ثمة موقف واحد من الصهيونية، وبعضهم يرى فيها تهديداً للوجود والهوية وبعضهم يقول بامكانية التعايش معها دونما خوف او وجل؟

اسئلة وتساؤلات حاصرت وتحاصر الحوارات اللبنانية وحالت دون وصولها الى حلول حاسمة او مرضية على الأقل، فلم تكن المحصلة في افضل الحالات سوى مواثيق شرف باهتة ومن دون معنى، فيما النتيجة الفعلية والواقعية ما هي الا تمديد للمأزق السياسي اللبناني المزمن الذي ينذر ببقائنا اسرى القرون الوسطى وعقلها المتخلف جنباً الى جنب مع حواراتنا العقيمة واللامجدية.


* كاتب لبناني



الآراء والمقالات المنشورة في الموقع لا تعبر بالضرورة عن رأي الشبكة العربية لدراسة الديمقراطية
 
تعليقات القراء (0)
اضف تعليقك

اطبع الكود:

 لا تستطيع ان تقرأه؟ جرب واحدا آخر
 
أخبار ذات صلة
ماكرون يتوقع الأسوأ... والحريري يدرس الاعتذار
الفاتيكان يدعو البطاركة إلى «لقاء تاريخي» لحماية لبنان
البنك الدولي: لبنان يشهد إحدى أسوأ الأزمات الاقتصادية العالمية منذ منتصف القرن 19
عون: الحريري عاجز عن تأليف حكومة
اشتباكات متنقلة في لبنان على خلفيّة رفع صور وشعارات مؤيدة للأسد
مقالات ذات صلة
حروب فلسطين في... لبنان - حازم صاغية
نوّاف سلام في «لبنان بين الأمس والغد»: عن سُبل الإصلاح وبعض قضاياه
حين يردّ الممانعون على البطريركيّة المارونيّة...- حازم صاغية
جمهوريّة مزارع شبعا! - حازم صاغية
عن الحياد وتاريخه وأفقه لبنانياً
حقوق النشر ٢٠٢٤ . جميع الحقوق محفوظة