الأثنين ٦ - ٥ - ٢٠٢٤
 
التاريخ: أيلول ٢٠, ٢٠١٦
المصدر: جريدة الحياة
الانتخابات وسؤال ممَ يخاف الأردنيون؟ - إبراهيم غرايبة
إذا كان السلوك السياسي والديني في منظور علم الأحياء يحركه أساساً البقاء والخوف ثم تحسين البقاء (النشوء والارتقاء)، يفترض أن يؤشر الحراك السياسي والذي تلخصه الانتخابات العامة إلى مخاوف المواطنين وتطلعاتهم، فماذا يمكن القول عن مخاوف الأردنيين وهمومهم من خلال الانتخابات النيابية التي ستجرى اليوم؟ وإذا كانت الانتخابات السياسية تعكس الانتخاب الطبيعي فإلى أين يمضي الأردنيون؟

لكن لسوء الحظ أو لحسنه فإن داروين وفرويد لا يفيدان في معرفة وفهم السلوك السياسي والاجتماعي مستدلان عليه بالانتخابات، أو في عبارة أكثر دقّة فإن السلوك الانتخابي لا يؤشر مباشرة وبوضوح على الاتجاهات السياسية والاجتماعية لدى الأردنيين، فالأردنيون لا يقولون ما يريدونه أو ما لا يريدونه على نحو مباشر، وربما وهذا هو الأرجح فإن الانتخابات العامة منفصلة في واقع الحال عن التنظيم السياسي للدولة والمجتمعات.

ليس ثمة أثر يذكر أو إشارة في التنافس الانتخابي والبرامج والحملات والجدل والمناظرات الانتخابية للإرهاب ومواجهة الإرهاب وما يتصل بذلك من قضايا التطرف والتعصب والانقسام الاجتماعي والجدل الديني الممتد بعمق يصعب فصله إلى الهويات والتعليم والإعلام والفضاء العام والصراعات الاجتماعية وأسلوب الحياة ووجهة التنمية والإنفاق العام. فالحملات الانتخابية والترشيح والبرامج وأداء المرشحين وتواصلهم مع الناخبين وغير ذلك لا تبدو لها صلة أو علاقة ما بتحديات الإرهاب والتطرف ومتوالياتهما الاجتماعية والسياسية والإقليمية، ما يعني أن الناخبين والمرشحين لا يرون في الإرهاب ما يشغلهم، ليس موضوعاً يشغل الناخبين أو يفيد المرشحين في جمع المؤيدين واكتساب الأصوات، وأن كل ما أنفق وينفق وما قيل ويقال في الإعلام والمؤتمرات والندوات والفتاوى والاستراتيجيات والبرامج والمؤسسات المختصة بالإرهاب والأغاني والهتافات والشعارات والاحتفالات والمهرجانات والكتب والدراسات والمقالات، وغير ذلك كثير مما يصعب الاحاطة به، لم يفد شيئاً يذكر في حشد المواطنين فـي مواجــهة الإرهــاب أو إشغالهم به فكرياً وسياسياً، وحتى العمليات الإرهابية بدءاً بإحراق الأسير الأردني الطيار معاذ الكساسبة إلى العمليات التي أودت بحياة المواطنين وهددت حياتهم اليومية في الأسواق والفنادق والتجمعات، لم تنشئ لدى المواطنين أفكاراً واتجاهات يسعون إلى التعبير عنها وتطبيقها من خلال الانتخابـات النيابية والعامة!

وإذا بحثنا في الأولويات والاحتياجات الأساسية التي شغلت الإنـــسان وأنــــشأت منظومة البقاء وصرنا ندركها بوضوح وبــساطة ونعبر عنها في إدارة وتنظيم الضرائب والموارد العامة والتعليم والرعاية الصحية والاجتماعيـــة والعمل والمدن والنقل والحياة اليومية والبيئة، فإنها أيضاً لا تبدو شغلاً رئيسياً أو واضحاً في الانتخاب والترشيح والجدل والبرامج، وأما تحسين البقـــاء والارتقــاء به وكما يعبر عنه اليوم بوضوح في قيم الحريات والعدالة، فهي أيضاً لا تبدو هموماً انتخابية ووطنية واضحة، ولا يمكن التنــبؤ بعلاقـــة هذه القيم ومصيرها مع نـــجاح أو فـــشل المرشحين والقــــوائم والكتل المتقدمـــة للانتخابات، لن نعرف تقدماً أو إصلاحاً أو تغييراً في ذلك سوى هـــوامـــش مـــحدودة تعتمد على مـــعرفـــة بعدد قليل من المرشحين، أو المصـــادفـــة، إذ أنه دائماً يوجد فرص ومصادفات طيبة!

الأردنيون بالطبع يخافون، بل إنهم أكثر مناطق شرق المتوسط خوفاً وقلقاً، فما تاريخهم وحاضرهم وإنجازهم سوى ما تعلموه وتوصلوا إليه بفعل الخوف وتأثيره وهواجسه، ولديهم تطلعات وأهداف واضحة لحياتهم، وهم مقبلون على التعليم وتحسين الحياة بنشاط ولهفة، ولكنهم في خوفهم وفي رؤيتهم لحياتهم لا يربطون ذلك بالانتخابات، ولا يعرفون أو لا يعترفون بوضوح من هم وممن يخافون». وكأنهم هم المقصودون بأغنية فيروز «يا دنيي شتي ياسمين... ع اللي تلاقو ومش عارفين... ومن مين خايفين؟».

* كاتب أردني


الآراء والمقالات المنشورة في الموقع لا تعبر بالضرورة عن رأي الشبكة العربية لدراسة الديمقراطية
 
تعليقات القراء (0)
اضف تعليقك

اطبع الكود:

 لا تستطيع ان تقرأه؟ جرب واحدا آخر
 
أخبار ذات صلة
العاهل الأردني يكلف لجنة للإصلاح... ويتعهد تبني توصياتها ومنع التدخلات
الأردن: 18 موقوفاً بتهمة محاولة زعزعة استقرار البلاد في قضية «الفتنة»
مجلس النواب الأردني يقر موازنة البلاد بالأغلبية
العاهل الأردني: ليس مقبولاً خسارة أي مواطن نتيجة الإهمال
الأردن: توقيف 5 مسؤولين بعد وفاة مرضى بكورونا جراء انقطاع الأكسجين
مقالات ذات صلة
مئوية الشيخ المناضل كايد مفلح عبيدات
الأزمة اللبنانية والتجربة الأردنية - مروان المعشر
انتفاضة نيسان 1989: أين كنا وكيف أصبحنا ؟
حقوق المراة الاردنية 2019 - سليمان صويص
يوميات حياة تشهق أنفاسها في البحر الميت - موسى برهومة
حقوق النشر ٢٠٢٤ . جميع الحقوق محفوظة