Deprecated: Optional parameter $Href declared before required parameter $Img is implicitly treated as a required parameter in /home/ademocr/public_html/Arabic/include/utility.inc.php on line 254
الشبكة العربية : بعد الموصل: ما الذي يحمي حقوق الناس وممتلكاتهم؟ - إبراهيم غرايبة
الثلثاء ٧ - ٥ - ٢٠٢٤
 
التاريخ: تموز ٣١, ٢٠١٤
المصدر: جريدة الحياة
بعد الموصل: ما الذي يحمي حقوق الناس وممتلكاتهم؟ - إبراهيم غرايبة
كشفت الأحداث الفظيعة التي جرت في الموصل أخيراً من إخراج المسيحيين من مدينتهم ونهب أموالهم وممتلكاتهم عن هشاشة المدن والمجتمعات والأسواق في الدول العربية وعجزها عن تنظيم نفسها. ما جرى لم يكن إلا تعبيراً فجاً عن حالة سائدة ومتمكنة في الدول والمجتمعات، وهي أنها ليست مدناً ولا مجتمعات ولا أسواقاً حقيقية، ولم تكن سوى تجمع هش من السكان، مجاميع من الناس لا تربطهم أواصر اقتصادية واجتماعية، ومدن ليست سوى قرى عملاقة، ولم تكن الدول سوى سلطة قاهرة معزولة عن حياة الناس وأعمالهم ومصالحهم، أو عصابات أنيقة لا تختلف في جوهرها عن «داعش» والجماعات المسلحة والمتطرفة. ربما كانت أكثر ذكاء بحيث تحتفظ بالناس باعتبارهم مورداً ثميناً، لكن لم يكن الفرق بين الدولة والجماعات سوى الفرق بين من ذبح الدجاجة التي تبيض ذهبا، ومن احتفظ بها وسعى لبقائها لما يمنحه ذلك من ذهب! أو بين عصابة تفكر بعلاقة دائمة (الدولة) وعصابة تدرك أن عمرها قصير، تريد أن تضرب وتهرب بأكبر قدر مما يمكن جمعه مما غلا ثمنه وخفّ حمله!

والحال أنه يصعب ردّ ما جرى في الموصل إلى التشدد الديني فقط، فماذا يقال إذاً عن الوشاية بالمسيحيين ونهب أموالهم وأثاث بيوتهم؟ كيف تنهار المدن والأسواق هكذا مرة واحدة؟ ما الذي يحمي المدن والمجتمعات ويضمن حقوق الناس وممتلكاتهم؟ وكيف تظل المدن قادرة على الاستمرار معتمدة على نفسها وأهلها؟ وهل يمكن ابتداء أن تقوم المدن العملاقة معتمدة على السلطة القاهرة فقط؟ أو لنقل كيف تتشكل المدن العربية الحديثة؟ ما الذي يمنع أن يجري في كل المدن العربية ما جرى في الموصل؟ وكيف نحمي المدن الأخرى من مصير الموصل؟ فقد أظهرت داعش ان المدن العربية مهددة بالانهيار والفناء والتحول في لحظة إلى خربة عظيمة! ليست سوى قشرة أنيقة تغطي في داخلها الكراهية والخراب والعفن المنتشر والمتمكن، ولا يحمي هذه القشرة سوى حبل سري رقيق وضعيف هو السلطة، ومتى كانت السلطة تنشئ المدن وتحميها وتديمها؟ أو لنقل بانفعال أقل ما الشروط التي تجعل الدول والسلطات قادرة على حماية المدن وإدامتها؟

المدن ازدهرت بناء على أسواق وموارد يتشكل حولها مجتمعات مرتبطة بهذه الموارد، والتاريخ يثبت على التكرار والدوام أن الدول التي تحمي الملكيات والحقوق هي التي تتقدم، ففي ظل هذه الحماية يبادر جميع الناس إلى العمل والإبداع والمحاولة وهم مطمئنون الى أن العدالة والقوانين القائمة تضمن لهم الانتفاع بنتيجة عملهم ومبادراتهم.

