Deprecated: Optional parameter $Href declared before required parameter $Img is implicitly treated as a required parameter in /home/ademocr/public_html/Arabic/include/utility.inc.php on line 254
الشبكة العربية : لبنان: احترام الدستور أو الانهيار: في محوريّة نيل الثقة - شبلي ملاّط
السبت ٤ - ٥ - ٢٠٢٤
 
التاريخ: كانون الأول ٤, ٢٠١٦
المصدر: جريدة النهار اللبنانية
لبنان: احترام الدستور أو الانهيار: في محوريّة نيل الثقة - شبلي ملاّط
تنصّ المادة 64 من الدستور اللبناني على أن رئيس مجلس الوزراء "يجري الإستشارات النيابية لتشكيل الحكومة ويوقّع مع رئيس الجمهورية مرسوم تشكيلها. وعلى الحكومة أن تتقدم من مجلس النواب ببيانها الوزاري لنيل الثقة في مهلة ثلاثين يوماً من تاريخ صدور مرسوم تشكيلها. ولا تمارس الحكومة صلاحياتها قبل نيلها الثقة... إلا بالمعنى الضيق لتصريف الأعمال".

إذا أردنا كمواطنين أن نفسّر إلى المواطن، أو كأساتذة قانون دستوري إلى الطالب، معنى "نيل الثقة" البرلمانية من قِبل الحكومة المكلفة، وضّحنا له النصّ بتسلسل زمني في المراحل التالية:
(1) تعيين رئيس الحكومة بعد أيامٍ معدودة من الإستشارات، وقد حصل في زمن مقبول بعد استلام رئيس الجمهورية السلطة، فنتج عنه التكليف وارتاحت له البلاد.

(2) يتبع التكليف استشارات نيابية لتشكيل الحكومة ويشترك الرئيسان في التوقيع على مرسوم التشكيل. نحن إذاً في المرحلة السابقة لمرسوم التشكيل. مدّته الزمنية؟ الدستور لا يحدّدها بشكل صارم، كما أنه لم يحدّد في المرحلة الأولى المدى الزمني للاستشارات النيابية المؤدية إلى تعيين رئيس الحكومة. إن المنطق السليم، والتجربة الطبيعية في أية دولة برلمانية ديموقراطية، يوجب أياماً معدودة ينتج عنها مرسوم التشكيل.

(3) أما لماذا لم يرَ الدستور حكمةً في تعداد هذه الأيام، فلأن مرسوم التشكيل مرتبط مباشرةً بالمرحلة الثالثة، وهي الأهم على الإطلاق، هي مرحلة نيل الثقة. هنا الدستور قلقٌ على المهل، لأنّه يمنع الحكومة من أن "تمارس... صلاحياتها قبل نيل الثقة... إلا بالمعنى الضيق لتصريف الأعمال". لاحظوا المنطق: الحكومة المكلّفة لا يحق لها أن تمارس صلاحياتها، حتى بعد صدور مرسوم التشكيل، إن لم تنل الثقة. إن نيل الثقة هو المرتكز الأساسي لشرعيتها الدستورية، فنيل الثقة في نظام برلماني هو الشرط الأول والأخير، العنصر المفتاح élément clef للشرعية الحكومية (1). متى حُجبت الثقة عنها زالت شرعيتها، وهذا ينطبق على الحكومة المشكّلة بمرسوم، كما الحكومة التي تعمل أسابيع أو أشهراً بل سنوات. وفي غير حالات الاستقالة التي يرعاها الدستور في مواد أخرى، مثلاً إذا استقال ثلث أعضائها، تبقى الحكومة قائمة طالما الثقة موجودة، والثقة عبارة عن تصويت الأغلبية لها في المجلس واستمرار الأغلبية في إضفاء هذه الصفة الديموقراطية الشرعية لها.

مختصر المراحل اذاً: (1) استشارات نيابية تؤدي الى تعيين الرئيس المكلّف. (2) استشارات نيابية تنتهي بمرسوم التشكيل الموقّع من رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة. (3) بيان وزاري لنيل الثقة في غضون الثلاثين يوماً على الاقصى بعد مرسوم التشكيل: "على الحكومة أن تتقدم من مجلس النواب ببيانها الوزاري لنيل الثقة في مهلة ثلاثين يوماً من تاريخ صدور مرسوم تشكيلها". هذه هي المهلة الأساسية التي ينص عليها الدستور لأنّ نيل الثقة هي العنصر الأهم في شرعية الحكومة الدستورية، حتى ما قبل الطائف الذي نصّ عليها لأول مرة بالحرف، يتحدث عنها الفقيه الدستوري الراحل ادمون ربّاط كضرورة قاضية لروح الدستور اللبناني(2).

