الأثنين ٦ - ٥ - ٢٠٢٤
 
التاريخ: كانون ثاني ٢٨, ٢٠١٥
المصدر: جريدة الحياة
أربع سنوات على الثورة المصرية - محمد شومان
ما حدث في 25 كانون الثاني (يناير) 2011 ليس ثورة، بحسب قناعتي الشخصية، وإنما انتفاضة شعبية واسعة تبعها العديد من الموجات الثورية وصولاً إلى 30 حزيران (يونيو) 2013 التي أطاحت حكم «الإخوان» بعد تدخل الجيش مدعوماً من غالبية الشعب. هذه القناعة تعتمد على أن أهداف الحراك الثوري الشعبي التلقائي وغير المنظم لم تتحقق، ولم يحدث تغيير في توزيع السلطة والثروة، ولم تترجم شعارات الجماهير - حتى اليوم - في العيش والحرية والكرامة الإنسانية والعدالة الاجتماعية إلى واقع معاش، بل حدث تراجع في أداء الاقتصاد والحريات.

أربع سنوات جرت خلالها إعادة كتابة الأحداث وقراءتها، بعد تحولات سياسية واجتماعية، وانقسامات سياسية وثقافية عميقة، والأهم سيولة سياسية لم تستقر حتى كتابة هذه السطور رغم استعادة الدولة عافيتها، وعودة القبضة الأمنية لمواجهة الإرهاب ومنع كافة أشكال التظاهر سواء لـ «الإخوان» أو لشباب الثورة، الذين تم إقصاؤهم من المشهد العام لصالح نخب تقليدية من كبار السن، ولصالح حضور قوي ومؤثر للمكون العسكري في الدولة والنخبة السياسية، وهذا المكون الأخير كان له دور وطني بارز في بناء الدولة الناصرية وفي أزمتها أيضاً.

الدلالة الكبرى للسنوات الأربع الماضية أن تاريخ مصر بعد ثورة تموز (يوليو) 1952 يكتبه فاعلان رئيسيان هما «الإخوان» والجيش الذي يعد العمود الفقري للدولة المصرية الحديثة، أما القوى والأحزاب المدنية وشباب الثورة والجماهير فهم فاعلون مؤثرون، ولكنهم غير قادرين على تشكيل محور أو فاعل ثالث مستقل، يوازي قوة «الإخوان» والجيش، لذلك غالباً ما يتحالفون مع الجيش، وأحيانا مع «الإخوان»!

تحولات السنوات الأربع يجسدها ميدان التحرير بكل رمزيته وحضوره الأيقوني، فمن ساحة عامة مفتوحة ومتاحة للجميع، إلى ساحة لهيمنة الدولة التي أحكمت إغلاقه، فلم يعد متاحاً للتظاهر ضد الحكم، أو لرفع مطالب اجتماعية أو سياسية عامة، وامتد المنع إلى كل ميادين الثورة، وكل وسائل الإعلام، باستثناء التظاهر أو الكتابة لتأييد الحكم الجديد، أو رفض الإرهاب. القصد أن المجال العام تراجع، وجسّد ميدان التحرير هذا التراجع. والحقيقة أن هناك أسباباً ومخاوف كثيرة تفسر ما جرى خلال السنوات الأربع التي تلت اطاحة مبارك، لعل أهمها فشل «الإخوان» ومخاوف المصريين من الحكم باسم الدين، ومن انهيار مؤسسات الدولة، وفقدان الأمن، والدخول في حرب أهلية شاهد المصريون فصولها المريرة في ليبيا وسورية والعراق واليمن، إضافة إلى المخاوف من المؤامرة الخارجية، ومن تبعات استمرار التدهور الاقتصادي وانتشار البطالة والغلاء.

لقد ضخّم أنصار نظام مبارك هذه المخاوف، في رأيي، ووظفوا الإعلام في تنظيم أكبر حملة دعاية وعلاقات عامة لإعادة تصوير أحداث السنوات الأربع على أساس أن احداث 25 كانون الثاني لم تكن ثورة، وإنما مؤامرة «إخوانية»، مدعومة من حركة «حماس» و»حزب الله» وإيران وقطر وتركيا وأميركا، وأحياناً إسرائيل، للإطاحة بمبارك وهدم أركان الدولة، وإدخال مصر في أتون حرب أهلية تهدف تقسيم الوطن، وبالتالي فإن 30 حزيران وتَدَخّل الجيش وتفويض الرئيس السيسي هي الثورة الحقيقية، لأنها أنقذت مصر من مؤامرة «الإخوان» وشباب الثورة، الذين تلقوا - حسب تلك الروايات - التدريب في الخارج والتمويل والدعم السياسي والإعلامي، من أجل هدم أركان الدولة.

