Deprecated: Optional parameter $Href declared before required parameter $Img is implicitly treated as a required parameter in /home/ademocr/public_html/Arabic/include/utility.inc.php on line 254
الشبكة العربية : استراتيجية «داعش» لاختراق المجتمعات الأوروبية... وفشلها في فرنسا - جيل كيبيل
الخميس ٢٥ - ٤ - ٢٠٢٤
 
التاريخ: كانون ثاني ٢٥, ٢٠١٥
المصدر: جريدة الحياة
استراتيجية «داعش» لاختراق المجتمعات الأوروبية... وفشلها في فرنسا - جيل كيبيل
تندرج هذه الهجمات في سياق استراتيجية «داعش» الذي رصد ما يحسبه مكامن ضعف ثقافية وطائفية في المجتمعات الأوروبية- وخصوصاً في فرنسا- وهو يسعى إلى تعميق هذه الهشاشة وتحويلها إلى ثغرات واختراقها. وهو يعول على اندلاع حرب أهلية في فرنسا بين المتحدرين من أصل إسلامي وبين «المصابين برهاب الإسلام»، وتعاظم أعداد هؤلاء على وقع الهجمات الجهادية فينزلق المسلمون إلى التطرف ويعتبرون الجهاديين في مثابة أبطال يمثلونهم. وهذه الاستراتيجية أعلنها في كانون الأول (ديسمبر) 2004 أبو مصعب السوري، وترجمتُ أفكاره إلى الفرنسية عام 2008 في كتابي «إرهاب وشهيد». ولكن هذه الاستراتيجية لم تقيض لها الحياة في حينها، ولكنها اليوم تبدو في المتناول إثر مد شبكات التواصل الاجتماعي وبروز ساحة «جهاد» وتدريب غير بعيدة من أوروبا. واليوم، ساحة المعركة السورية – العراقية على مرمى حجر (رحلة جوية بخسة الثمن)، وأخبارها تتناقل على «يوتيوب» و»تويتر».

ولا شك في أن فرنسا مستهدفة، ولكنها ليست في موقع ضعف. وتظاهرة الأحد الأخير (11 كانون الثاني/ يناير) استثنائية وأعتقد أن نظيرها لم يكن لينظم في أي بلد أوروبي. ويبدو، على رغم كل ما قيل عن انحلال الميثاق الجمهوري وما زُعم عن أفول الهوية الفرنسية اليعقوبية في عصر الانترنت، أن هجمات «شارلي إيبدو»، أن آصرة اللحمة انبعثت بين الجمهورية والأمة في تظاهرة شارك فيها فرنسيون من كل الأصول والشرائح العمرية. وأثبت هؤلاء أن الميثاق الاجتماعي والثقافي ينبض بالحياة وأننا سوياً نجدده ونحييه- ولو تغيّب بعضهم عن التظاهرة... وتظاهرات 11 كانون الثاني (يناير) حصنت فرنسا حصانة، ثقافياً في وجه إيديولوجية «داعش» واستراتيجية نخرها مكامن الضعف.

واستهداف «شارلي إيبدو» يساهم في بلوغ مآرب «داعش» أكثر من شن هجمات عشوائية. فهذه المنظمة ترغب في تقديم نفسها على أنها المدافع الأمثل عن الإسلام المُهان على نحو ما سعى الخميني حين أصدر فتواه في 14 شباط (فبراير) 1989 ضد سلمان رشدي. وإرداء رسامين متهمين بالإساءة إلى نبي الإسلام هو الجسر إلى استمالة شريحة واسعة من المتعاطفين لا تقتصر على السلفيين بل تشمل عامة المسلمين المتدينين. وهؤلاء يرفضون استهداف النساء والأطفال، على خلاف الدائرة الضيقة من المتطرفين الذين يصدعون ببطش الايديولوجية الجهادية التي ترى أن سقوط مثل هؤلاء الضحايا لا وزن له ولا مناص منه.

