الثلثاء ٧ - ٥ - ٢٠٢٤
 
التاريخ: تموز ٢٥, ٢٠١٤
المصدر: جريدة الحياة
عن المؤامرة والمقاومة والإرهاب... - طارق أبو العينين
تزامناً مع ارتفاع وتيرة الهجوم الإسرائيلي على غزة قامت الجماعات الإرهابية المسلحة باستهداف كمين تابع لقوات حرس الحدود بمحافظة الوادي الجديد (جنوب غربي مصر)، ما أسفر عن مقتل 22 جندياً مصرياً. ولعل الأمر اللافت أن هناك قدراً كبيراً من الارتباك اكتنف الخطاب التحليلي المصري بشقية السياسي والإعلامى إزاء الحدثين بفعل ربط العملية بالقطيعة ما بين «حماس» ومصر، لا سيما بعد رفض «حماس» المبادرة المصرية وربطها كذلك بنظرية المؤامرة التي تشكل مرجعية أساسية لتحليل المشهد السياسي المصري والعربي.

فـ «حماس» ومن ورائها جماعة الإخوان ضالعة وفقاً للخطاب التحليلي المصري في التخطيط لتلك العمليات الإرهابية لتمرير المؤامرة الأميركية الرامية إلى هدم الجيوش العربية وتفتيت دول المنطقة وفي مقدمها مصر. وعلى رغم الارتباط الضمني بين الإخوان والجماعات الجهادية المسلحة لا سيما أن تلك العمليات الإرهابية تصاعدت حدتها منذ عزل الرئيس الإخواني محمد مرسي، فدفعت بذلك البلد إلى حافة احتراب أهلي على الطريقة الجزائرية، إلا أن إدماج هذا الصراع السياسي الداخلي على السلطة في سياق الموقف من القضية الفلسطينية وفصائل المقاومة وفقاً لنظرية المؤامرة يعكس حجم الخلل والتخبط اللذين ضربا الخطاب التحليلي المصري.

وهناك سؤالان مهمان تنبغي الإجابة عنهما: الأول، لماذا تضع حركة «حماس» نفسها في مواجهة دامية مع الاحتلال الإسرائيلي إذا كانت جزءاً من مؤامرة أميركية لتفكيك الوطن العربي هدفها خدمة الكيان الصهيوني؟ والثاني، لماذا تتحالف الولايات المتحدة مع الجماعات الجهادية المسلحة في مصر لتنفيذ خطة المحافظين الجدد إذا كانت تلك الخطة قد وضعت بالأساس لمواجهة صعود الأصولية الإسلامية المسلحة؟

الإجابة عن السؤالين تكشف مدى جهل العقل النخبوي المصري بالمحددات والمعطيات المحركة للعقل الامبريالي الأميركي. فعلى رغم رداءة خطاب المحافظين الجدد وخروجه من الخدمة منذ 2008، فهو في النهاية انطلق ليدشن فرضيات واضحة يتم تنفيذها في خطوات محددة وسياق زمني محدد، بخلاف خطاب المؤامرة المصري المتهافت الذي تروجه القوى التقليدية المرتعدة من الديموقراطية، مرتكبة بذلك حماقتين كبيرتين: الأولى، خلق عدو وهمي يستنفد طاقات الأمة المصرية ويحرف بصرها عن اختلالات البنى السياسية والثقافية والاجتماعية التي تحول بينها وبين تحقيق حلمها المشروع بتأسيس نظام مدني ديموقراطي حديث، والثانية، تحقيق الأهداف التي فشلت الامبريالية الأميركية في تحقيقها ما بين احتلال العراق عام 2003 والاعتراف بفشل النموذج برمته عام 2008.

فخطاب المحافظين الجدد لتقسيم العالم العربي انطلق من فرضيات جيوسياسية ومعرفية عدة في مقدمها بالطبع ضرورة تقسيمه إلى دويلات طائفية صغيرة تجعل من وجود أقلية ديموغرافية كاليهود في فلسطين أمراً طبيعياً، وهو ما يُنسب إلى المستشرق البريطاني برنارد لويس مما ابتذله التداول في وسائل الإعلام المصرية.

