الجمعه ٢٦ - ٤ - ٢٠٢٤
 
التاريخ: تشرين الثاني ٢٩, ٢٠١٥
المصدر: جريدة الحياة
أصلح الله الظواهري والجولاني! - عمر قدور
على رغم تعثر متوقع لعملية فيينا، يبدو أن محاولات إعادة هيكلة الفصائل التي تقاتل النظام مستمرة. العــقبة الكــبرى أمــامـهـا، كما هو متوقع، الفصائل المحسوبة على التيار الأكثر تشدداً، ومن بينها تبرز «جبهة النصرة» كتحدٍّ قد لا تنفع معه الضغوط الإقليمية لحملها على فك ارتباطها بتنظيم «القاعدة»، ولا ينفع معها التهديد الدولي باستهدافها أسوة بـ «داعش».

في هذا السياق، كرر رئيس ائتلاف المعارضة مؤخراً مطالبة «النصرة» بالانفكاك عن «القاعدة». قبله بادر زهير سالم، الإخواني العتيد، إلى نشر رسالة موجهة إلى الظواهري والجولاني معاً، يدعو فيها الأول إلى مراجعة نهج «القاعدة» ككل والتراجع عنه، ويدعو الثاني إلى «المبادرة السريعة والحاسمة بإعلان قطع العلاقة جدياً مع كل مشروع غير المشروع الوطني السوري القائم على الانتصار لحرية السوريين...».

التوجه إلى «النصرة»، التي طالما قيل إنها ليست «داعش»، يعترف بقوتها، ويعزّ على أصحابه التفريط بها ضمن المعركة الدولية على الإرهاب. وإذا كانت الوقائع ترجح كفة «النصرة» على «داعش»، من حيث انخراط الجبهة في قتال النظام، فما لا يمكن نكرانه عدم تقصيرها في فرض هيمنتها الأيديولوجية على العديد من المناطق بواسطة ما يُسمى «الهيئات الشرعية». أيضـاً، ليست قليلة الحالات التي عمدت فيها «النصرة» إلى قتال الفصائل الأخرى بغية تطويعها، وهي لا تقل بأية حال عن حالات الاصطدام المحدودة بينها وبين «داعش».

مشكلة مطالبة «النصرة» بالانفكاك عن «القاعدة» هي النظر إلى ذلك الارتباط كأمر محض تقني، أي مطالبة تنتمي إلى مجال السياسة التي لا تعترف بها الأيديولوجيا الجهادية، وتنطلق من حقل وطني محدود لا تعترف تلك بحدوده أيضاً. علاوة على هذا، مجيء المطالبة على قاعدة «الحرص» على «النصرة» من الحرب الدولية المقبلة عليها لا يلحظ عدم تراجع تنظيم «القاعدة» عن مواجهات محلية محتومة الخسارة، وإلا كانت الهزيمة الأفغانية المجلجلة أولى بالدفع إلى إعادة النظر بالمشروع الجهادي ككل.

ومع أن المشكلة الملحة الآن سوريّةٌ فإن التصنيف بين معتدل ومتطرف يفتح النقاش على أفق يتضمن الحركات الجهادية في المنطقة عموماً، المعيار فيه لا ينبغي أن يكون تطرف «داعش» الذي يزايد على أشقائه. ولئن صارت شائعة تلك المقولة التي تربط بين الاستبداد والتطرف فالخروج من حلقتها المفرغة مطروح على الإسلاميين، بالمقدار نفسه أو يزيد على ما هو مطروح على الآخرين، وفي مقدم ما ينبغي أن يكون مطروحاً التمييز بلا التباس بين الإسلام السياسي والإسلام الحركي.

فقط عندما يخرج من يدّعون الانتماء إلى الإسلام السياسي بالقول إن مرجعيتهم ليست واحدة مع الإسلام الحركي، حينها يمكن القول ببدء نقلة نوعية على صعيد الفرز بين الطرفين. أما التنازع بينهما على تأويل المرجعية النصية ذاتها فلا يمنح أحقية لطرف منهما على الآخر، بل شهدنا في غالب الأحوال كيف يكسب الأكثر تطرفاً في التأويل وفي الممارسة. المطلوب من الإسلام السياسي أن تكون مرجعيته، من دون مراوغة، هي السياسة نفسها بوصفها شأناً دنيوياً.

استلهام المقاصد الكلية للدين مسألة أخرى تختلف عما هو سائد من جعله مرجعية سياسية مغلقة، ولقد اختبرت مناطق سيطرة الجهاديين كيف نصّبوا أنفسهم ممثلين «يوم الدينونة» بما يفوق حتى تمثيلهم المتزمت للتدين. هذا بالأحرى هو المآل المنطقي لمفهوم الحاكمية، وبالطبع لا ينافسه في البؤس سوى قرينه مفهوم ولاية الفقيه.

