الخميس ٢٨ - ٣ - ٢٠٢٤
 
التاريخ: آب ٢٣, ٢٠١٦
المصدر: جريدة النهار اللبنانية
نظام الدائرة الفردية حلّ عادل للبنان - أحمد مروة
جميلٌ أن نسمع اليوم خطاب أمراء السياسة في لبنان، وهم يتحدثون عن مشاريع قوانين انتخابية غير #النظام_الاكثري. وتأتي هذه الخطوة بعد عشرين سنة وأكثر على مطالبة الاحزاب اليسارية والمجتمع المدني بإدخال إصلاحات على النظام الانتخابي تعكس حسن التمثيل. وقد ذهب المجتمع المدني أبعد من ذلك مطالباً أيضاً باحترام معايير حرية ونزاهة العملية الانتخابية.

غير أن هذه المطالب اليوم تأتي من خلفية سياسية بحت لتخدم مصالح جماعات على حساب أخرى، ولا تأتي اقتناعاً بالإصلاح ولا لخدمة مصالح وطنية. وهو الأمر الذي يضع المطالبين بهذه القوانين أمام المسؤولية الوطنية، خصوصاً أن خطابهم قد يُستثمر وسيتم استثماره من أجل الضغط لمصلحتهم.

لقد بالغ اليسار في المطالبة بلبنان دائرة واحدة خارج النظام الطائفي وعلى أساس #القانون_النسبي، خصوصاً أنه مطلب "الحركة الوطنية" أيام الحرب الاهلية، والذي يحتاج الى نقاش جدي ومسؤول نظراً إلى التغيّرات الجذرية في سوسيولوجيا الفرد اللبناني، وكي لا تتحوّل هذه المطالبة الى عرف وتقليد غير واقعي، بل اكثر من ذلك لئلا تصبح حجة تُستعمل لتعطيل عملية الاصلاح.

أثبتت التجربة اللبنانية ان الانتخابات البرلمانية في لبنان يشوبها العديد من المشاكل الجوهرية، كالنظام الانتخابي والإدارة الانتخابية والمال السياسي وتمثيل المرأة وانتخاب الشباب في سن الثامنة عشرة، وتقنية كدور الاعلام والاوراق المطبوعة سلفاً ومراكز الاقتراع التي لا تحترم الاشخاص ذوي الاعاقة وغيرها من الامور الهامة في اي عملية انتخابية. غير أن الأمر الجوهري والمفصلي، هو مبدأ حسن التمثيل، فقد أظهرت الانتخابات البرلمانية في الدورات السابقة وصول شخصيات الى الندوة البرلمانية لم يزوروا ناخبيهم طوال مدة ولايتهم، بل كانت اهتماماتهم اكثر سياسية وحزبية. وعلى الرغم من تذمر الناخب اللبناني من ممثليه، يعود ليجدد لنفس الوجوه نظراً إلى تطرف الخطاب السياسي على الرغم من عدم اقتناعه بهم.

المسألة، إذاً، تكمن ايضاً في غياب بدائل جدية لهذه الطبقة السياسية، وهو الأمر الذي لم ولن يحدث في ظل دستور ونظام اقتصادي واجتماعي تتحكم به زمرة من امراء السياسة في لبنان، يجعل كل محاولة جدية وجديدة لانتاج بديل سياسي، تصطدم بحائط الواقعية التي لم يتم تفكيك ترابطها الاقتصادي والاجتماعي المتين. ونحن امام العشرات من النماذج التي أصابها الاحباط وانتهت الى الانسحاب من الحياة العامة، حتى الاحزاب اليسارية اصبحت اكثر تقشفاً في تقديم مرشحين للانتخابات نظراً إلى معرفتها المسبقة بعدم القدرة على تغيير توجهات الناخب اللبناني.

قد يكون طبيعياً وديموقراطياً ما يحدث في لبنان، ففي الشكل هناك عملية انتخابية متكاملة، ولكن السؤال الذي يطرح نفسه، في دولة مثل لبنان، نسبة الذي يعيشون دون خط الفقر يفوق الـ 28% ٬ وان معدل الهجرة السنوي يصل الى 35000 مهاجر ، لا تغطية صحية، بنية تحتية لا تلبي الحد الادنى من المتطلبات، فساد، إهدار، محاصصة في الوظيفة والصفقات، ازدياد الفجوة بين اصحاب الرساميل والطبقة الوسطى، غياب الامن. وعلى الرغم من ذلك لدينا برلمان لا يقوم بمهامه إن لجهة التشريع او لجهة انتخاب الرئيس، وهو حتماً المسؤول الأول عن هذه الازمات، ولكن تصعب محاسبته او بالحد الادنى عدم التجديد له.