إلا أن جهل النخبة السياسية والإعلامية المصرية بالكيفية التي تطور بها ذاك الخطاب أدت إلى تجاهل فرضيات أساسية أخرى للخطاب، ومن ثم قول نصف الحقيقة. فبرنارد لويس عاد وكتب بعد هجمات 11 أيلول (سبتمبر) كتاباً مهماً بعنوان «ما الخطأ الذي حدث؟ الصدمة الغربية والرد الشرق أوسطي»، تناول فيه ظاهرة صعود الأصولية الإسلامية في العالم العربي منطلقاً منها لشرعنة وتبرير عملية الاحتلال الأميركي للعراق وتقسيمه إلى دويلات. ولويس يعتقد في هذا الكتاب أن أدراك العرب والمسلمين لحجم الفجوة الحضارية بينهم وبين الغرب المتقدم شكل الركيزة الأولى لصعود الأصولية الإسلامية التي تحاول أن تنقل ما يحدث من عمليات «انتحارية» في الأراضي الفلسطينية المحتلة إلى بقع أخرى من العالم، إلا أن المجتمعات الإسلامية في الوقت ذاته، وعلى رغم ما أصبح لديها من صحف وأحزاب وبرلمانات، لم تبلغ مرحلة الإيمان بقيم التسامح والحرية وقبول الآخر، ومن ثم فإن شعورها بالفجوة الحضارية بينها وبين الغرب من الناحية الموضوعية، ورفضها تلك الفجوة على المستوى الجمعي والشعوري، أديا في شكل مباشر إلى صعود الأصولية الإسلامية العنيفة والمتشددة في نظرتها ومواقفها تجاه الغرب، والتي جسدتها أحداث أيلول بشكل واضح وصريح.

ومن ثم فخطاب المؤامرة والتقسيم قام على فرضيتين إضافيتين: الأولى، تمييع الفارق بين الأصوليات الراديكالية المسلحة والمقاومة الفلسطينية، والثانية، ابتعاد المجتمعات العربية والمسلمة عن الجوهر الحقيقي للديموقراطية المتمثل في قيم التسامح والحرية وقبول الآخر. ثم انطلق منهما لتحقيق الفرضية الأولى، وهي الاحتلال والتقسيم لنشر القيم الديموقراطية الغائبة في العالم العربي ومن ثم تجفيف منابع الإرهاب الأصولي.

ولذلك يمكن القول باطمئنان إن وصم المقاومة الفلسطينية بالإرهاب مع إدماجها كطرف رئيس في صراع سياسي داخلي تغيب عنه كل قيم التسامح ويترتب عليه بكل تأكيد وأد ما تبقى من آمال في بناء دولة ديموقراطية مدنية حرة على مستوى المؤسسات ومنظومة القيم، يعني في النهاية خلق البيئة المناسبة لتحقيق سيناريو المؤامرة الأميركية الذي فشل طوال العقد الماضي، وكانت الثورة المصرية الديموقراطية في 25 يناير بمثابة فرصة تاريخية لمحوه من الوجود نهائياً. إلا أن تحويلها إلى جزء من ذلك السيناريو يؤكد أن المؤامرة ليست مؤامرة أميركا على المصريين بقدر ما هي مؤامرة قوى الجهالة والظلام على قوى الحرية والديموقراطية والاستقلال الوطني.



* كاتب مصري



الآراء والمقالات المنشورة في الموقع لا تعبر بالضرورة عن رأي الشبكة العربية لدراسة الديمقراطية
 
تعليقات القراء (0)
اضف تعليقك

اطبع الكود:

 لا تستطيع ان تقرأه؟ جرب واحدا آخر
 
أخبار ذات صلة
منظمة حقوقية مصرية تنتقد مشروع قانون لفصل الموظفين
مصر: النيابة العامة تحسم مصير «قضية فيرمونت»
تباينات «الإخوان» تتزايد مع قرب زيارة وفد تركي لمصر
الأمن المصري يرفض «ادعاءات» بشأن الاعتداء على مسجونين
السيسي يوجه بدعم المرأة وتسريع «منع زواج الأطفال»
مقالات ذات صلة
البرلمان المصري يناقش اليوم لائحة «الشيوخ» تمهيداً لإقرارها
العمران وجغرافيا الديني والسياسي - مأمون فندي
دلالات التحاق الضباط السابقين بالتنظيمات الإرهابية المصرية - بشير عبدالفتاح
مئوية ثورة 1919 في مصر.. دروس ممتدة عبر الأجيال - محمد شومان
تحليل: هل تتخلّى تركيا عن "الإخوان المسلمين"؟
حقوق النشر ٢٠٢٤ . جميع الحقوق محفوظة