الخميس ٢٥ - ٤ - ٢٠٢٤
 
التاريخ: تشرين الثاني ٢٩, ٢٠١٥
الكاتب: زياد ماجد
المصدر: صحيفة العرب اللندنية
زياد ماجد: الحراك الديمقراطي في لبنان تعرض لهجمات أمنية عنيفة أدت إلى تفككه
حوار حول قضايا سورية ولبنانية في جريدة "العرب"
سعد نجم 
باريس - يؤكد زياد ماجد أستاذ العلوم السياسيّة والعلاقات الدولية في الجامعة الأميركية في باريس لـ”العرب” على أن حتميّة التحولات الجذرية للقضية السورية في الأيام القادمة، مرتبطة بضرورة توحّد مواقف الدول الإقليميّة التي تعتبر لاعبة بشكل أساسي في المسألة السورية، على دعم القرار الفرنسي بالتخلص من الأسد أولا لتوجيه المعركة بعدها على محاربة الإرهاب.

زياد ماجد الكاتب والأستاذ الجامعي اللبناني ساهم في إعداد دراسات كثيرة وهامة حول قضايا التحول الديمقراطي في لبنان وسوريا والعالم العربي، مع تركيز خاص على الأنظمة الانتخابية والأحزاب السياسية ومشاركة المرأة في الشأن العام. ونشرت مراكز أبحاث مختلفة في العالم تلك الدراسات، مثل معهد “إيديا” في ستوكهولم.

بدءاً من العام 2004 شرع زياد ماجد بالمشاركة مع عدد من السياسيين والطلاب والمثقفين في تأسيس حركة اليسار الديمقراطي، وهي الحركة التي ساهم في تأسيسها أيضاً المؤرخ والصحافي سمير قصير والروائي إلياس خوري والتي كان لها دور هام في إطلاق “انتفاضة الاستقلال” في بيروت في ما بعد. ليؤسس تالياً الشبكة العربية لدراسة الديمقراطية مع شركاء آخرين، وهي هيئة غير حكومية تضم أكاديميين وناشطين من المجتمع المدني من أكثر من بلد عربي كالمغرب والجزائر وتونس ومصر والأردن ولبنان واليمن والبحرين.

صدر لماجد عن دار النهار كتاب “ربيع بيروت والدولة الناقصة”، والذي تضمن نصوصاً في السياسة اللبنانية وأزماتها، وكتابه الهام “سوريا، الثورة اليتيمة” بالعربية عن دار “شرق الكتاب” في بيروت وبالفرنسية عن دار “آكت سود” في باريس، متناولاً فيه الصراع الدائر في سوريا بخلفيّاته ومراحله المختلفة، ومحللاً العلاقات الإقليمية والدولية المرتبطة به.

وينشر زياد ماجد منذ أعوام افتتاحية أسبوعية منتظمة في موقع ناو ليبانون تتناول قضايا مرتبطة بالربيع العربي.

تفاهمات فيينا ومستقبل الأسد

وبالحديث عن اجتماع فيينا الذي عقد مؤخراً، لرسم خارطة جديدة لنهاية الصراع الدائر في سوريا والمهلة التي دار الحديث عنها للانتقال السلمي للسلطة، وعن جديتها أم كونها فرصة جديدة لكسب الوقت وتمييع المسألة لصالح النظام، والتفاهمات الدولية الجديدة، يقول ماجد لـ”العرب”: لست متفائلاً في ما خصّ اجتماعات فيينا. فالمراوحة السياسية منذ جنيف الأولى والثانية، لا بل منذ المبادرة العربية الدولية أواخر العام 2011، مستمرة وفق عناوين متقاربة رغم التطوّرات الميدانية الكارثية المتسارعة ورغم هول المصائب التي حلّت بالسوريّين. الحديث عن المرحلة الانتقالية وعن مصير الأسد والخلافات حول الأمر، ما زالت أبرز الأمور التي تحول دون اتفاقات سياسية بين اللاعبين الإقليميّين والدوليّين. وصعود “داعش” منذ أواخر العام 2013 جعل الكثير من المناقشات والإجراءات تتحوّل إلى مجرّد كلام “تقنيّ” وخطابات ضد الإرهاب تتناسى في أغلب الأحيان مسبّب الإرهاب الأول، أي نظام الأسد.

