الأربعاء ١٧ - ٤ - ٢٠٢٤
 
التاريخ: تشرين الثاني ٢٩, ٢٠١٥
المصدر: جريدة الحياة
اتفاق فيينا وحديث المتفائلين - أكرم البني
على رغم أن التشاؤم لا يزال سيد الموقف في ما يتعلق بآفاق الصراع السوري وفرص معالجته سياسياً، فثمة عند البعض معطيات تبعث على التفاؤل تجاه ما قد يسفر عنه اتفاق فيينا.

صحيح أن السمة العامة للسياسة الدولية تجاه المحنة السورية هي ترقب وسلبية مقيتان لا يخففهما تكرار الادانات اللفظية لما يحصل من فتك وتنكيل ومجازر، وصحيح أن ثمة من وجد لدى الغرب مصلحة في تغذية استمرار الصراع السوري لاستنزاف الخصوم واستجرار الكوادر الجهادية للنيل منها وكف شرها عن بلاده، وصحيح أن الخلاف لا يزال قائماً على نقاط مهمة في التسوية السورية بين روسيا وأميركا، ثم بين دول عربية وتركيا وبين إيران، بصفتهم الأطراف الرئيسة القادرة على التأثير في القوى المتصارعة وتطويع مواقفها.

لكن لدى المتفائلين رأياً آخر تحدوه ضغوط جدية أجبرت المجتمع الدولي على عقد اتفاق فيينا وتجاوز حالة عدم الاكتراث بما يحدث في سورية، أهمها تصاعد عمليات تنظيم داعش الإرهابية، من تفجيرات إسطنبول إلى ضاحية بيروت الجنوبية إلى إسقاط طائرة الركاب الروسية، إلى الاقتحامات الدموية في العاصمة الفرنسية، فضلاً عن تزايد أخطار ما يخلفه الصراع السوري من استقطابات حادة واحتقانات مذهبية وعرقية تنذر بتفجر حروب أهلية وإقليمية تهدد استقرار المنطقة، ونضيف ضغط أزمة اللاجئين السوريين التي لم تعد تلقي بثقلها الاقتصادي والاجتماعي على بلدان الجوار فقط وإنما صارت تقلق جدياً بلدان أوروبا، مع تزايد أعداد المهاجرين غير الشرعيين إلى أراضيها.

ألا يستنفد ما سبق صبر مختلف القوى الدولية والإقليمية ويحضها على إطفاء هذه البؤرة من التوتر؟! أولاً يحرر ذلك المواقف الغربية وتحديداً الأميركية من سلبيتها وترددها ويشجعها على التدخل للتأثير في مجريات الصراع السوري وفرض حل سياسي يسحب البساط من تحت أقدام تنظيم داعش الذي يعتاش على مناخ الفوضى والاضطراب؟! الأمر الذي يفسر تسارع التنازلات الغربية لبناء اتفاق فيينا، إن لجهة طابع حكومة المرحلة الانتقالية أو حدود التغيير المطلوب من النظام السوري، وإن لجهة الضغط على الحلفاء الإقليميين لمنح الأولوية لمواجهة "داعش" ولقبول مشاركة إيران في المفاوضات.

وما يعزز تفاؤل المتفائلين وضوح البرنامجـــ الزمني لمسار تسوية تتوسل قــوات دولية للفصل بين المتحاربين، ربطــــاً بتصريحات لافتة لغير مسؤول غربي وأميركي عن خطورة التأخير في التوصل إلى معالجة سياسية للصراع السوري!

والنتيجة، يعتقد المتفائلون أن الثمرة السورية باتت ناضجة وبات من الضروري الإسراع في إنجاز حل سياسي يسمح بوقف تداعياتها الإقليمية والعالمية الخطيرة، ويوحد مختلف القوى ضد تنظيم داعش لمحاصرته وسحقه، ولا يغير برأي هؤلاء تباين بعض التصريحات بين الراعيين الروسي والأميركي، أو ما تشهده المنطقة من تصعيد عسكري واستعراض للقوى بغرض تحسين المواقع والأوراق!

من جهة أخرى يطرح المتشائمون معضلة القوى الداخلية المرشحة للمشاركة في الحل السياسي، ويشيرون إلى نظام ليس على استعداد لتقديم تنازلات تؤثر على استقراره في الحكم، وإلى معارضة سياسية وعسكرية مبعثرة ومشتتة لا تملك وزناً مقرراً على الأرض، والأنكى تباين المواقف من الجماعات المسلحة التي يمكن تصنيفها في خانة الإرهاب، وتبلور أطراف فرزها طول أمد الصراع تتحكم بالأرض وترفض بشدة المعالجة السياسية، فكيف الحال وكل هذه القوى تتصارع على أحقية تمثيل المجتمع السوري، بل كل واحدة منها لا يهمها سوى إلغاء الأخرى!

