الجمعه ٣ - ٥ - ٢٠٢٤
 
التاريخ: آذار ٥, ٢٠١٥
المصدر: جريدة الرأي - الاردن
الأشوريون وحضارتنا - أيّوب أبو ديّة
هل تساءَل أصحاب المعاول الهدامة لتاريخ سوريا المغرق في القدم والمتمثل في تاريخ الأشوريين عن علاقته بالحضارات في المنطقة وخاصة بالحضارة العربية الإسلامية؟ وهل تساءّلوا للحظة لماذا لم تـُصب الآثار الأشورية بأي أذى خلال الحكم الإسلامي الذي بدأ بالراشدين فالأمويين فالعباسيين ثم الفاطميين والقرامطة والمماليك والعثمانيين وغيرهم، حتى المغول والتتر لم يدمروا هذا التاريخ، ... لماذا فعلوا ذلك اذا؟ لماذا أنتم فقط أيها الداعشيون الذين ترمون إلى دمار تاريخ الإنسانية؟

هل تعلمون أن الحضارة الأشورية تعود إلى الألفية الثالثة قبل الميلاد، أي قبل نحو أكثر من 4000 عام. كانت اللغة الأشورية القديمة هي الأكادية ثم تطورت إلى سريانية محدثة؛ وباتت لغة الحضارة آنذاك واعتبرت اللغة الآرامية (وهي لغة السيد المسيح عليه السلام) اللغة الثانية في الحضارة الأشورية آنذاك.

نحو القرن الثامن قبل الميلاد، أي قبل ظهور الإرث الإغريقي العظيم الذي نقله العرب فيما بعد وطوروا عليه وأوصلوه إلى أوروبا عبر الاندلس لتقوم عليه عقلانية وعالمية الحضارة الأوروبية الحديثة. فالحضارة الأشورية هي مهد الحضارات في المنطقة ومنبع نور العلم والثقافة الذي انداح في أرجاء العالم كافة انطلاقاً من الجزيرة العربية فيما بعد إلى بلاد الشام وشمالي إفريقيا ثم أوروبا فالعالم بأسره. والحق يقال أن الأشوريين كانوا أول من اعتنق المسيحية في العالم بدءًاَ من العقود الأولى بعد الميلاد حيث تأسست الكنيسة الأشورية عام 33 بعد الميلاد بينما اعتنق المسيحية الإمبراطور الروماني قسطنطين وقسم من مملكته الأوروبية المسيحية بعد ذلك بثلائمئة عام تقريباً.

إن النموذج الذي حكم به الملك الأشوري سرجون الأكادي أصبح مثالاً يحتذى به عالمياً في الإمبراطوريات اللاحقة وحتى يومنا هذا، وبخاصة نظام لا مركزية الحكم في الأقاليم، كذلك تطورت التكنولوجيا البدائية الأولى، حيث صنعت الأقفال الميكانيكية على الأبواب لأول مرة في التاريخ البشري، واخترعوا آلات لحساب الوقت والرصد وطوروا أساليب حديثة لرصف الطرق وتعبيدها ونظاماً لإرسال البريد وتوزيعه، كما تم استخدام معدن الحديد في العديد من الصناعات الخفيفة واستطاعوا صناعة العدسات المكبرة وكذلك انشاء المكتبات وصناعة الآلات الموسيقية. وفي عالم الانشاءات والهندسة المدنية طور الآشوريون الأقواس الحجرية لحمل العقدات فتمكنوا من إقامة الأبنية الفسيحة والمرتفعة وطوروا انظمة التمديدات الصحية وتنظيف المرافق العامة  بالمياه وتصميم وتمديد قنوات الري لمسافات بعيدة وما إلى ذلك.

وعلى صعيد الفكر والثقافة نشأت الأفكار الإنسانية والإجابات عن التساؤلات البشرية حول أصل الإنسان والحياة، وظهرت ملحمة جلجامش التي وصلت إلى أسفار العهد القديم وظلت تحث العقل البشري على التفكر في البداية والنهاية والغرض من الحياة وعلاقة الإنسان بالطبيعة والتي تعتبر اليوم من العناصر الأساسية لعلم البيئة المعاصر.

لقد أسهم هذا النضوج الفكري في توثيق الصلات بين مختلفات الثقافات والشعوب والأعراق والديانات في تلك المنطقة الشاسعة المترامية من إيران إلى مصر وهدم الجدران الثقافية والسياسية بين الممالك المتنازعة ومهّد السبيل لوحدة المنطقة لاحقاً تحت الثقافة الهيلينية (الإغريقية والرومانية) في الأنظمة الخراجية الكبرى ذات الأيديولوجيا الموحدة والتي استمرت عبر الحضارة الأوروبية المسيحية وأخيراً الحضارة العربية الإسلامية.

في خضم هذا الإرث الحضاري العظيم للحضارة الأشورية كيف يسمح العالم لزمرة من الجهلة أن يقوموا بتدمير هذا المخزون العظيم من نتاج البشرية الذي مهّد للحضارة الحديثة والفكر البشري المعاصر؟

ماذا نفعل كي نكفر عن ذنوبنا تجاه سكوتنا عن الدمار الذي حل بهذا التراث وهذا الشعب الذي بات مهجراً كحال أهله من كافة المذاهب والأعراق في سوريا والعراق الذين دفعوا ثمن الأنظمة الديكتاتورية والطائفية التي باتت تحكمهم بإشراف دولي؟



الآراء والمقالات المنشورة في الموقع لا تعبر بالضرورة عن رأي الشبكة العربية لدراسة الديمقراطية
 
تعليقات القراء (0)
اضف تعليقك

اطبع الكود:

 لا تستطيع ان تقرأه؟ جرب واحدا آخر
 
أخبار ذات صلة
العاهل الأردني يكلف لجنة للإصلاح... ويتعهد تبني توصياتها ومنع التدخلات
الأردن: 18 موقوفاً بتهمة محاولة زعزعة استقرار البلاد في قضية «الفتنة»
مجلس النواب الأردني يقر موازنة البلاد بالأغلبية
العاهل الأردني: ليس مقبولاً خسارة أي مواطن نتيجة الإهمال
الأردن: توقيف 5 مسؤولين بعد وفاة مرضى بكورونا جراء انقطاع الأكسجين
مقالات ذات صلة
مئوية الشيخ المناضل كايد مفلح عبيدات
الأزمة اللبنانية والتجربة الأردنية - مروان المعشر
انتفاضة نيسان 1989: أين كنا وكيف أصبحنا ؟
حقوق المراة الاردنية 2019 - سليمان صويص
يوميات حياة تشهق أنفاسها في البحر الميت - موسى برهومة
حقوق النشر ٢٠٢٤ . جميع الحقوق محفوظة