الثلثاء ٣٠ - ٤ - ٢٠٢٤
 
التاريخ: شباط ٩, ٢٠١٦
المصدر : جريدة الحياة
مصر
المصريون ينتظرون زيادة الأسعار رغم امتناع الوزراء عن سرد «الحكاية»
القاهرة - أمينة خيري 
العين بصيرة واليد قصيرة. والطموحات كانت كبيرة، لكنها صارت صغيرة، ثم تحولت إلى رجاء أن يبقى الحال على ما هو عليه، لكن بقاء الحال من المحال. وقد أحالت تداخلات الرئيس عبدالفتاح السيسي مع الوزراء أثناء افتتاح مشاريع وجسور عدة قبل ثلاثة أيام، ملايين المصريين من حال الرجاء المشوب بالحذر إلى حال الخوف المشوب بالقلق.

ورغم إيجابية الرئيس وتعهداته الدائمة بأن «مصر هاتبقى قد الدنيا» وليس فقط أمها، إلا أن تكراره عبارة «قولوا للناس الحكاية» الموجهة إلى الوزراء، وإشاراته المتكررة إلى استحالة استمرار الدولة في دعم المياه بالشكل الراهن، أو بيع الوحدات السكنية الحكومية لمتوسطي الدخل بالأسعار الحالية، أو تقديم الخدمات بالقيمة الحالية، أدت إلى ترقب مشوب بالخوف لدى ملايين المصريين وآخر مشوب بالشوق لدى العشرات منهم.

فالتجار والموردون يعدون الدقائق والثواني استعداداً لإطلاق العنان لرفع أسعار السلع، وذلك في رد فعل تجاري لأي حديث أو تلويح أو تلميح إلى زيادة في أسعار خدمات هنا أو رفع لقيمة بضائع هناك، سواء أكانت ذات صلة بتجارتهم أو لا. وفي المقابل، لا يتحدث المصريون حالياً إلا عن المجهول المتوقع والمكروه الذي يلوح في الأفق. فالأسعار إلى زيادة، إن لم يكن اليوم فغداً، وإن لم يكن في سلع لا يستهلكونها أو يقدرون على تقليصها، فالتجار والموردون قادرون على توليعها وتوليع ما حولها.

حوّل الجميع دفة الاهتمام من «ألتراس» ومبادرة الرئيس للحوار مع روابط مشجعي كرة القدم، وبعيداً من البساط المثير للقيل والقال في افتتاح المشاريع الذي فُرِد لسيارات الموكب الرئاسي بلا داعٍ، وبديلاً عن خناقة أمناء الشرطة مع الأطباء، وعوضاً عن حقن أعين مواطنين بمادة وإصابة بعضهم بالعمى والبعض الآخر بعاهات، وصالت الأحاديث وجالت النقاشات حول ماذا كان يقصد الرئيس بالتلميح إلى أسعار الخدمات.

وللمرة الأولى يحدث انشقاق ويتم امتناع عن السير في ركب القضايا المطروحة ليلاً في الـ «توك شو»، والتي جرى العرف على اعتبارها مادة النقاش النهارية، فلا المواطنون يتحدثون عن «سد النهضة» ودراساته، أو مستشفى المطرية وخناقاته، أو قطاع أمناء الشرطة وموبقاته، أو مواجهة الإرهاب في سيناء والداخل، بل الحديث كله تكهنات وتوقعات يشوبها قليل من الرجاء وكثير من الدعاء بأن يبقى الحال على ما هو عليه.

الحال كان حتى أيام قليلة سابقة صعباً وقاسياً ومطالباً بالتحسن، سواء بزيادة رواتب، أو خفض أسعار، لكنه تحول بعد حديث الرئيس إلى «نعمة وفضل». المثير أن الأحاديث الشعبية والنقاشات المجتمعية كشفت فهماً متفاوت الدرجات ومعرفة متراوحة المصادر وخبرة متراكمة التاريخ مفادها أن الدعم إلى زوال، والأسعار إلى ارتفاع، والشعب إلى إنتاج وإلا فالاقتصاد إلى مزيد من التدهور، والبطالة نحو قدر أكثر من التفجر، والبلاد إلى نوع من التحلل.