ومنفذ الهجوم على متجر الغذاء اليهودي يخرج على الاستراتيجية هذه، على رغم أنه أعلن أنه «جندي الإسلام». ولكن ثمة انزلاق سيميائي رمزي بين الهجومين، فالثاني قوض أثر الهجوم الأول الايديولوجي في أوساط المتعاطفين المحتملين. والانزلاق هذا بدأ نهار الجمعة في عملية أسر الرهائن، في وقت كان الأئمة يخطبون في الجوامع واليهود الملتزمون يعدون ليوم السبت- وهو وقت مشدود رمزياً في الجمهورية العلمانية الفرنسية. ومع عملية أسر الرهائن، برز في وسط ملتبس رمادي، أي في أوساط من دان الهجوم على «شارلي إيبدو» وهو يقر ضمناً بمسؤولية من رسموا كاريكاتور الرسول عما لحق بهم، شعور بالقلق أعاد إلى ذاكرتي أجواء الحرب الأهلية في الجزائر إثر قضية قلقال: وحينها، وعلى رغم مناوءة عدد كبير من شباب فرنسي من أصل جزائري السلطة في الجزائر وتضامنهم مع «جبهة الخلاص الإسلامي»، حيل دون تمدد النزاع إلى أرض فرنسا. فلحظة مبادرة «جبهة الخلاص الإسلامي» إلى أعمال عنف في فرنسا، شعر شطر راجح من الفرنسيين المتحدرين من الجزائر، وخصوصاً جيل الآباء، بخطر خسارة جنى العمر في فرنسا، فلفظت الشبكات الأهلية وعدد كبير من الأئمة بالتعاون مع السلطات الفرنسية، المشاغبين. فنعِم الفرنسيون بالهدوء طوال 16 عاماً، بدءاً من مرحلة ما بعد هجمات الحادي عشر من أيلول 2001، وصولاً إلى هجمات مراح في 2012.

ويخلف اغتيال رهائن يهود في متجر «إيبر كاشيه» ارتدادات يسمع صداها في الحياة اليومية. فأدرك كثر أن الخطر صار يتهددهم في عقر الدار. والمجتمع المسلم الفرنسي تغير منذ الحرب الأهلية الجزائرية في التسعينات. ولم يعد جيل الآباء يمسكون بمقاليد السلطة. وصارت هذه في أيدي الأكثر تديناً وفي أيدي أبناء العقد الخامس ممن أحرز نجاحاً في المجتمع ويدير مواقع «اليقظة الإسلامية» على الخط. وهم، من جهة، مقاولو تجارة «الحلال» الذين يقدمون أنفسهم على أنهم حماة الشريعة دون زيادة أو نقصان ومن مهماتهم الأهلية التصدي لـ «شارلي إيبدو». ومن جهة أخرى، هم يحتاجون إلى التعامل اليومي في إدارة أعمالهم مع غيرهم من الفرنسيين، واليهود على وجه التحديد. والضغينة على «الكفار» و»الصهاينة» تدخل في باب آخر.

وتظاهرة 11 كانون الثاني (يناير) حالت دون انزلاق فرنسا إلى الخوف وأجواء حرب أهلية تشتهيها «داعش». ودرجت «القاعدة» على تعظيم أثر الهجوم من طريق تزامنه مع هجمات أخرى، على نحو ما فعلت في هجمات 11 أيلول (سبتمبر)، وهجمات مدريد واسطنبول ولندن. وسرت شائعات في باريس بعد ظهر الجمعة عن انتشار إرهابيين في كل أصقاعها، ثم وقع الهجوم المزدوج. والهجمات المتزامنة أو المتتابعة توحي بأن الضحية المستهدفة عاجزة. ولكن فرنسا ردت رداً باهراً. وقوات حفظ النظام بادرت إلى خطوات فعالة وكان في وسعها في 24 ساعة تحديد الجناة ورصدهم والقضاء عليهم.

ولم يكن الشقيقان كواشي وكواليبالي بغرباء عن دائرة رصد الاستخبارات الفرنسية الخاصة الوفية لإرث عصر مكافحة الإرهاب الذهبي في فرنسا بين 1996 و2012. وهذه الهجمات تميط اللثام عن آلية عمل «داعش» ومكامن ضعفه.