التدخل الإيراني والروسي

ويرى زياد ماجد المشهد في الشرق الأوسط اليوم متشحاً بصور التدخّل العسكري الروسي المباشر بعد التدخّل الإيراني العراقي اللبناني المذهبي والمتواصل منذ ثلاث سنوات، ويعزو ذلك كله إلى ما سماه “إنقاذ الأسد من جهة، وحماية نفوذ خاص أو تكريسه من جهة ثانية، فالصراع اليوم هو إضافة الى خصائصه الداخلية الثورية والأهلية، صراع على سوريا وموقعها”.

وعن جديّة الحديث الفرنسي حول انعدام أيّ مستقبل للأسد في السلطة ضمن التصوّرات للمرحلة القادمة، يقول زياد ماجد “هو حديث جديّ تبعاً لمصدر الحديث، ففي باريس مثلاً هناك قناعة بالأمر لدى الرئاسة ووزارة الخارجية، ولدى الخبراء في الشأن السوري. ويمكن القول أيضاً إن هناك قناعة مشابهة في بعض الدوائر القانونية والحقوقية الأممية والأوروبية، إذ أن الملفات القضائية ضد الأسد جديّة، وما زال بعضها قيد الإعداد والتدقيق، ولا أظنّها ستبقى طويلاً في الأدراج ولو أنها ستخضع لابتزازات ومقايضات سياسية لفترة. والجديّة مماثلة أيضاً في بعض العواصم الإقليمية كأنقرة والرياض والدوحة بمعزل عن أيّ تقييم لسياسات هذه العواصم وتعرّجات هذه السياسات. لكن الأمر أقلّ جديّة برأيي في واشنطن، التي تبقى كما موسكو وإلى حدّ ما طهران، الأكثر تأثيراً وقدرةً على تعديل موازين القوى في سوريا راهناً”.

وصول داعش إلى العمق الأوروبي

الأحداث الدامية التي شهدتها باريس مؤخراً، دفعت بالكثير من التحليلات إلى السطح حول علاقة الأمر بالوضع السوري والنظام ومن خلفه روسيا وإيران وداعش، وتأثيراتها على ما يجري على الصعيدين العسكري والسياسي في سوريا، وهنا يرى ماجد أنه من البديهي أن يكون هناك تأثير وصلة لأحداث باريس بما يجري في سوريا، ويضيف “ترك الوضع السوري نهباً للقتل والبراميل والكيميائي والسكاكين التي يُعملها نظام الأسد منذ سنوات فتكاً بالسوريين والسوريات سهّل صعود داعش وتمدّده. والأخير يريد إظهار قدرة على الضرب خارج خطوط انتشاره العراقية والسورية، ويريد استخدام ذلك للمزيد من الاستقطاب وللبقاء ضمن محور الخطاب الإعلامي والمباحثات الدولية، كما أن التنظيم يريد أن يظهر بموقع القوة المتعرّضة لهجوم العالم بأسره، لكي يعتنق خطاب مظلومية وليوكّد خطابه المتحدّث عن فسطاطي الإسلام وأعدائه. واختيار فرنسا له طابع (إجرائي) إذ أن الخلايا في فرنسا قد تجد لها مواطئ أقدام في بعض ضواحي المدن الكبرى المهمّشة والمتروكة لأزماتها منذ عقود، كما أن له طابعا سياسيا يهدف إلى تعديل الوجهة الفرنسية المعتمدة حتى الآن والرافضة لاعتبار أن ثمة خياراً بين الأسد وداعش. فداعش يريد أن يتوحّد العالم في مواجهته وأن يبدو قابلاً بجرائم الأسد كي يتحدّث عن الحملات الصليبية التي تستهدفه وتستثني غيره، وهذا أيضاً ما يُفرح الأسد الذي لم يخفِ شماتته بهجمات باريسً”.
يمين ويسار فرنسيان

تأثير العمليات الإرهابية ضد فرنسا، ينعكس ليس فقط على سياساتها الخارجية وإنما بالطبع على علاقات تياراتها السياسية في الداخل الفرنسي، فهناك، كما يقول زياد ماجد، ضغوط كبيرة من أقصى اليسار كما من الوسط واليمين وأقصى اليمين على رئيس الجمهورية وحكومته الاشتراكية لتعديل مواقفهم من سوريا والتحالف مع روسيا، بما يعني ضمناً الإقلاع عن المطالبة برحيل الأسد.