سيكون من الضروري الكفّ عن النظر إلى تاريخ الخلافة، القصير منها القائم على الشورى والأطول القائم على التوريث، بوصفه تاريخاً دينياً. في الواقع، هناك حالات تاريخية من التوسع الديني لم تكتسب مكانة إلزامية لاحقة، زمن التبشير الديني الممأسس على نطاق واسع انقضى عالمياً، وحرية الاعتقاد صارت من بديهيات العصر. تاريخ الإمبراطورية الإسلامية هو تاريخ سياسي بامتياز، وليس تاريخاً جهادياً كما يُراد تسويقه. الأهم من ذلك أن التفكير باستعادته يدخل في باب اللغو السياسي، الذي يتشارك فيه القومي والإسلامي.

المقارنة بين الحالات الناجحة للإسلام السياسي وفشله عربياً تشير إلى مكمن الفشل، فالتجربتان الماليزية والتركية تنتميان إلى المرجعية السياسية، وإن شكّل الإسلام مرجعيتهما الثقافية العامة. هنا فارق حاسم، فضلاً عن أن التجربتين لا تطرحان مشاريع إسلامية أممية على نحو ما يفعله الإسلام السياسي العربي علناً أو ضمناً. لننسَ هنا تهويمات «السلطان» أردوغان، فهي تحمل من الحلم الإمبراطوري أكثر مما تحمل أيديولوجيا إسلامية حقيقية، ولا تعبر عن مسار «حزب العدالة والتنمية» داخلياً.

مشكلة الإسلام الحركي ليست في تفسير متطرف للدين، كما يُروّج استسهالاً، المشكلة هي في أنه مطروح كرد على واقع سياسي في الوقت الذي يمثل فيه منتهى العدمية السياسية. هذا التناقض غير قابل للحل، على مبدأ دفع الجماعات المتطرفة نحو الاعتدال، إذ ستبقى هناك دائماً مساحة واسعة للأكثر تطرفاً طالما بقي التمايز ضمن المرجعية ذاتها. بصياغة أخرى، وإن تغذى الإسلام الحركي على فكرة المظلومية إلا أنه يتغذى أيضاً على غياب الإسلام السياسي، إذا أقررنا بواقع التأثير الإسلامي عامة في المدى المنظور. الإسلام السياسي يستحق تسميته عندما يكون رداً على العدمية السياسية للإسلام الحركي، لا فقط عندما يُشهر مظلوميته أيضاً من الاستبداد، أو من المؤامرة الكونية عليه. وكي يتجاوز تنازع الشرعية، لا أفق أمام الإسلام السياسي سوى أن تكون مرجعيته الاحتكام المتواصل، وليس لمرة واحدة أو بموجب الظروف، إلى عالم السياسة بمفهومها الدنيوي المعاصر.

تقديم النصح للإسلام الحركي في حده الأقصى يحمل نوايا ساذجة، وفي حده الأدنى تبرؤ من تأويله للدين. في الحالتين، هكذا يعفي الإسلاميون أنفسهم من تهمة التطرف، لكن من دون فعل حقيقي يقدّم البديل السياسي لأولئك الأفراد الذين يُقال إنهم يتجهون إلى التطرف بخلاف إرادتهم الأصلية، أي يتجهون إلى العدمية السياسية لانعدام المشروع السياسي البديل. في الواقع، تتأخر مؤاخذة المعتدلين إخوانهم المتطرفين، ولا تأتي إلا في لحظات الخطر الداهم، والأسوأ أنها لا تحمل مشروعاً سياسياً جاداً، هي دائماً أشبه بالعتاب كأن نقول: أصلح الله الظواهري والجولاني!


الآراء والمقالات المنشورة في الموقع لا تعبر بالضرورة عن رأي الشبكة العربية لدراسة الديمقراطية
 
تعليقات القراء (0)
اضف تعليقك

اطبع الكود:

 لا تستطيع ان تقرأه؟ جرب واحدا آخر
 
أخبار ذات صلة
من "ثورة الياسمين" إلى "الخلافة الإسلامية"... محطّات بارزة من الربيع العربي
لودريان: حرب فرنسا ليست مع الإسلام بل ضد الإرهاب والآيديولوجيات المتطرفة
نظرة سوداوية من صندوق النقد لاقتصادات الشرق الأوسط: الخليج الأكثر ضغوطاً... ولبنان ‏الأعلى خطراً
دراسة للإسكوا: 31 مليارديرًا عربيًا يملكون ما يعادل ثروة النصف الأفقر من سكان المنطقة
الوباء يهدد بحرمان 15 مليون طفل شرق أوسطي من الحصول على لقاحات
مقالات ذات صلة
المشرق العربي المتروك من أوباما إلى بايدن - سام منسى
جبهات إيران الأربع والتفاوض مع الأمريكيين
إردوغان بوصفه هديّة ثمينة للقضيّة الأرمنيّة
إيران أو تحويل القضيّة فخّاً لصاحبها - حازم صاغية
عن تسامح الأوروبيين ودساتيرهم العلمانية الضامنة للحريات - عمرو حمزاوي
حقوق النشر ٢٠٢٤ . جميع الحقوق محفوظة