ويظل السؤال في الذكرى الرابعة لأهم حراك جماهيري في تاريخ مصر الحديث: لماذا لم ينجح كما نجح في تونس؟ أو بصياغة أخرى لماذا لم تستكمل مصر ثورتها، وتعثرت كما تعثرت ثورات الشعوب العربية في سورية وليبيا واليمن؟ صحيح أن الثورة التونسية لم تنجح تماماً، لكنها حافظت على المسار الديموقراطي وسلمية تداول السلطة، وتجنبت عثرات ثورة مصر وفشل ثورات سورية وليبيا واليمن. من جانب آخر فإن تعثر الحالة المصرية ليس بفداحة تعثر وفشل الحالتين السورية والليبية، بينما تبدو الحالة اليمنية على شفا انفصال الجنوب واشتعال حرب أهلية على غرار ما يجري في ليبيا وسورية. من هنا فإن السؤال الأقرب الى الواقع في الحالة المصرية هو: ماذا تبقى من الثورة المصرية غير المكتملة في ذكراها الرابعة، والتي سبقها بأيام عدة الإفراج بحكم قضائي عن مبارك ونجليه علاء وجمال؟

بقيت من الثورة مكتسبات عدة أهمها:

أولاً: عودة مؤسسات الدولة للعمل، مع الحفاظ على هيبتها وتقاليدها الراسخة والممتدة تاريخياً، وهو مكسب يحمل نقيضه، حيث لم يتم دمج قيم ثورة يناير وتفعيلها في مؤسسات الدولة، التي لم تصلح من نفسها، وإنما أبقت للأسف على الأداء البيروقراطي المتعالي على الشعب، مع الاعتماد على الحلول الأمنية. والثابت أن خطاب الحكم الجديد يركز على أولوية الحفاظ على مؤسسات الدولة ومحاربة «الإخوان» والإرهاب، وإنقاذ الاقتصاد، على حساب السياسة والحريات العامة. وقد حدد هذا الترتيب- وما زال- التطبيق العملي لخريطة الطريق التي أعلنها السيسي في 3 تموز (يوليو) 2013، كما يؤطر مجالات تحرك السياسة الداخلية والخارجية. والمشكلة أن هذا الترتيب يغفل دروس التاريخ، التي تؤكد الترابط والتداخل بين هذه المهام، وأن الحلول الأمنية ستفشل إذا لم تتكامل مع حلول سياسية واجتماعية، كما أن الحفاظ على الدولة وفرض شرعيتها يتطلبان إصلاح مؤسسات الدولة، لرفع كفاءتها في التصدي للفساد والإرهاب، وإنقاذ الاقتصاد، مع دعم النظام الحزبي ومؤسسات المجتمع المدني.

ثانياً: قدرة الشعب على الثورة والتغيير، وثقته في قدراته على التحرك ضد أي نظام سياسي استبدادي، فقد راكم المصريون بلا شك، خلال أربع سنوات من الحراك السياسي، خبرات وقيماً تشكل قاعدة أساسية لثقافة سياسية جديدة، كان يمكن أن تتطور وتندرج في إطار نظام سياسي وحزبي فاعل، لولا إرباك «الإخوان» والإرهاب للمشهد السياسي، ولولا تعب غالبية المصريين من كثرة التظاهر والمشاركة في الانتخابات من دون أن يحصلوا على مكاسب اجتماعية أو اقتصادية محددة، بل على العكس، تضخمت معاناة المصريين ومشاكلهم في تدبير احتياجاتهم المعيشية.

القصد أن حالة الحراك السياسي من 25 كانون الثاني 2011 وحتى 3 تموز 2013، شكلت مقدمات حقيقية وقوية لنظام سياسي مدني، يعتمد على مشاركة جماهيرية وشبابية واسعة، لكن النتيجة جاءت على عكس المقدمات، في مفارقة تاريخية وسسيولوجية تحتاج إلى تحليل معمق وواسع، حيث جرى قمع وتهميش شباب الثورة، وارتدّت الجماهير إلى انشغالاتها اليومية، مع الرهان على السيسي كوجه من وجوه البونابارتية الجديدة. وسيحتاج تغيير هذه الحالة إلى فترة زمنية تتكشف فيها طبيعة النظام الجديد، وقدراته على تحقيق منجزات اقتصادية، ومكاسب اجتماعية لغالبية الشعب، علاوة على رغبته وقدرته على دعم النظام الحزبي، وإنجاز عملية تحول ديموقراطي حقيقي وشامل.

