الجمعه ١٩ - ٤ - ٢٠٢٤
 
التاريخ: نيسان ٢٢, ٢٠١٧
المصدر: جريدة النهار اللبنانية
الضربة الأميركية: تغيير استراتيجي أم فرض عدم تغيير قواعد اللعبة؟ - ناصيف حتي
اعتبر البعض ان الضربة الصاروخية التي قامت بها الولايات المتحدة ضد القاعدة العسكرية في سوريا ردّاً على استعمال السلطات السورية للسلاح الكيميائي، بمثابة تغيير جذري في السياسة الاميركية او قطيعة مع شعارات "المرشح" ترامب وكذلك مع مواقف الرئيس ترامب في الشهرين الاولين من ولايته. ولكن بعض المراقبين اعتبر ان ما حصل لا يشكل بعد تغييراً جذرياً في السياسة بل هي رسالة حازمة الى السلطات السورية والى جميع اللاعبين الدوليين والاقليميين بأن هناك خطوطا حمرا لا تسمح الادارة الاميركية الجديدة بتجاوزها. ويقول في هذا السياق وزير الدفاع الاميركي السابق وليم كوهين " ان ضربة واحدة لا تصنع استراتيجية". 

الصواريخ الاميركية الموجّهة ضد القاعدة العسكرية الجوية السورية حملت رسائل عدة في اتجاهات مختلفة:

أولاً: رسالة الى الداخل الاميركي؛ فهي بمثابة قطيعة مع سياسات اوباما التي افقدت الولايات المتحدة صدقيتها، وبالتالي مكانتها الدولية حسب ترامب، اذ كانت قيادة ضعيفة، مساومة ومترددة. ومن المفارقة في هذا المجال ان ترامب كان ضد التدخل الاميركي العسكري في سوريا وكان يعتبر انه اذا كان اوباما يريد القيام بعمل عسكري، فعليه بداية الحصول على موافقة الكونغرس.

ثانياً: كانت رسالة الى الاصدقاء والحلفاء الدوليين والاقليميين في شأن الحزم والجدية عند الادارة الاميركية الجديدة مما يعزز موقعها وصدقيتها عند هؤلاء وخصوصا في الشرق الاوسط حيث عانى حلفاء الولايات المتحدة في بيئة تتسم بتزايد التهديدات الايرانية لهؤلاء وبازدياد الازمات المشتعلة حدةً والتي تهدد مصالحهم بغياب وتردّد ووهن طبع السياسة الاميركية مما شجّع الخصوم على التمادي بسياساتهم.

ثالثاً: رسالة الى الخصوم في الشرق الاوسط وخارجه وبالأخص الى ايران وكوريا الشمالية بأنه من المحرمات اللجوء الى خيار الاسلحة غير التقليدية اذ انه سيكون هناك ردّ اميركي عسكري على القيام بذلك.

رابعاً: ان الرئيس الاميركي غير مقيّد في ما يتعلق باللجوء الى العمل العسكري. فهو ينتمي بقوة الى مدرسة الواقعية السياسية التي تعتبر ان القوة العسكرية هي أداة اساسية في ادارة العلاقات الدولية. واذا كانت هنالك تداعيات سلبية لاستعمالها في الماضي، فإن ذلك عائد للسياسة التي وظفت عملية اللجوء الى القوة العسكرية ولم تحسم ادارة تداعياتها وليس الى مبدأ اللجوء الى القوة العسكرية. فاذا كان ترامب ضد سياسات التغيير الديموقراطي والتدخل لدعم هذا التغيير باعتبار ان الاستقرار بعيداً عن اي عنوان عقائدي اصلاحي او تغييري هو الهدف الأسمى، فان ذلك لا يعني السماح بسياسات تهدّد الاستقرار.

خامساً: رسالة تقول بتعزيز الدور الاميركي في سوريا عبر الورقة العسكرية خدمة لأهداف واشنطن وليس لأهداف حلفائها في الشأن السوري.

سادساً: رسالة تقول ان اميركا قد تتحمل بعض التوتّر المقيّد في العلاقات مع روسيا وبعض الاشكال الديبلوماسي الناتج عن هذه الضربة، ولكن تبقى الادارة الاميركية مدركة ان هذه الضربة لن تؤثر في مضمون علاقات التعاون والتفاهم مع روسيا التي هي في حاجة للتقارب مع واشنطن، نظراً الى وجود اهداف مشتركة في سوريا وخارجها، وان هذه الضربة بمثابة رسالة الى السلطات السورية لعدم الخروج عن "قواعد اللعبة العسكرية" او "قواعد الانخراط" Rules of engagement.

 سابعاً: ان الحديث "الجديد" عن سلة اولويات اميركية تتضمن الى جانب محاربة داعش، مواجهة ايران وتغيير النظام في سوريا قد تساعد في تعزيز الاندفاع نحو حل سياسي سلمي في سوريا، اذ لن تستطيع بعد ذلك السلطات السورية ان تتصور ان اولوية محاربة داعش وفّرت لها ضوءاً اخضر اميركياً لتحقيق اهدافها بكل الوسائل وبشكل مطلق. كذلك الامر بالنسبة الى ايران التي كانت تشعر بأن اولوية محاربة داعش بالمطلق من جانب الولايات المتحدة، رغم الاستمرار في سياسة الاشتباك الخطابي والعقائدي بين طهران وواشنطن، يسمح لها بتعزيز وضعها الاقليمي.

ثامناً: ستستمر محاربة داعش، دون شك، بمثابة الاولوية المطلقة. لكن تعزيز الحرب ضد داعش يستدعي الانخراط القوي في العمل مع موسكو أولاً، وبالتالي مع كل القوى المؤثرة في العمل على اطلاق التسوية السياسية السلمية في سوريا. التسوية التي تشارك فيها كل اطياف الشعب السوري من دون اقصاء لأي طرف.

ان تسوية الازمة السورية، التي دونها تحديات كبيرة بلا ريب، تستدعي ايضاً بلورة موقف عربي فاعل ومؤثر في صياغة هذه التسوية، بعد سطوع الغياب العربي الفعلي كما دلّ على ذلك مؤتمر الأستانة وما تلاه من مسار، خصوصا ان العرب هم أكثر المعنيين بمنع الانهيار السوري التدريجي الذي يؤسس لحالة فوضى مطلقة في المنطقة تطال كل الاطراف.

كاتب سياسي


الآراء والمقالات المنشورة في الموقع لا تعبر بالضرورة عن رأي الشبكة العربية لدراسة الديمقراطية
 
تعليقات القراء (0)
اضف تعليقك

اطبع الكود:

 لا تستطيع ان تقرأه؟ جرب واحدا آخر
 
أخبار ذات صلة
تقرير لوزارة الخارجية الأميركية يؤكد حصول «تغييرات طائفية وعرقية» في سوريا
انقسام طلابي بعد قرار جامعة إدلب منع «اختلاط الجنسين»
نصف مليون قتيل خلال أكثر من 10 سنوات في الحرب السورية
واشنطن تسعى مع موسكو لتفاهم جديد شرق الفرات
دمشق تنفي صدور رخصة جديدة للهاتف الجوال
مقالات ذات صلة
سوريا ما بعد الانتخابات - فايز سارة
آل الأسد: صراع الإخوة - فايز سارة
نعوات على الجدران العربية - حسام عيتاني
الوطنية السورية في ذكرى الجلاء! - اكرم البني
الثورة السورية وسؤال الهزيمة! - اكرم البني
حقوق النشر ٢٠٢٤ . جميع الحقوق محفوظة