السبت ٢٠ - ٤ - ٢٠٢٤
 
التاريخ: أيار ١, ٢٠١٦
المصدر: جريدة الحياة
رداءة العرض والطلب إذ تقود السياسة والانتخابات في الاردن - إبراهيم غرايبة
تتشكّل في الأردن اليوم، حالة سياسية وانتخابية مستمدة من التقدير بانحسار جماعات الإسلام السياسي وتضاؤل فرصها بالمشاركة أو النجاح في الانتخابات المقبلة المتوقّعة هذا العام. ويبدو ذلك طبيعياً وممكناً، لكن أسوأ ما وقعت به تشكلات غير المتدينين من التيارات السياسية، أنها تعيد إنتاج نفسها في نسخة مشوّهة وبالغة الرداءة من خطاب الجماعات الدينية والمقاوماتية. واللافت أكثر في بورصة التطرف والمقاومة، دخول تيارات وشخصيات ليس معروفاً عنها انتماء يساري أو قومي، وبعضها يصنّف نفسه في اتجاهات قائمة على أن السياسة هي المنشئة للثقافة والاتجاهات الاجتماعية بخلاف سلوكها المتملّق لثقافة أخرى لا يؤمنون بها ويرونها خرافية. وفي ذلك، فإن تيارات وشخصيات سياسية من كل الأطياف والاتجاهات لم تكن فقط ضحية الخرافة وسوء الفهم والتقدير، لكنها تؤكد أن النخب غير الإسلامية تراوح بين الفشل والمرض العقلي! وأن مصيبة المجتمعات والبلاد بها لا تقلّ فظاعة وبشاعة عن المتطرفين الدينيين، فالتطرف واحد وكوارثه متطابقة مهما كان محتواه.

ويعكس السلوك الدعائي والسياسي لكثر من مرشحي الاتجاهات «التقدمية» مجموعة من الخرافات، منها أن التيارات الدينية نجحت في اجتذاب المؤيدين في الانتخابات بسبب معارضتها معاهدات السلام مع إسرائيل، وهي أيضاً تبدو بطولة غير مكلفة ولا يترتب عليها موقف سياسي أو تشريعي يلزم السلطة والجماعات في شيء، ليس أكثر من معارضة المعاهدة والتطبيع، لكنها لا تريد أن تلاحظ أن الجماعات الدينية في الواقع تنشئ حالة من التماسك الاجتماعي لا علاقة لها بالمواقف السياسية، وأنها جماعات يمكنها أن تؤيد المعاهدة أو تصمت من دون أن يغير ذلك شيئاً في رصيدها السياسي والانتخابي لدى مؤيديها، فهي تكتسب شرعيتها من الثقة التي اكتسبتها.

ويمكن على سبيل المثل، ملاحظة كيف أن حماس قادرة على المراوحة والمرونة السياسية والفكرية تجاه المعاهدة عندما تحتاج إلى ذلك، وأن الإخوان المسلمين في مصر لم ينشغلوا في حملاتهم الانتخابية وفي فترة حكمهم مصر بالمعاهدة المصرية - الإسرائيلية سلباً أو إيجاباً، وأن الحركة الإسلامية التركية (حزب العدالة والتنمية الحاكم في تركيا) تقود علاقات استراتيجية عسكرية وسياسية وتجارية قوية ومتطورة مع إسرائيل، وأما الحركة الإسلامية الحاكمة في المغرب فلا تكاد تعلم باحتلال إسرائيلي لفلسطين!

يدرك «التقدميون» أن المعاهدة لم تكن سوى موافقة على نتائج الحرب، وليست هي سبب الاحتلال، وأما العلاقات التجارية الأردنية - الإسرائيلية فلا تزيد على 100 مليون دولار، في حين أن التجارة الإسرائيلية الخارجية تزيد على 135 بليون دولار، ويدركون أيضاً أنه لا تبدو واردة مراجعة المعاهدة الأردنية - الإسرائيلية، لكنهم يستسلمون لخرافة أنها ما زالت أساساً للحملات الانتخابية ومعياراً يتقدم به المرشحون ويحرك الناخبين، وما زالت بعد ربع قرن من توقيعها تشكل شعوراً عاطفياً وفولكلورياً وتساهم في المخيال الانتخابي والبطولي.

والخرافة «التقدمية» الثانية هي مظنة أنه ليست ثمة حاجة الى برامج ووعود متصلة بالحريات والعدالة وتحسين حياة الناس ورفع مستوى المعيشة والخدمات الأساسية، وأن الناخبين تشغلهم السياسة بمعناها الوهمي والتأييد والمعارضة أكثر من التعليم والصحة والرعاية الاجتماعية، وأنه في مقدروهم «التقدميون ويا له من تقدم!» أن يقدموا للناس ما كانت تقدمه الجماعات الدينية وأن يتصدوا للاحتلال والتطبيع من خلال «فايسبوك» و «تويتر»، وقد نرى في الحملات الانتخابية شيوعيين وليبراليين ومقاوماتيين يتداوون ببول الإبل! وقد رأيناهم بالفعل وبعضهم من أهل القانون (يفترض) وهم يتقدمون إلى الانتخابات باعتبارها عملية سياسية قانونية ولكنهم لا يؤمنون بالقانون!


الآراء والمقالات المنشورة في الموقع لا تعبر بالضرورة عن رأي الشبكة العربية لدراسة الديمقراطية
 
تعليقات القراء (0)
اضف تعليقك

اطبع الكود:

 لا تستطيع ان تقرأه؟ جرب واحدا آخر
 
أخبار ذات صلة
العاهل الأردني يكلف لجنة للإصلاح... ويتعهد تبني توصياتها ومنع التدخلات
الأردن: 18 موقوفاً بتهمة محاولة زعزعة استقرار البلاد في قضية «الفتنة»
مجلس النواب الأردني يقر موازنة البلاد بالأغلبية
العاهل الأردني: ليس مقبولاً خسارة أي مواطن نتيجة الإهمال
الأردن: توقيف 5 مسؤولين بعد وفاة مرضى بكورونا جراء انقطاع الأكسجين
مقالات ذات صلة
مئوية الشيخ المناضل كايد مفلح عبيدات
الأزمة اللبنانية والتجربة الأردنية - مروان المعشر
انتفاضة نيسان 1989: أين كنا وكيف أصبحنا ؟
حقوق المراة الاردنية 2019 - سليمان صويص
يوميات حياة تشهق أنفاسها في البحر الميت - موسى برهومة
حقوق النشر ٢٠٢٤ . جميع الحقوق محفوظة