الأربعاء ٨ - ٥ - ٢٠٢٤
 
التاريخ: نيسان ٢٧, ٢٠١٥
المصدر: موقع العربي الجديد
نبوءة يعقوب زيادين - سامر خير أحمد
رحل، قبل أسابيع، السياسي الأردني اللامع، يعقوب زيادين، القائد التاريخي للحزب الشيوعي الأردني، عن 95 عاماً قضاها مناضلاً ومختلفاً ومتميزاً، ولسبب ما، استذكر الناس مواقف الرجل الخالدة في خمسينيات القرن الماضي وستينياته وسبعينياته وثمانينياته، سياسياً ونقابياً وطبيباً وسجيناً، لكن آراءه في ما أصاب العرب منذ الغزو العراقي للكويت في العام 1990، لم تنل حظاً وافراً من التذكّر والاستذكار، على الرغم من أهميتها واستثنائيتها وخصوصيتها، وعلاقتها الاستشرافية بما جرى طوال ربع القرن الذي تلاها.
 
عارض زيادين بشدة احتلال الكويت، معتقداً أنه "يضر بالوحدة العربية، وسيجلب نتائج خطيرة جداً على الشعب العراقي والأمة العربية بأسرها"، وأنه "لم يكن بكل تأكيد لا لمصلحة التقدم ولا الوحدة العربية، فالعراق مهدد الآن بالدمار الشامل" (زيادين، ليست النهايات، دار الكرمل، 2006)، مؤكداً، في غير موقف، انحيازه إلى الشعبين الكويتي والعراقي. لعل هذا الموقف الذي يعكس بصيرة ورؤية ثاقبة، لا يقل أهمية، في سيرة الرجل، عن كفاحه السياسي وحياته الحزبية السريّة والعلنية، ولا يقل رمزيةً عن فوزه في انتخابات مجلس النواب الأردني عن مقعد القدس في 1956، وهو ابن الكرك في شرقي الأردن، ثم خسارته انتخابات مجلس النواب في 1989 عن مقعد عمّان، في أجواء انهيار المعسكر الاشتراكي وتراجع القوى اليسارية لصالح اليمين الديني.
 
تأتي أهمية موقف زيادين تجاه أزمة 1990 من كونه متوازناً، غير منحاز لا عاطفياً ولا مصلحياً لأي من طرفي الأزمة، بل لمصلحة الأمة العربية ومستقبلها. قال عن تلك الأيام مستذكراً ".. في صبيحة أحد الأيام، وجدتُ في عيادتي دعوة من السفير الأميركي في عمّان، يدعوني إلى لقاء في السفارة في اليوم التالي الساعة الحادية عشرة صباحاً (لمناقشة أزمة احتلال الكويت). وكان مصير الدعوة الرفض طبعاً". هذا كان موقف زيادين: معارضة صدام لا تعني تأييد جورج بوش، ومقاومة احتلال الكويت لا تعني التصفيق للعدوان الأميركي على العراق.
 
مرّ ربع قرن على موقف زيادين التاريخي ذاك، قبل أن يرحل إلى بارئه، ولعله رأى بعينيه، في هذه السنوات العجاف، كم كان محقاً في فهمه ما يدور، فقد عاش العراق سنوات طويلة تحت الحصار الاقتصادي، انعكست سلبياً حتى على الاقتصاد الأردني، وها هو العراق، ومعه الأمة العربية جمعاء، تعيش سنوات الدم والقتل، وهي أحوال كان يمكن تجنبها كلها بشيء من الحكمة، يوم كان العالم ينتقل من الحرب الباردة إلى القطبية الواحدة، في مطلع التسعينيات. وكان يمكن، بشيء من البصيرة أيضاً، إبدالها بتخطيط تنموي ونهضوي، كنّا سنقطف ثماره، اليوم، بعد ربع قرن من العمل، بدل أن نقطف منه الأشواك طوال ربع قرن من الدمار.
 
وقعت المصيبة، وحلّ الدمار، لكن ذلك لم يكن كل شيء، فما إن انهزمت الاشتراكية أمام الرأسمالية، حتى وصلت آثار تلك الهزيمة إلى داخل البيت الشيوعي. قاوم زيادين ما رآه تورط مؤسسات أهلية، تقودها شخصيات محسوبة على الشيوعيين الأردنيين، في تلقّي "تمويل أجنبي" من مؤسسات ألمانية وكندية وأميركية، بدعوى تنظيم مؤتمرات ونشاطات عن قضايا الديمقراطية والشباب، ومشاركة المرأة في الحياة العامة، واصفاً ذلك بأنه "بلاء أسود يجتاح بلادنا" (زيادين، شاهد على العصر، دار الكرمل، 2003)، معتقداً أن "الخطورة في الأمر، وبسبب الحالة الاقتصادية السيئة التي تعاني منها البلاد، أصبحت مؤسسات يرأسها أعضاء الحزب تشغّل الأعضاء، ليصبحوا موظفين ينفذون الأوامر فقط، حفاظاً على لقمة الخبز. هل يصح السكوت على هذا؟".
 
محصلة كل شيء أن يعقوب زيادين عاش ومات منسجماً مع ذاته ومبادئه. لم تأخذه هبّة عاطفية، ولا انساق وراء شعاراتٍ لا أصل واقعياً لها. لم توجهه "سمعة الحزب"، ولا حرّكته العصبية الحزبية، ولا ثبّط من عزيمته تغيّر مواقف الرفاق. ثمة في حياة المناضلين السياسيين الكبار ما هو أبرز من سنوات السجن والهروب والتخفّي، وما هو أكبر من الظفر بالانتخابات أو خسارتها، وما هو أسمى من تقلّد المناصب الحزبية والتنازل عنها؛ ذاك ما يبقى للأجيال من مواقف خالدة في شأن فهم الحياة، وكيفية بناء المواقف، والتمسّك بها.. إن الحياة عقيدةٌ وجهادُ.

سامر خير أحمد كاتب أردني من مواليد 1974. صدرت له سبعة كتب، أبرزها: العرب ومستقبل الصين (بالعربية والصينية)، العلمانية المؤمنة، الماضوية: الخلل الحضاري في علاقة المسلمين بالإسلام، الحركة الطلابية الأردنية. يعمل مديراً تنفيذياً للشؤون الثقافية في أمانة عمّان. 


الآراء والمقالات المنشورة في الموقع لا تعبر بالضرورة عن رأي الشبكة العربية لدراسة الديمقراطية
 
تعليقات القراء (0)
اضف تعليقك

اطبع الكود:

 لا تستطيع ان تقرأه؟ جرب واحدا آخر
 
أخبار ذات صلة
العاهل الأردني يكلف لجنة للإصلاح... ويتعهد تبني توصياتها ومنع التدخلات
الأردن: 18 موقوفاً بتهمة محاولة زعزعة استقرار البلاد في قضية «الفتنة»
مجلس النواب الأردني يقر موازنة البلاد بالأغلبية
العاهل الأردني: ليس مقبولاً خسارة أي مواطن نتيجة الإهمال
الأردن: توقيف 5 مسؤولين بعد وفاة مرضى بكورونا جراء انقطاع الأكسجين
مقالات ذات صلة
مئوية الشيخ المناضل كايد مفلح عبيدات
الأزمة اللبنانية والتجربة الأردنية - مروان المعشر
انتفاضة نيسان 1989: أين كنا وكيف أصبحنا ؟
حقوق المراة الاردنية 2019 - سليمان صويص
يوميات حياة تشهق أنفاسها في البحر الميت - موسى برهومة
حقوق النشر ٢٠٢٤ . جميع الحقوق محفوظة