الجمعه ٢٦ - ٤ - ٢٠٢٤
 
التاريخ: تموز ٣١, ٢٠١٤
المصدر: جريدة الحياة
... عن النظام السوري و«داعش» - لؤي حسين
كعادتها، تحيل «المعارضة» السورية جميع إخفاقاتها إلى وحشية النظام وتآمره ورذالته، من دون أن تبحث عن الأسباب الموضوعية أو الذاتية التي يمكنها العمل لتلافيها أو تذليلها. كذلك اعتادت أن تنسب كل ظاهرة أو حركة أو فاعلية خارجة عنها أو لا تكون تحت سيطرتها إلى النظام، وكأنه كلي القدرة. ومن ضمن نظرتها هذه للأمور كان موقفها من تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام (داعش). بل للأهمية التي اكتسبها داعش، ميدانياً على الأقل، غالت بموقفها التحليلي منه لدرجة أنها تقدّمت، خلال محادثات وفدها في «جنيف2» في شباط (فبراير) الماضي، بوثيقة بعنوان «الشراكة بين النظام وداعش» أكدت فيها وجود «انصهار وشراكة» بينهما. واستمرت، عبر تصريحات قياداتها ومقالات بعض كتابها طيلة الأشهر اللاحقة، التأكيد على أن داعش صنيعة النظام، مبرهنة على ذلك بعدم مهاجمة النظام مقرات «داعش» وعدم قصف مواقعه، وأن «داعش» بالمقابل لا يهاجم قوات النظام. بل إن النظام يحمي قوات داعش من خلال قصفه مقاتلي «الجيش الحر».

ادعاءات المعارضة هذه مشوبة بمغالطة كبيرة. إذ أنها تتناسى وتتجاهل أن النظام قلما هاجم المجموعات المسلحة على اختلاف تشكيلاتها، لهذا كان ضحاياه من المدنيين يفوق بأضعاف مضاعفة ضحاياه من المسلحين. وأنه لم يحاول، في بدايات اتساع النزاع المسلح، استعادة المعابر الحدودية التي استولت عليها مجموعات مسلحة صغيرة، حين لم يكن عديد المسلحين المعارضين له يتجاوز بضعة آلاف في جميع المناطق السورية. وأن قوات النظام لم تهاجم أو تقصف حواجز «الجيش الحر» ولا حواجز «جبهة النصرة» التي كانت منتشرة على الطرقات العامة قبل أن يلحظ مراقبو المعارضة أنه لا يقصف حواجز «داعش». وأن يبرود، المدينة القريبة جداً من دمشق، مثلاً، والتي جعل النظام استعادة سيطرته عليها قبل بضعة أشهر عنواناً لانتصاره المزعوم، كان قد انسحب منها، في 2012، أمام بضع عشرات من مقاتلي الجيش الحر، ليعود ويستعيدها بسهولة عام 2014 بعدما أصبح عدد المقاتلين فيها يتجاوز المئات.

كانت مساعي النظام، المكشوفة والمعروفة منذ البداية، هي جعل صورة الصراع في البلاد هي بينه وبين مجموعات إرهابية مسلحة. لهذا كان فعلاً في حاجة ماسة الى إنهاء جميع مظاهر النضال السلمي والعمل على تحفيز العمل المسلح. وقد قال لي أحد أهم الشخصيات القيادية في النظام، في ذاك الحين عندما كنت ألتقي بهم في محاولة لحل الأزمة، إنه قال للرئيس الأسد «اطمئن، بعد أن تسلحَتْ فقد انتهَتْ». أي أنهم كانوا على دراية تامة بهذه المعادلة البسيطة.

سعى النظام، ومنذ خريف 2011، أن يكسب التعاطف الأميركي والغربي في مواجهة الانتفاضة السورية، التي أنكر سلميتها عبر خلق الأكاذيب عن جذرها العنفي. وما لبثت أن خدمته الظروف جيداً بعد نشوء مجموعات متطرفة مدعومة بعناصر جهادية أجنبية، فراهن على أنها إن كبرت واتسعت سيشعر الغرب بخطرها على بلدانه وعلى الدول الحليفة له في المنطقة. لهذا وجدناه في العام الماضي يحاول أن يُظهر أن جميع مواجهاته كانت مع جبهة النصرة، صاحبة الصيت قبل «داعش»، والمدرجة على قائمة الإرهاب الأميركية، مدّعياً، ضمن هذا السياق، أن جميع من يقاتله مجموعات إرهابية بما في ذلك «الجيش الحر».