والمتفائلون يستقوون بحيثيات جديدة تسمح بتجاوز المعوقات الداخلية، منها:

أولاً، وصول مختلف الأطراف المتصارعة إلى قناعة تبدو راسخة بأن لا قدرة لأي منها على الحسم العسكري، الحسم الذي طغى على سلوك المعارضة المسلحة وهي تحقق بعض الانتصارات هنا وهناك ليخبو مع إخفاقاتها، مثلما خبا لدى النظام بعد أن غذاه التدخل الروسي، ليستقر أفق الصراع في عمليات كر وفر لا تتعدى تحسين المواقع وتعديل توازنات القوى على الأرض تمهيداً للتسوية السياسية.

ثانياً، تصاعد الحاجة بصورة غير مسبوقة لاعتراض المسار المؤلم والمأسوي لعموم السوريين الذين باتوا يعانون الأمرين وخصوصاً من دمرت بيوتهم وفرص عملهم وباتوا تحت وطأة حاجة وعوز شديدين، أو لأولئك المهاجرين إلى بلدان الجوار ويعيشون شروط حياة تزداد بؤساً مع ازدياد أعدادهم، ما أشاع رغبة عارمة وضاغطة لدى الناس بضرورة الخلاص من هذا التردي المريع في شروط حياتهم وعيشهم وأمنهم، الأمر الذي يفسر تعدد أنواع الهدن والمصالحات التي تعقد على غير جبهة قتال، يراهن البعض أن تأخذ أبعاداً أكثر استقراراً وإنسانية في حال رعتها قوات الفصل الدولية.

ثالثاً، وهو العامل الأهم ويتعلق بقدرة الأطراف الخارجية المؤثرة في مجرى الصراع على تطويع أطرافه الداخلية وإجبارها على التعاطي السياسي. فالاستعصاء المزمن للصراع السوري وعجز أطرافه المنهكة عن الحسم أفقد مكوناته الداخلية قدرتها على لعب دور مقرر، وعزز أدوار القوى الخارجية على فرض الحلول. يتجلى الأمر بالنسبة الى النظام السوري بتنامي قدرة الحليفين الروسي والإيراني على التأثير في مواقفه طرداً مع تنامي دعمهما له، ثم ارتباط سقف المعارضة السياسية والعسكرية بمواقف حلفائها والأطراف التي تدعمها وتمولها، ما يفسر التحفظات المحدودة للنظام على اتفاق فيينا، ثم مسارعة المعارضة لتجاوز حالة التشرذم وتوحيد صفوفها ومواقفها للتلاقي مع ما يحصل ليعتبر اجتماعها المرتقب في الرياض محطة على هذه الطريق.

وبين التشاؤم والتفاؤل، لا نعرف إلى أي حد موجــــع ومدمر يمكن أن تصل الأمور قبــــل أن تطـــوى صفحة العنف والاستبداد، وحتـــى تقتنع أطراف الصراع بأن استمرار الفتك والتنكيل لن يفضي سوى إلى المزيد من تفكيك المعايير الوطنية ومقومات الحياة المشتركة، وحتى يخطو المجتمع الدولي خطوات حاسمة لوقف هذه المأساة الإنسانية، والتأسيس لتغيير ينسجم مع المعايير الديموقراطية وحقوق الإنسان.


الآراء والمقالات المنشورة في الموقع لا تعبر بالضرورة عن رأي الشبكة العربية لدراسة الديمقراطية
 
تعليقات القراء (0)
اضف تعليقك

اطبع الكود:

 لا تستطيع ان تقرأه؟ جرب واحدا آخر
 
أخبار ذات صلة
تقرير لوزارة الخارجية الأميركية يؤكد حصول «تغييرات طائفية وعرقية» في سوريا
انقسام طلابي بعد قرار جامعة إدلب منع «اختلاط الجنسين»
نصف مليون قتيل خلال أكثر من 10 سنوات في الحرب السورية
واشنطن تسعى مع موسكو لتفاهم جديد شرق الفرات
دمشق تنفي صدور رخصة جديدة للهاتف الجوال
مقالات ذات صلة
سوريا ما بعد الانتخابات - فايز سارة
آل الأسد: صراع الإخوة - فايز سارة
نعوات على الجدران العربية - حسام عيتاني
الوطنية السورية في ذكرى الجلاء! - اكرم البني
الثورة السورية وسؤال الهزيمة! - اكرم البني
حقوق النشر ٢٠٢٤ . جميع الحقوق محفوظة