حتى الآن ما زال الموقف الرسمي الفرنسي يقول بضرورة إزاحة الأسد لضمان فاعلية الحرب على الإرهاب الداعشي، وما زال الرفض قائماً للتطبيع مع النظام في دمشق. لكن التعاون مع روسيا صار خياراً عملانياً وقد بدأ بالفعل. والمعركة في فرنسا اليوم هي حول حدود هذا التعاون وضرورة ألا يكون مقدّمة لتعديل الموقف الفرنسي تجاه المسألة السورية.

العلوية السياسية

من الضروري، حسب زياد ماجد، أن يزداد موقف العواصم الإقليمية المناوئة للنظام السوري تشدّداً وأن يظهر موقف المعارضة السورية بأطيافها المختلفة أكثر تصلّباً من الأسد ومن داعش لدعم الموقف الفرنسي، ولإقران فاعلية الحرب على داعش بمشروطية التخلّص من جذر الشر الجاثم على صدر سوريا منذ 45 عاماً، أي نظام الأسد.

كان المفكّر والكاتب السوري صادق جلال العظم قد أطلق مصطلح “العلويّة السياسيّة” ليواجه على إثرها بهجمة نقد كبيرة من مفكرين ومحللين وصحافيين سوريين وعرب، عن ذلك يقول زياد ماجد “سبق لي أن كتبت مقالاً في جريدة الحياة حول الموضوع. وبرأيي أن خلفية المصطلح الذي استخدمه أستاذنا صادق جلال العظم، والتي تتّخذ من الحالة اللبنانية المارونية مرجعية، تجعله غير موفّق. ليس لأن النظام الأسدي ليس طائفياً، بل هو شديد الطائفية، وفي هذا ما يجعل فاشيّته أشدّ فتكاً بالمجتمع، فعدم التوفيق مردّه أن السياق التاريخي الذي نشأت فيه المارونية السياسية في لبنان أن قوام هذه المارونية يختلف تماماً عن حالة النظام في سوريا وبنيته المخابراتية-الطائفية.

ففي لبنان، قامت المارونية السياسية على أساس نخب هي مزيج من إقطاعيات (ملكيّات أراض) ومصرفيّين وحقوقيّين. وكان للتعليم وللعلاقة بالغرب عبر الإرساليات وللتحوّلات الاقتصادية في جبل لبنان خلال القرن التاسع عشر الأثر الكبير في ثقافة المارونية السياسية، كما أنها لم تكن معسكرة ولا أمنية أو مخابراتية، وكلّ ذلك يجعلها على النقيض من الحالة الأسدية – بامتداداتها الطائفية وبعلاقتها بالعلويّين وبأساليب تعبئتهم وصهرهم أمنياً وسياسياً- في سوريا”.

يرى زياد ماجد أن مواقف المثقفين العرب حول الثورة السورية قد تباينت وتفاوتت بين التأييد والرفض والرماديّة، وقد كان للشاعر اللبناني السوري الأصل أدونيس موقف مثير للجدل يصفه ماجد بالقول “موقف أدونيس كموقف الكثير من المثقّفين، يعبّر أوّلاً عن احتقار لفئات كثيرة داخل المجتمع السوري، هي الفئات الأضعف والأكثر تعرّضاً للاضطهاد والعنف وهي التي ثارت. ويعبّر ثانياً عن رغبة ببقاء أنظمة يستطيعون في ظلّها الحفاظ على مواقع رمزية مُميّزة، إذ هي لا تزعجهم بل تؤمّن لهم قدرة على التشكّي منها بين حين وآخر (كما من خصومها) لادّعاء نزاهة وبناء مصداقية ليستا من سماتِهم. لهذا هم ضد أيّ تغيير جدّي، وما حديثهم عن ضرورة تغيير المجتمع قبل تغيير السلطة السياسية سوى نفاق، إذ لا تغيير اجتماعياً أو ثقافياً ممكناً تحت البراميل والصواريخ وعذاب السجون”.