بناء على توجه النظام هذا يمكننا فهم عدم مهاجمته «داعش». فقد اعتبر «داعش» تنظيماً يتوافق مع جميع معايير الإرهاب التي يضعها الغرب، وبالتالي، إن اتسعت رقعة سيطرة «داعش» واشتدت سطوته، يمكنه المراهنة أن توكل له واشنطن مواجهة «داعش» والإرهاب عموماً. لكن السياسة الأميركية، التي لم تُظهر أنها أكثر ذكاء وحكمة من سياسات النظام، اعتمدت على ما سمته «المعارضة المعتدلة» في مواجهة «داعش» منذ مطلع هذا العام، حين أعلن «الجيش الحر» الحرب على هذا التنظيم. وما زالت واشنطن تعتمد هذه السياسة من خلال العمل على تشكيل وتدريب وتمويل مجموعات مسلحة من غير «المزارعين وأطباء الأسنان»، الذين لا يرى الرئيس الأميركي، باراك اوباما، أن في مقدورهم «أن يتغلبوا على نظام الأسد والمجموعات الجهادية».

وفي المقابل، فعدم مهاجمة داعش لقوات النظام، قبل الآن، بشكل ملحوظ أو مؤثر، لا يشكل دليلاً على علاقة رضا بينهما. فكل الأمر أن «داعش»، الذي انبثق وترعرع في المناطق التي هي خارج سيطرة النظام، وضمن بيئة المجموعات المسلحة المتطرفة، لا يميز بين النظام ومعارضيه، إذ بالنسبة إليه كل من يحمل سلاحاً خارج لوائه يجب محاربته وإخضاعه.

لن يكون، بعد الآن، في مقدور النظام مواجهة «داعش»، بخاصة في المناطق الشرقية والشمالية. ولا أعتقد أننا سنرى المعارك الحقيقية بينهما إلا على تخوم مدينة حمص، حيث سيكون في مقدور النظام حشد قوات يمكنها، بالتعاون مع مقاتلي «حزب الله» اللبناني، الدخول في معركة مفتوحة مع «داعش»، الذي سيطمح آنذاك للوصول إلى دمشق.

كذلك ليس في مقدور النظام، في المدى المنظور، تغيير سياسته المعتمَدة منذ أكثر من ثلاث سنوات. بل سيكون من المستحيل عليه تجاوز خطاب القسم للرئيس الأسد، الذي ألقاه قبل أيام، والاعتراف بوجود أزمة وطنية عميقة لا يخفف من حدتها إلا قبول النظام مشاركة قوى وشخصيات معارضة عاقلة ووازنة في حكومة وحدة وطنية انتقالية تتمتع بكامل الصلاحيات السياسية والأمنية والعسكرية. وذلك بعد أن أظهر الأسد بوضوح اكتفاء سورية التي يراها بالموالين له ولسلطته، واستغناءه بالمطلق عن جميع معارضيه ومخالفيه، معتبراً أن سلطته تحقق الانتصارات التي تمكّنه من أن يَعد باستعادة مدينة الرقة.

وبهذا تكون المحصلة أن «داعش» والنظام يتشابهان إلى حد كبير. فكلاهما، مع اختلاف نسبي بسيط، لا يقبل في مناطق سيطرته المختلفين عنه، وعلى السكان إما الخضوع لقوانينه التي تثبت سلطته، أو سيكونون في دائرة الكفر حيث يباح عقابهم، أو فليرحلوا الى خارج هذه المناطق. وهذا يعني قسمة البلاد بشكل حاد بين مبايعين لدولة الخلافة الإسلامية (داعشيين) وموالين للنظام (أسديين).

وستمضي سورية في هذا المآل ما لم ينهض قلة من الرجال السوريين، قبل مضي الوقت، رجال من صناع تاريخ ودولة، يكون في مقدورهم أن يقودوا السوريين إلى بر وطن كريم وآمن لهم جميعاً.

* رئيس تيّار بناء الدولة السوريّة



الآراء والمقالات المنشورة في الموقع لا تعبر بالضرورة عن رأي الشبكة العربية لدراسة الديمقراطية
 
تعليقات القراء (0)
اضف تعليقك

اطبع الكود:

 لا تستطيع ان تقرأه؟ جرب واحدا آخر
 
أخبار ذات صلة
تقرير لوزارة الخارجية الأميركية يؤكد حصول «تغييرات طائفية وعرقية» في سوريا
انقسام طلابي بعد قرار جامعة إدلب منع «اختلاط الجنسين»
نصف مليون قتيل خلال أكثر من 10 سنوات في الحرب السورية
واشنطن تسعى مع موسكو لتفاهم جديد شرق الفرات
دمشق تنفي صدور رخصة جديدة للهاتف الجوال
مقالات ذات صلة
سوريا ما بعد الانتخابات - فايز سارة
آل الأسد: صراع الإخوة - فايز سارة
نعوات على الجدران العربية - حسام عيتاني
الوطنية السورية في ذكرى الجلاء! - اكرم البني
الثورة السورية وسؤال الهزيمة! - اكرم البني
حقوق النشر ٢٠٢٤ . جميع الحقوق محفوظة