السبت ٢٠ - ٤ - ٢٠٢٤
 
التاريخ: كانون ثاني ٢٧, ٢٠١٥
الكاتب: زياد ماجد
المصدر: nowlebanon.com
سوريّون إذ يغادرون بيروت
استضافت بيروت في السنوات الثلاث الماضية المئات من الكتّاب والفنّانين والناشطين المعارضين السوريّين والفلسطينيّين-السوريّين.
 
ملأ هؤلاء جزءاً من مقاهيها ومسارحها ونواديها الثقافية، وساهموا في صفحات الرأي والملاحق الأدبية لجرائدها ومواقع الأخبار الإلكترونية فيها، كما أسّسوا هيئات وجمعيات وأطلقوا مبادرات منها نحو وطنهم أو نحو اللاجئين خارجه من أبنائه وبناته. وصار يصعب تخيّل المدينة ونتاجها وحيويّتها من دونهم، تماماً كما صار يتوجّب للقائهم أو التواصل معهم زيارتها.

غير أنّ بعض السوريّين والفلسطينيين هؤلاء لم يستطيعوا البقاء في بيروت. ربّما ظنّوا حين وفدوها أن أشهراً معدودةً كانت تفصلهم عن الانتقال منها إياباً الى سوريا. وربما لم يروا فيها ملاذهم لأمد طويل لأسباب مرتبطة بظروف العيش والاستهلاك فيها. وربّما أرادوها مرحلةً انتقالية بين دمشق وأوروبا، تحضّرهم ببطء للابتعاد الجغرافي عن بلدهم.
 
وفي جميع الأحوال، فإن مجموعة عوامل ساعدتهم على اتّخاذ قرار مغادرتها: مشاكل الإقامات وآليّات تجديدها التي عمدت السلطات اللبنانية تدريجياً الى تصعيبها، الخشية من انتهاء صلاحية جوازات سفرهم وانتفاء القدرة (والرغبة) لديهم على الاستحصال على بدائلها من سفارة النظام الأسدي، التدهور المريع للأحوال السورية بما لا يترك مجالاً للتفاؤل بقرب الوصول الى حلّ، والبحث عن أوضاع أفضل للأطفال – في الحالات العائلية - بعيداً عن كلّ ما يشي بعنصرية أو تمييز يمكن أن يتعرّضوا له في لبنان.
 
هكذا رحل هؤلاء، فابتعدوا أكثر عن سوريا، وعن احتمال الرجوع القريب إليها. وهكذا أيضاً تركوا فراغاً في بيروت بين أصدقائهم-مواطنيهم الذين نزحوا معهم إليها، وبين اللبنانيّين ممّن صادقوهم أو استقبلوا كتاباتهم ومشاريعهم ونشطوا معهم أو عاونوهم.
 
والفراغ هذا كان ليسهل التعامل معه لو صاحَبه عند مودّعيهم شعورٌ باحتمال لقائهم في المدى المنظور في سوريا أو حتى في بيروت. لكن الأمر ليس كذلك. فترحالهم يبدو هذه المرّة بدايةً جديدةً لهم في أمكنة بعيدة، قد تكون أفضل لهم، لكنها حكماً على مسافة جغرافية وزمنية غير قصيرة مع ما خلّفوا وراءهم. 
 
لهذا السبب، لا نعرف كلَّ ما بلغنا أن واحدةً أو واحداً من الأصدقاء السوريّين قد غادر بيروت، إن كان الخبر مفرِحاً أو مُحزناً. فخلاص هؤلاء الفرديّ ضرورةٌ إنسانية اليوم. وهو ضرورةٌ للخلاص السوري أيضاً، يوماً ما. لكن بيروت من بعدهم ستكون أقلّ غنىً، وزيارتها لن تحمل احتمالات اللقاء بهم واكتشاف بعض جوانبها من خلال خياراتهم وانحيازاتهم المكانية فيها...

يبقى لنا أن نتمنّى لمن غادروا توفيقاً، ولمن ظلّوا بيارتةً قدرةً أوسع على تحمّل أعباء "المؤقّت"، ولَو استمرّ في التمديد لنفسه أو جعلهم يحترفون الإنتظار.



الآراء والمقالات المنشورة في الموقع لا تعبر بالضرورة عن رأي الشبكة العربية لدراسة الديمقراطية
 
تعليقات القراء (0)
اضف تعليقك

اطبع الكود:

 لا تستطيع ان تقرأه؟ جرب واحدا آخر
 
إقرأ أيضا للكاتب
نوّاف سلام في «لبنان بين الأمس والغد»: عن سُبل الإصلاح وبعض قضاياه
فلسطين العصيّة على الممانعة والتطبيع
جبهات إيران الأربع والتفاوض مع الأمريكيين
عن الحياد وتاريخه وأفقه لبنانياً
عن بكركي والمعارضات اللبنانية
أخبار ذات صلة
تقرير لوزارة الخارجية الأميركية يؤكد حصول «تغييرات طائفية وعرقية» في سوريا
انقسام طلابي بعد قرار جامعة إدلب منع «اختلاط الجنسين»
نصف مليون قتيل خلال أكثر من 10 سنوات في الحرب السورية
واشنطن تسعى مع موسكو لتفاهم جديد شرق الفرات
دمشق تنفي صدور رخصة جديدة للهاتف الجوال
مقالات ذات صلة
سوريا ما بعد الانتخابات - فايز سارة
آل الأسد: صراع الإخوة - فايز سارة
نعوات على الجدران العربية - حسام عيتاني
الوطنية السورية في ذكرى الجلاء! - اكرم البني
الثورة السورية وسؤال الهزيمة! - اكرم البني
حقوق النشر ٢٠٢٤ . جميع الحقوق محفوظة