يكون مسخاً دستورياً إذاً تجاهل المدى الزمني المرتبط حصراً بالمرحلة الثالثة، وهي الأساس، واستبدالها بـ"التمغيط"، وهي الكلمة الرديفة هنا للتعطيل، في المرحلتين السابقتين، أي تعيين الرئيس المكلّف (وهذا لم يحصل في العهد الرئاسي الجديد)، أو إصدار مرسوم التشكيل، وهو الحاصل اليوم معطلاً لنشوء الحكومة.

ربّ سياسيّ مستهجنٍ لهذه القراءة بالارتكاز على السوابق، أو على الميثاقية، أو على سيل من الحجج التعطيلية المختلفة التي تكبّل تشكيل الحكومة. لكنّه مخطئ في قراءته، لأن نيل الثقة فيها لا معنى له إطلاقاً في مثل هذه القراءة. نيل الثقة ليس تحصيل حاصل، ليس موضوعاً مفروغاً منه في دستورنا، لأن نيل الثقة يكرس أيضاً نشوء المعارضة للحكومة، والحكومة بلا معارضة نقص عضال في دولة ديموقراطية. نيل الثقة هو المرتكز الأساسي، وموجود لإفشال حكومة غير قادرة على نيله، والعودة إلى رئيس حكومة جديد، أو مرسوم تشكيل جديد. كلاهما صحّي في الجمهورية، ما ليس صحّياًّ هو المدى المطاط اللامتناهي الذي يرتكز على إفراغ نيل الثقة من معناه، بجرجرة مرسوم التشكيل وكأن التشكيل هو نهاية المطاف الدستوري للحكومة وليس نيل الثقة والاحتفاظ به على امتداد حياتها.

أنتهي بالدستور دارئاً للانهيار بخيار سياسي شخصي يشكّل مثالاً معاكساً لطرحي الدستوري في هذه الدراسة.

جاء خلاص البلد من الفراغ الرئاسي بالاعتماد على الدستور. كنت أفضّل رئيساً آخر لكنّ الدستور أرفع من خياري السياسي. وخياري السياسي اليوم حكومة من التكنوقراط بدل أكلة الجبنة المهترئة التي تشكّلها حكومة من السياسيين المخضرمين. إنما الدستور أرفع من خياري السياسي هنا أيضاً. متى يتأخر تشكيل الحكومة يطلّ الانهيار خطراً متنامياً، لأن المرتكز الدستوري المحوري لتشكيل الحكومة، وهو نيلها الثقة، يتمّ تجاهله كأن الثقة تحصيل حاصل، بدلاً من وضعها في صلب نجاح أو إخفاق يمليه الدستور على الحكومة المشكّلة.

الحلّ الدستوري أرقى من الخيارات السياسية، فليتفضّل رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة بإصدار التشكيلة الوزارية بلا تباطؤ ليضعها رئيس الحكومة مع البيان الوزاري في غضون شهر على الأكثر أمام المجلس لتصويته الديموقراطي عليها نيلاً للثقة، ويؤدي النواب فريضتهم الدستورية باعطائهم الثقة للحكومة أو حجبها عنها.

(1) العبارة للاستاذ بشارة منسى في تعليقه على المادة 64 من الدستور في Dictionnaire de laConstitution، بيروت 2010، ص 327.
(2) Edmond Rabbath, La Constitution Libanaise. Origines, Textes et Commentaire, Beyrouth 1982, p.449 : besoin impérieux de l'esprit

محامٍ وأستاذ قانون


الآراء والمقالات المنشورة في الموقع لا تعبر بالضرورة عن رأي الشبكة العربية لدراسة الديمقراطية
 
تعليقات القراء (0)
اضف تعليقك

اطبع الكود:

 لا تستطيع ان تقرأه؟ جرب واحدا آخر
 
أخبار ذات صلة
ماكرون يتوقع الأسوأ... والحريري يدرس الاعتذار
الفاتيكان يدعو البطاركة إلى «لقاء تاريخي» لحماية لبنان
البنك الدولي: لبنان يشهد إحدى أسوأ الأزمات الاقتصادية العالمية منذ منتصف القرن 19
عون: الحريري عاجز عن تأليف حكومة
اشتباكات متنقلة في لبنان على خلفيّة رفع صور وشعارات مؤيدة للأسد
مقالات ذات صلة
نوّاف سلام في «لبنان بين الأمس والغد»: عن سُبل الإصلاح وبعض قضاياه
حروب فلسطين في... لبنان - حازم صاغية
حين يردّ الممانعون على البطريركيّة المارونيّة...- حازم صاغية
جمهوريّة مزارع شبعا! - حازم صاغية
عن الحياد وتاريخه وأفقه لبنانياً
حقوق النشر ٢٠٢٤ . جميع الحقوق محفوظة