إنها معضلة قانون الانتخابات، إذاً، التي يأمل الجميع ان يشكل مدخلاً للنظام الديموقراطي المتكامل، وبالعودة الى ضرورة التعاطي بواقعية مع المسألة اللبنانية وعدم الانجراف الى طروحات قد تبدو مثالية ولكنها تصطدم بمعوق واقعي يكمن في الاجابة عن السؤال الآتي: من سيُقرّ هذا القانون وما هي مصلحته؟ فهل نتوقع ان تنتج الطبقه السياسية في لبنان قانون انتخاب يتناقض ومصالحها؟ وبالطبع هو أمر مستبعد حتى الساعة نظراً إلى الاستقطاب الحاد داخل الجماعات الطائفية في لبنان.

وان كنت اطمح كما العديد من المواطنين إلى ان اكون شاهداً على التغيير الجذري في لبنان، غير ان واقعيتي تحتم علي ان أطالب زملائي واصدقائي في عدم بعثرة جهودهم والبحث الجدي عن خطوات تدريجية كبديل للتطرف الثوري الذي اثبتت التجربة صعوبته في الحالة اللبنانية.

بدل ان نحلم بالوثب الطويل، فلنبدأ بالسير البطيء، فلتكن أحلامنا حدودها السماء ولكن لتكن اهدافنا واقعية.
فبدل أن نحلم بتغيير الطبقة السياسية اليوم، دعونا نبحث إمكانات الخرق في هذه الصيغة المقززة للجمهورية اللبنانية، وفي هذا التوجه لنتفق على شروط اللعب:
• -البحث عن مقترح لقانون يؤمن تجديداً في الطبقة السياسية
• يمكن استقطاب القوى السياسية حوله
• قانون مرحلي
• قانون يعزز العلاقة بين النائب والمواطن
• قانون يحمل أكبر قدر ممكن من الاصلاحات التقنية
• يؤمن صحة التمثيل
• يعطي قيمه متساوية للصوت

ولمَ لا؟ فقد يكون طرح الدائرة الفردية على دورتين هو الطرح الأكثر واقعية في هذه الحقبة من الزمن، فهو إن لم يساهم في التجديد الكامل للطبقة السياسية، الا انه سيدفع الأحزاب الى تبني ترشيحات لها وزنها على المستوى المحلي، وتالياً فإنه سيعزز العلاقة بين الناخب والنائب مما سيعزز فرص المساءلة.

فقد صُممت الدائرة الفردية اساساً لتكون قاعدة العملية الانتخابية، بحيث تضم عدداً غير كبير من الناخبين يختارون مرشحاً واحداً فقط. فالناخب يمارس الانتخابات الديموقراطية التي درجت عليها الديموقراطيات العريقة :One Man One Vote، أي صوت واحد لكل ناخب/ة. فإنكلترا٫ تعتمد الدائرة الفردية بالنظام الأكثري نظاماً انتخابياً ثابتاً متين الصلاحية.

أعتقد أن اقتراح حزب "الكتائب" نظام الدائرة الفردية على جولتين انتخابيتين هو طرح جدير بالنقاش والبحث، ويتطلب جرأة من اليسار اللبناني ومنظمات المجتمع المدني، اللذين يطالبان بالنسبية، في إمكان تبنيه كمرحلة انتقالية. فإذا كان من الصعب الوصول الى انتخابات سياسية ووعي انتخابي سياسي، فلنعمل على تعزيز علاقات المساءلة بين ممثلي/ات الشعب التي توفرها الدائرة الفردية القائمة على مبدأ التماس المباشر بين الناخب والمرشح. ويحدث أن الشيطان حتماً يكمن في تفاصيل تقسيم الدوائر.

 
نائب الأمين العان لـ LADE سابقا


الآراء والمقالات المنشورة في الموقع لا تعبر بالضرورة عن رأي الشبكة العربية لدراسة الديمقراطية
 
تعليقات القراء (0)
اضف تعليقك

اطبع الكود:

 لا تستطيع ان تقرأه؟ جرب واحدا آخر
 
أخبار ذات صلة
ماكرون يتوقع الأسوأ... والحريري يدرس الاعتذار
الفاتيكان يدعو البطاركة إلى «لقاء تاريخي» لحماية لبنان
البنك الدولي: لبنان يشهد إحدى أسوأ الأزمات الاقتصادية العالمية منذ منتصف القرن 19
عون: الحريري عاجز عن تأليف حكومة
اشتباكات متنقلة في لبنان على خلفيّة رفع صور وشعارات مؤيدة للأسد
مقالات ذات صلة
نوّاف سلام في «لبنان بين الأمس والغد»: عن سُبل الإصلاح وبعض قضاياه
حروب فلسطين في... لبنان - حازم صاغية
حين يردّ الممانعون على البطريركيّة المارونيّة...- حازم صاغية
عن الحياد وتاريخه وأفقه لبنانياً
جمهوريّة مزارع شبعا! - حازم صاغية
حقوق النشر ٢٠٢٤ . جميع الحقوق محفوظة