تحليل اهتمام المواطنين الحالي بهاجس الأسعار وقيمة الخدمات وتجاهلهم الأخبار ذات القدر الأكبر من السخونة، سواء عن تمددات «داعش» في ليبيا، أو تحركات التحالف في سورية، أو العداء المتصاعد بين مملكة أمناء الشرطة ونقابة الأطباء، أو فضائح الفنانين حيث من تزوج من دون علم من، ومن سب من دون الرجوع إلى مدير أعمال من، وتصريحات النواب عن لقاءاتهم مع الوفود الدولية ومنها وفد البرلمان الأوروبي وإخبارهم بـ «قرف الشعب المصري منهم» وتحذيرهم من مغبة أعمالهم، يعكس جيداً أولويات القاعدة الأعرض من المصريين.

المصريون الذين باتوا يعرفون أن جيوش الباعة الجوالين وجحافل الخريجين المنتظرين تعيين الحكومة وملايين الموظفين المكتفين بأداء جزء من مهام عملهم من منطلق «على قد فلوسهم» يرفضون رفضاً تاماً إعادة التأهيل لشغل وظائف ذات إنتاجية أو التدريب على أعمال تحتاج حرفية (وفق ما قال الناظر المتقاعد قبل عقدين من الزمان)، وأن استمرار قيام الحكومة بدور «بابا» و «ماما» وأحياناً «عمو» و «طنط» أمر فيه استحالة (وفق ما أشار صديقه الطبيب الذي تحول بعد التقاعد إلى الكتابة)، وأن تغيير ثقافة العمل وتبديل أولويات التشغيل وتعديل الأدمغة في التعليم والتدريب أمر لابد منه (وفق ما أكد ثالثهما المحاسب المستمر في إدارة مكتبه رغم بلوغه السبعين) يعرفون أن الوضع بالغ الصعوبة.

الصعوبة الحالية تنبع إلى حد ما من الثقافة السائدة بأن الحكومة عليها حل المشاكل كافة بأقل كلفة وأسرع وقت، وإلى حد متوسط من أن الوضع الاقتصادي صعب والفئات الأكثر فقراً قاربت على الانفجار لفرط الانضغاط، وإلى حد كبير من أن مصادر الدخل المعتادة من سياحة وعوائد قناة السويس وتصدير إما متعثرة أو متعسرة أو متوقفة، وإلى حد مهول من أن الوزراء والمسؤولين يتعففون وربما يمتنعون أو يتجنبون مصارحة المواطنين بحقيقة الأوضاع ومخاطر الانتظار وأهوال الامتناع عن أن يقولوا للناس «الحكاية».


 
تعليقات القراء (0)
اضف تعليقك

اطبع الكود:

 لا تستطيع ان تقرأه؟ جرب واحدا آخر
 
أخبار ذات صلة
منظمة حقوقية مصرية تنتقد مشروع قانون لفصل الموظفين
مصر: النيابة العامة تحسم مصير «قضية فيرمونت»
تباينات «الإخوان» تتزايد مع قرب زيارة وفد تركي لمصر
الأمن المصري يرفض «ادعاءات» بشأن الاعتداء على مسجونين
السيسي يوجه بدعم المرأة وتسريع «منع زواج الأطفال»
مقالات ذات صلة
البرلمان المصري يناقش اليوم لائحة «الشيوخ» تمهيداً لإقرارها
العمران وجغرافيا الديني والسياسي - مأمون فندي
دلالات التحاق الضباط السابقين بالتنظيمات الإرهابية المصرية - بشير عبدالفتاح
مئوية ثورة 1919 في مصر.. دروس ممتدة عبر الأجيال - محمد شومان
تحليل: هل تتخلّى تركيا عن "الإخوان المسلمين"؟
حقوق النشر ٢٠٢٤ . جميع الحقوق محفوظة