السبت ٢٧ - ٤ - ٢٠٢٤
 
التاريخ: شباط ١٧, ٢٠١٧
المصدر: جريدة الحياة
لبنان: الأزمة السياسية والتوتر الأمني؟ - خالد غزال
لا يزال حديث قانون الانتخابات طاغياً على الحياة السياسية في لبنان. جميع الكتل السياسية – الطائفية تتحدث عن ضرورة وضع قانون عادل وعصري ولا يلغي تمثيل أحد من الطوائف أو الكتل السياسية. أما كيف يكون عادلاً وعصرياً وتمثيلياً، فلا أحد يشرح تلك المعادلة الأشبه بالكلمات المتقاطعة. ما يمكن الجزم به أن البلد يعيش منذ أشهر في حفلة تكاذب مشترك من قبل الجميع من دون استثناء. فالمدقق في مشاريع القوانين المطروحة، سواء منها ما يقول بالأكثري أو المختلط أو النسبي، سيكتشف أن المشروع المطروح يهدف إلى «اقتناص» أكبر عدد من المقاعد النيابية على حساب أطراف أخرى، ما يجعل المشاريع المطروحة غير عادلة وغير تمثيلية وغير عصرية خلاف الادعاءات المطروحة.

إن معركة قانون الانتخاب هي الاسم الحركي لأزمة نظام المحاصصة الطائفية الموضوع مع اتفاق الطائف في 1989. وهو في جوهره تعبير عن تغيرات في موازين القوى الطائفية بعد ثلاثة عقود من نظام حمل في جوهره غلبة فئة طائفية على أخرى، وتكرست الغلبة بهيمنة الخارج السوري الذي سيّج هذه الغلبة بوصايته على السلطة وإدارة شؤون البلاد لعقدين من الزمن.

حتى الآن، لا يبدو أن القوى السياسية – الطائفية قادرة على الوصول إلى تسوية تنتج قانوناً للانتخابات يتعاطى معه الجميع بأنه سيؤسس للتوازنات السياسية الجديدة، ويعيد تكوين السلطة على قاعدة التغيرات المحتملة، خصوصاً من جانب الثنائية المسيحية التي تعمل لتعديل التوازنات الحالية بما يلغي الغبن الذي لحق بها زمن الوصاية السورية. في المقابل، تسعى الثنائية الشيعية إلى طرح قانون يقول بالنسبية الكاملة على قاعدة لبنان دائرة واحدة، يهدف إلى اكتساح معظم المقاعد النيابية على قاعدة غلبة العدد طائفياً. فيما تحاول السنية السياسية طرح قانون يضمن لها الموقع المتميز الذي نالته بعد اتفاق الطائف وكرّس لها موقعاً خاصاً في المعادلة الطائفية القائمة. أما سائر الطوائف والمذاهب التي تعتبر من الأقليات، فهي تلهث لمنع تمرير قانون يطيح بمواقعها والحصص التي نالتها في انتخابات سابقة.

يمر الوقت سريعاً على اقتراب الاستحقاقات الدستورية المتعلقة بالانتخابات التي لا بد أن تجرى على القانون النافذ حالياً، أي ما يعرف بقانون الستين، الذي يشهر الجميع عليه سيف انعدام العدالة في التمثيل. أخطر ردود الفعل على رفض القانون تلك الدعوات المشجعة للفراغ لمنع نفاذ الانتخابات. إن الدعوة إلى تشجيع الفراغ هي دعوة لأخذ البلد إلى المجهول. والمجهول، كما تعرفه المحطات السياسية في تاريخ لبنان، هو المقدمة الشرعية لانفلات الشارع والاحتكام إلى العنف سبيلاً لحسم الصراع. لا يقع هذا الكلام في باب التهويل، فالدعوات بدأت تلوّح بهذا المسلك، وتأتي من القوى الممسكة بالسلطة أولا، لتتوسع إلى سائر القوى. وإذا ما انفلت الشارع، في ظل الاحتقان الطائفي والمذهبي المندلع راهناً، فلا أحد يمكن له أن يتنبأ بالنتائج التي ستفرزها حركة الشارع.

لا يخفى أن دعوات انطلقت منذ سنوات إلى تجاوز اتفاق الطائف ونظام المحاصصة الناجم عن تطبيقه. وهي دعوات صدرت عن الثنائيتين الشيعية والمسيحية. اتخذت الدعوة إلى التعديل صيغة مؤتمر تأسيسي يعيد النظر في توزيع السلطة الطائفية. لا شك أن كل طرف يضمر أهدافاً من المؤتمر، فالمسيحية السياسية تطمح إلى استعادة مواقع النفوذ التي خسرتها نتيجة الحرب الأهلية وما كرّسه اتفاق الطائف من نزع صلاحيات الرئيس وبعض المؤسسات. والثنائية الشيعية ترى أن موقعها، على مختلف الصعد السياسية والاقتصادية والثقافية، لم يعد متناسباً مع موقعها الحالي في السلطة، لذا كانت الدعوة صريحة إلى استبدال المناصفة بالمثالثة.

من المهم أن يعيد اللبنانيون النظر في نظامهم بعد كل فترة من تطبيقه، لكن منطق المحاصصة الطائفية وصراع الطوائف على أخذ أكبر الحصص على حساب الطوائف الأخرى، لا يبشر بإمكان التوافق على تسوية سلمية.

تاريخ البلد شاهد على الانفجار الأهلي في كل محطة ترى فيها طائفة معينة أن موازين القوى الجديدة تفرض تعديلاً في التسوية الطائفية ولو بالقوة. لذا كان قانون الاحتراب الأهلي قانوناً ملازماً لكل مطلب تغييري في طبيعة النظام.

قد لا يدرك اللبنانيون أن اندفاعهم في إيصال الأزمة السياسية إلى أعلى ذراها، يترافق مع غياب أي قوى خارجية تساعدهم على حل الأزمة. بل على العكس، إن مسار المنطقة العربية يؤشر إلى مزيد من الفوضى والحروب الأهلية، التي يصعب على لبنان أن تظل نارها بعيدة عنه. فهل تصحو أهلية لبنانية ما على الأخطار المقبلة على البلد فتعمل على تسوية سلمية تمنع الانفجار العنفي؟
 

* كاتب لبناني


الآراء والمقالات المنشورة في الموقع لا تعبر بالضرورة عن رأي الشبكة العربية لدراسة الديمقراطية
 
تعليقات القراء (0)
اضف تعليقك

اطبع الكود:

 لا تستطيع ان تقرأه؟ جرب واحدا آخر
 
أخبار ذات صلة
ماكرون يتوقع الأسوأ... والحريري يدرس الاعتذار
الفاتيكان يدعو البطاركة إلى «لقاء تاريخي» لحماية لبنان
البنك الدولي: لبنان يشهد إحدى أسوأ الأزمات الاقتصادية العالمية منذ منتصف القرن 19
عون: الحريري عاجز عن تأليف حكومة
اشتباكات متنقلة في لبنان على خلفيّة رفع صور وشعارات مؤيدة للأسد
مقالات ذات صلة
نوّاف سلام في «لبنان بين الأمس والغد»: عن سُبل الإصلاح وبعض قضاياه
حروب فلسطين في... لبنان - حازم صاغية
حين يردّ الممانعون على البطريركيّة المارونيّة...- حازم صاغية
عن الحياد وتاريخه وأفقه لبنانياً
جمهوريّة مزارع شبعا! - حازم صاغية
حقوق النشر ٢٠٢٤ . جميع الحقوق محفوظة