ثالثاً: فضح جماعة «الإخوان المسلمين» أمام الجماهير باعتبارها جماعة منغلقة على نفسها، توظف الدين في السياسة، ولا تملك مشروعاً سياسياً يستوعب كل مكونات المجتمع، وبالتالي فإن فشلها في حكم مصر شَكّل فضحاً لقدرات الجماعة والسلفيين في التعامل بمنطق العصر مع مشكلات الدولة والمجتمع. ولا شك أن سلوك «الإخوان» في المعارضة وارتباطهم ببعض الجماعات الإرهابية، وتورط عناصر «إخوانية» في أعمال إرهابية، أكد لغالبية المصريين ضيق أفق «الإخوان»، وتغليبهم مصالح الجماعة على مصالح الوطن والشعب، ومع ذلك تبقى هناك مخاوف من استمرار الجماعة واكتسابها أنصاراً جدداً، كرد فعل على سيادة الحلول الأمنية، ووقوع أخطاء، وعدم قدرة الحكم على تحقيق مكاسب اجتماعية، علاوة على خطاب المظلومية الذي تروّج له الجماعة.

وهنا يمكن الاستفادة من الحل الناصري لتحديات «الإخوان» والذي جمع بين الحلول الأمنية وتحقيق مكاسب اجتماعية، ومحاولة احتواء بعض عناصر «الإخوان» وإدماجهم في الدولة الناصرية. صحيح أن الحل الناصري لم يقض على «الإخوان»، وتورط في انتهاكات لحقوق الإنسان، لكنه على الأقل حاصرهم اجتماعياً وسياسياً، وبالتالي من الممكن تجنب أخطاء الحل الناصري في مواجهة «الإخوان» وتطويره، بحيث يجري إدماج عناصرهم التي لم تتورط في الإرهاب ضمن النظام السياسي، مع الاهتمام بمحاربة الفساد والفقر والمحسوبية، وهي المشكلات التي تفرز تطرف الجماعات والتنظيمات الإسلاموية، سواء تجسد في «الإخوان» أو السلفيين أو غيرهم.

رابعاً: كتابة دستور جديد يؤكد مدنية الدولة، والتوازن بين سلطات الرئيس والحكومة والبرلمان، مع النص على العديد من الضمانات التي تمنع الاستبداد والانفراد بالسلطة، وتكفل استقلال القضاء وحرية الرأي والتعبير وحرية الإعلام وحقوق العمال والمرأة والطفل والمعاقين، علاوة على زيادة الإنفاق الحكومي على الصحة والتعليم والبحث العلمي والإسكان. وكل هذه المكاسب جاءت كنتاج للحراك الثوري قبل أربع سنوات، لكنها تحتاج إلى تفعيل وحماية، لأنها تنتظر إصدار قوانين تُفَصّل وتوضح تلك المبادئ والمكاسب الدستورية، وتضعها في صيغ قابلة للتنفيذ، وهنا تثار شكوك ومخاوف بشأن تقاليد مصرية متوارثة في إصدار قوانين تأتي بتفاصيل وقيود تقتل روح الدستور. ولعل ما يزيد من هذه المخاوف حدوث عدد من المخالفات الصريحة للدستور بحسب آراء بعض الخبراء القانونيين.

أخيراً ومهما كانت مكتسبات 25 كانون الثاني فإنها لا تعني تحقيق أهداف الحراك الثوري الذي شارك فيه ملايين المصريين وسقط خلاله آلاف الشهداء والمصابين، وبالتالي سيظل تحدي تحقيق الحرية والعدالة الاجتماعية والكرامة الإنسانية ماثلاً أمام الجميع، الشعب والحكومة والرئيس والأحزاب، وقد تتحقق تلك الأهداف العظيمة بعد سنوات، وقد لا تتحقق أبداً! وربما تتحقق من خلال موجة ثورية من الداخل يقودها السيسي نفسه ضد دولته ورموز النظام القديم، أو ربما تتفجر موجة ثورية شعبية جديدة.

* كاتب مصري



الآراء والمقالات المنشورة في الموقع لا تعبر بالضرورة عن رأي الشبكة العربية لدراسة الديمقراطية
 
تعليقات القراء (0)
اضف تعليقك

اطبع الكود:

 لا تستطيع ان تقرأه؟ جرب واحدا آخر
 
أخبار ذات صلة
منظمة حقوقية مصرية تنتقد مشروع قانون لفصل الموظفين
مصر: النيابة العامة تحسم مصير «قضية فيرمونت»
تباينات «الإخوان» تتزايد مع قرب زيارة وفد تركي لمصر
الأمن المصري يرفض «ادعاءات» بشأن الاعتداء على مسجونين
السيسي يوجه بدعم المرأة وتسريع «منع زواج الأطفال»
مقالات ذات صلة
البرلمان المصري يناقش اليوم لائحة «الشيوخ» تمهيداً لإقرارها
العمران وجغرافيا الديني والسياسي - مأمون فندي
دلالات التحاق الضباط السابقين بالتنظيمات الإرهابية المصرية - بشير عبدالفتاح
مئوية ثورة 1919 في مصر.. دروس ممتدة عبر الأجيال - محمد شومان
تحليل: هل تتخلّى تركيا عن "الإخوان المسلمين"؟
حقوق النشر ٢٠٢٤ . جميع الحقوق محفوظة