لبنان واليسار الديمقراطي

يقول زياد ماجد عن تلك التجربة التي شاركت فيها أطياف ونخب رفيعة من المجتمع اللبناني ومرت بتعرجات ومنعطفات هامة وحساسة إن تجربة اليسار الديمقراطي كانت بالنسبة إليه وإلى كثير من الصديقات والأصدقاء “محاولة لإتمام مجموعة مصالحات: بين الوطنية اللبنانية والانتماء العربي، بين الديمقراطية والعدالة الاجتماعية، وبين فكرة العلمنة والمجتمع باصطفافاته المختلفة وحقوق الأفراد فيه، على أن أولويّتنا كانت في الظرف الذي أسّسنا الحركة فيه مواجهة النظام السوري المهيمن على لبنان، ودعم القوى المُنادية بالتحرّر من هيمنته بمعزل عن خلافاتنا الاقتصادية والاجتماعية والسياسية معها، التي كنّا نعدّها مدعاة فرز لاحق لطرد النظام السوري من البلد”.

ويضيف قائلا “شاركنا بناء على ذلك، في إطلاق انتفاضة الاستقلال بعد اغتيال رفيق الحريري، وحاولنا لعب دور رئيسي فيها لا يعكس بالضرورة حجمنا الصغير مقارنة بأحجام الكتل السياسية والطائفية الكبرى التي احتشدت في ساحة الشهداء في بيروت في 14 آذار 2005. وكان قوام هذا الدور خطابنا وحضورنا الإعلامي والثقافي وتمايزنا عن النزعات الطائفية الداخلية أو عن بعض ملامح العنصرية ضد السوريين عامةً. وأظنّنا لهذه الأسباب استُهدفنا مباشرة بعد ذلك، عبر اغتيال سمير قصير، ثم عبر اغتيال القائد الشيوعي جورج حاوي الذي كان على مقربة سياسية منّا. وأدّى ذلك إلى تضعضع الحركة وتعرّضها لضغوط أمنية شديدة عرقلت قدرتنا على العمل والتحرّك. أضيفت إلى ذلك أخطاء سياسية وتنظيمية وتماهي بعض قادة الحركة تماماً مع الخطاب السائد في معسكر 14 آذار بما أنهى ميزتنا التفاضلية أو اختلافنا عن بقية الحلفاء المؤقّتين، وهذا أدّى الى نزيف من الحركة وإلى ضمور تدريجي، ولم يبق منها اليوم سوى بعض البيانات ومحاولات يقوم بها رفاق لإبقائها حيّة.

علماَ أنّي استقلت من قيادة الحركة في العام 2007 ومن العضوية في الحركة أواخر العام 2009”.


الآراء والمقالات المنشورة في الموقع لا تعبر بالضرورة عن رأي الشبكة العربية لدراسة الديمقراطية
 
تعليقات القراء (0)
اضف تعليقك

اطبع الكود:

 لا تستطيع ان تقرأه؟ جرب واحدا آخر
 
إقرأ أيضا للكاتب
نوّاف سلام في «لبنان بين الأمس والغد»: عن سُبل الإصلاح وبعض قضاياه
فلسطين العصيّة على الممانعة والتطبيع
جبهات إيران الأربع والتفاوض مع الأمريكيين
عن الحياد وتاريخه وأفقه لبنانياً
عن بكركي والمعارضات اللبنانية
أخبار ذات صلة
ماكرون يتوقع الأسوأ... والحريري يدرس الاعتذار
الفاتيكان يدعو البطاركة إلى «لقاء تاريخي» لحماية لبنان
البنك الدولي: لبنان يشهد إحدى أسوأ الأزمات الاقتصادية العالمية منذ منتصف القرن 19
عون: الحريري عاجز عن تأليف حكومة
اشتباكات متنقلة في لبنان على خلفيّة رفع صور وشعارات مؤيدة للأسد
مقالات ذات صلة
حروب فلسطين في... لبنان - حازم صاغية
نوّاف سلام في «لبنان بين الأمس والغد»: عن سُبل الإصلاح وبعض قضاياه
حين يردّ الممانعون على البطريركيّة المارونيّة...- حازم صاغية
عن الحياد وتاريخه وأفقه لبنانياً
جمهوريّة مزارع شبعا! - حازم صاغية
حقوق النشر ٢٠٢٤ . جميع الحقوق محفوظة