من «القاعدة» إلى «داعش»

في نهاية 2004، طعن أبو مصعب السوري في نظام «القاعدة» المركزي واستراتيجية 11 أيلول (سبتمبر) السلبية. فهي لم تحل دون تدمير أميركا البنية التحتية الأفغانية لبن لادن، وأرسى أسس ما سيتحول في مرحلة لاحقة إلى «الدولة الإسلامية». ودعا إلى زيادة مسلمين أوروبيين عدد الهجمات الإرهابية التي تستهدف الحياة اليومية في المجتمعات الأوروبية، اليهود والمثقفون «الكفرة» والمسلمون «المرتدون» والمناسبات الرياضية على وجه التحديد. وترمي هذه الهجمات إلى استفزاز المجتمعات الغربية وحملها على الغلو في الرد. واستراتيجية أبو مصعب السوري تلتزم اللازمة اليسارية القديمة:» استفزاز- قمع- تضامن». وهي تفترض أن الدول الأوروبية ستعجز عن التصدي لهذه الأعمال، وأنها ستحمل اليمين المتطرف على حرق مساجد... فتنهار أوروبا ثم تطبق عليها هيمنة الإسلاميين. وهذه الاستراتيجية اللامركزية تلغي الفصل بين «الآمر والمخطط» و»المأمور المنفذ»، على خلاف ما كان عليه الأمر في عهد بن لادن. ومدار الاستراتيجية هذه هو «إشباع» المرء بالعقيدة المتطرفة والتدريب العسكري والعملاني، مع ترك حرية المبادرة والحركة لخلايا صغيرة مؤدلجة. ولذا، سمى الأميركي – اليمني أنور العولقي مجلة «القاعدة» الإلكترونية «إنسباير» (إلهام أو أو وحي). ويوم أبصرت المجلة النور كانت «القاعدة» في مثابة العلامة التجارية الأشهر في العالم، وكانت صنو «كوكا كولا». ولكن اليوم، مع «داعش» تتعدد التسميات وتتوزع على الشكل التالي: «دولة إسلامية في العراق والشام» و»الدولة» والدولة الإسلامية في العراق والشرق» ودولة الخلافة. ويساهم هذا التعدد في تقويض شهرة هذا التنظيم.

وعلى خلاف «القاعدة»، تبسط «الدولة الإسلامية» سيادتها على إقليم تابع لها. وفي العراق، زرعت نفسها في تربة المطالبة العربية السنية بإنشاء «سنيستان»، وهذا ديدنها في سورية. وهي تستقطب سنّة العالم لتجنيدهم في حربها القبلية على الشيعة والكرد والعلويين والمسيحيين قبل أن يعودوا أدراجهم إلى حيث جاؤوا بعد أن يصبحوا مقاتلين متمرسين بشن «الجهاد». وحري بالسلطات الفرنسية أن تذكِّر مواطنيها بأن ضحايا الجهاديين المفضلين مسلمون تصفهم «داعش» بالمرتدين، ومنهم الشرطي أحمد مرابط الذي أردي في جادة ريشار- لونوار حين وقوع مجزرة «شارلي إيبدو».

* متخصص في الشؤون الإسلامية، عن «ليبيراسيون» الفرنسية، 14/1/2015، إعداد منال نحاس


الآراء والمقالات المنشورة في الموقع لا تعبر بالضرورة عن رأي الشبكة العربية لدراسة الديمقراطية
 
تعليقات القراء (0)
اضف تعليقك

اطبع الكود:

 لا تستطيع ان تقرأه؟ جرب واحدا آخر
 
أخبار ذات صلة
من "ثورة الياسمين" إلى "الخلافة الإسلامية"... محطّات بارزة من الربيع العربي
لودريان: حرب فرنسا ليست مع الإسلام بل ضد الإرهاب والآيديولوجيات المتطرفة
نظرة سوداوية من صندوق النقد لاقتصادات الشرق الأوسط: الخليج الأكثر ضغوطاً... ولبنان ‏الأعلى خطراً
دراسة للإسكوا: 31 مليارديرًا عربيًا يملكون ما يعادل ثروة النصف الأفقر من سكان المنطقة
الوباء يهدد بحرمان 15 مليون طفل شرق أوسطي من الحصول على لقاحات
مقالات ذات صلة
المشرق العربي المتروك من أوباما إلى بايدن - سام منسى
جبهات إيران الأربع والتفاوض مع الأمريكيين
إردوغان بوصفه هديّة ثمينة للقضيّة الأرمنيّة
إيران أو تحويل القضيّة فخّاً لصاحبها - حازم صاغية
عن تسامح الأوروبيين ودساتيرهم العلمانية الضامنة للحريات - عمرو حمزاوي
حقوق النشر ٢٠٢٤ . جميع الحقوق محفوظة