لقد فتح الاتحاد السوفياتي ومن قبله اسبانيا والبرتغال المجال واسعاً لهروب وتهريب الاموال والكفاءات! وكانت هذه الموارد أساس النجاح والتقدم في الدول المستقبلة لها والراعية والضامنة للحقوق والممتلكات المهاجرة كما المتوطنة، وتسربت عشرات آلاف الاطنان من الفضة التي نقلتها إسبانيا من القارة الأميركية إلى الخزائن الهولندية والبريطانية، وأدى الظلم والاستبداد إلى التمرد وضياع سلطة القانون، فتوالت الخسائر والكوارث على الدول والناس. وفي المقابل شكل العدل وسيادة القانون مظلة للعمل والازدهار واستقطاب الأموال والاستثمارات، فالأفراد والمجتمعات تتحرك بتلقائية وراء الاستقرار والأمن، وتنشأ المدن والأسواق حول سيادة القانون، فلا مدن بغير العدل والقانون. ومن المعلوم أن المدينة في جذرها اللغوي الآرامي «دين» تعني العدل أو القانون.

استطاع الاتحاد السوفياتي بعد الثورة البلشفية أن ينشئ نهضة صناعية وزراعية واسعة، ولكن القيادة الشيوعية لم تستطع مواصلة زخم النمو بعد أربعين سنة من الثورة، وبدأت منذ الستينات تشهد تراجعاً واسعاً في الإنتاج والسيولة النقدية، بل بدأت تستورد القمح والغذاء! لأنه وببساطة لا تستطيع الدولة أن تحافظ على عنفوانها وزخمها من غير أن ترتبط بسياساتها وأهدافها مصالح حقيقية وراسخة للناس والمجتمعات والأسواق. ففي هذه الفجوة بين الدولة والسوق يفقد الإنتاج قدرته على الاستمرار والتواصل. والأسواق هي التي تضمنه، ففي مصالحها وتطلعاتها إلى النمو والتوسع ترعى الابداع والابتكار وتدعم منظومة العدل والثقة، وينشأ بطبيعة الحال تكامل بين الدولة والسوق، فالدولة تقلل الإنفاق والمجهود على مجالات كثيرة مكتفية بحماية العدل والقانون، وتؤمن الأسواق نيابة عنها الخدمات والسلع، وفي الضرائب والموارد العامة تستطيع الدولة أن تضمن قدرتها على تطبيق سيادة القانون. ثم في هذه العلاقة بين الدولة والمواطنين القائمة على الضرائب تنشأ الديموقراطية والحريات! لأن المواطنين يمولون السلطة بأموالهم وضرائبهم لتمثلهم وترعى حقوقهم. فلا حرية ولا ديموقراطية من غير تصحيح العلاقة بين جباية الضرائب وواجبات الدولة. فالسلطة لكي تزيد مواردها يجب أن تزدهر الأسواق ولكي تضمن هذا الازدهار فإنها تلتزم بالعدل والحريات، وهذا هو ببساطة العقد الاجتماعي المنشئ للنمو والازدهار.


* كاتب أردني



الآراء والمقالات المنشورة في الموقع لا تعبر بالضرورة عن رأي الشبكة العربية لدراسة الديمقراطية
 
تعليقات القراء (0)
اضف تعليقك

اطبع الكود:

 لا تستطيع ان تقرأه؟ جرب واحدا آخر
 
أخبار ذات صلة
من "ثورة الياسمين" إلى "الخلافة الإسلامية"... محطّات بارزة من الربيع العربي
لودريان: حرب فرنسا ليست مع الإسلام بل ضد الإرهاب والآيديولوجيات المتطرفة
نظرة سوداوية من صندوق النقد لاقتصادات الشرق الأوسط: الخليج الأكثر ضغوطاً... ولبنان ‏الأعلى خطراً
دراسة للإسكوا: 31 مليارديرًا عربيًا يملكون ما يعادل ثروة النصف الأفقر من سكان المنطقة
الوباء يهدد بحرمان 15 مليون طفل شرق أوسطي من الحصول على لقاحات
مقالات ذات صلة
المشرق العربي المتروك من أوباما إلى بايدن - سام منسى
جبهات إيران الأربع والتفاوض مع الأمريكيين
إردوغان بوصفه هديّة ثمينة للقضيّة الأرمنيّة
إيران أو تحويل القضيّة فخّاً لصاحبها - حازم صاغية
عن تسامح الأوروبيين ودساتيرهم العلمانية الضامنة للحريات - عمرو حمزاوي
حقوق النشر ٢٠٢٤ . جميع الحقوق محفوظة