الأحد ٢٨ - ٤ - ٢٠٢٤
 
التاريخ: تموز ٢١, ٢٠١٤
المصدر : جريدة النهار اللبنانية
الشرق الأوسط وشمال أفريقيا
مأساة مسيحيي الموصل تقوّض شعار "ثورة الظلم" الذي ترفعه الجماعات السنّية
بغداد – فاضل النشمي 
منذ ان صدر البيان المشؤوم لتنظيم "الدولة الاسلامية" قبل ثلاثة أيام، والمتعلق بمسيحيي الموصل، والذي خيرهم بين دفع الجزية أو الإسلام او مغادرة المدينة، والأخبار الواردة من الموصل تتحدث عن حكايات أغرب من الخيال، حول الطريقة التي تعاملت بها جماعة ما يسمى "ولاية نينوى" مع المواطنين المسيحيين في الموصل. فقد أبلغ أكثر من مصدر "النهار" ان غالبية العائلات المغادرة تعرضت لحملة "تسليب" منظمة من الجماعة المسلحة، وصلت في بعض الأحيان الى حد انتزاع علب الدواء!

وفضلاً عن مصادرة منازل العائلات المسيحية وختم واجهاتها بدائرة وسطها "حرف نون"، في اشارة الى ان المنزل يعود الى "نصارى"، تقول المصادر إن "الدولة الاسلامية" تصادر الأموال المنقولة من العائلات، ولا تسمح لاحد بالخروج الا وهو عار تماماً من كل شيء سوى رحمة الله وما يرتديه من ملابس تقيه حر الصيف اللاهب.

وأعلنت لجنة استقبال المهجرين في أربيل عن وصول أكثر من 600 اسرة، وان ما يقل عن 10 آلاف مواطن مسيحي وصلوا الى اقليم كردستان، الى مئات الاسر التي نزحت الى المناطق المسيحية في سهل نينوى التي بقيت خارج حدود "الدولة الاسلامية".
وتفيد الأنباء الواردة من اربيل ان أكثر العائلات تعيش في ظروف قاسية وتعاني الامرّين قبل دخول اربيل والحصول على أماكن سكن لائقة.

وعلى رغم تعرض المسيحيين في بغداد وغيرها لعمليات استهداف من الميليشيات المختلفة وتنظيم"القاعدة" منذ عام 2003، الا ان مأساة الموصل لم يسبق لها مثيل في السنين العشر الاخيرة.
 
ثورة ضد الظلم!
وكرر رئيس الوزراء المنتهية ولايته نوري المالكي، امس، ما درج على قوله دوماً، من ان ما يجري في المناطق السنية أعمال "ارهاب" وليس "ثورة ضد الظلم" كما يدعي بعض الجهات السنية التي رفعت السلاح في وجه الحكومة. وقال في بيان أصدره مكتبه أن ما يقوم به تنظيم "الدولة الاسلامية" ضد المسيحيين في محافظة نينوى واعتداءهم على الكنائس ودور العبادة يكشف خطورة تلك الجماعة على الانسانية ويكشف زيف الادعاءات عن وجود "الثوار".

وبصرف النظر عن التوصيفات التي يطلقها المالكي عادة عن الاحداث في المحافظات السنية، فان عدداً غير قليل من المحليين والمراقبين للشأن المحلي العراقي، يرون ان اعلان زعيم "الدولة الاسلامية" أبو عمر البغدادي "دولة الخلافة" في الموصل والحملة الشرسة التي اطلقها ضد المواطنين المسيحيين، يقوضان إلى حد كبير ما يردده بعض المجاميع المسلحة وشيوخ العشائر السنّة الذين يقاتلون الحكومة، من ان ما يجري في محافظاتهم "ثورة" على ظلم حكومة المالكي.

وفي الفاتيكان، قال البابا فرنسيس في صلاة التبشير الملائكي الاسبوعية من شرفة الفاتيكان المطلة على ساحة بازيليك القديس بطرس: "لقد تلقيت بقلق الأنباء الواردة من الجماعات المسيحية في الموصل بالعراق ومناطق أخرى من الشرق الأوسط... تعيش هذه الجماعات منذ بداية المسيحية مع مواطنيها... وهي تتعرض الآن للاضطهاد". وأضاف: "اخوتنا مضطهدون، يُطردون وعليهم أن يغادروا منازلهم من غير أن يتسنى لهم إمكان أن يحملوا معهم شيئاً. أؤكد لهذه العائلات ولهؤلاء الأشخاص قربي منهم وصلاتي المستمرة من أجلهم... إني أعرف كم أنتم تتألمون، وأعرف أنكم جُردتم من كل شيء. أنا معكم في الإيمان بمن انتصر على الشر".



مسيحيو العراق طوائف مهدّدة تُرغم على الهجرة والمنفى

مسيحيو العراق الذين يفرون بالالاف منذ الجمعة من مدينة الموصل في شمال العراق بعدما وجه الجهاديون في تنظيم "الدولة الاسلامية" اليهم انذارا، مجموعة مهددة وقد هجر عدد كبير منهم البلاد في السنوات الاخيرة.

ووجه التنظيم الجهادي المتطرف الذي يسيطر على الموصل منذ حزيران الجمعة انذاراً أمهل فيه المسيحيين الذين يشكلون أقلية بضع ساعات لمغادرة مدينتهم والا كان مصيرهم التصفية. وكان هذا التنظيم خير الاسبوع الماضي المسيحيين في ثانية مدن العراق بين اعتناق "الاسلام" أو "عهد الذمة" أي دفع الجزية، مهدداً بانهم "إن أبوا ذلك فليس لهم إلا السيف".

وقبل الاجتياح الاميركي عام 2003 كان عدد المسيحيين في العراق يزيد عن المليون، منهم أكثر من 600 الف في بغداد و60 الفاً في الموصل، لكنهم كانوا موزعين أيضاً في مدينة كركوك الغنية بالنفط في الشمال ومدينة البصرة في الجنوب.

الا انه نتيجة أعمال العنف الدامية التي هزت البلاد منذ ذلك العام لم يعد عددهم يزيد اليوم عن 400 الف في كل مناطق العراق، نصفهم في نينوى التي تعد الموصل عاصمتها.
وكان بطريرك الكلدان في العراق والعالم لويس ساكو صرح الجمعة بأن مغادرة المسيحيين وعددهم نحو 25 الف شخص ثانية كبرى مدن العراق التي تضم نحو 30 كنيسة يعود تاريخ بعضها الى نحو 1500 سنة، كانت نتيجة توزيع تنظيم "الدولة الاسلامية" بياناً يطالبهم بتركها.

وقبيل موجة النزوح من الموصل، شهدت قرى قريبة من هذه المدينة الاستراتيجية حالات نزوح كبيرة لسكان مسيحيين خوفا من دخول المسلحين المتطرفين اياها، ومنها بلدة برطلة المسيحية التي يعيش فيها نحو 30 الف شخص وتقع شمال الموصل.

واستناداً الى التقاليد، دخلت المسيحية العراق مع القديس توما الرسول أواخر القرن الاول للميلاد. والاكثر ترجيحاً ان المسيحية في هذه البلاد تعود الى القرن الثاني بعد الميلاد. والكلدان يمثلون الغالبية العظمى من مسيحيي العراق، والكنيسة الكلدانية الكاثوليكية التي تتبع الطقوس الشرقية تعد أكبر الكنائس المسيحية في هذا البلد. كما تعتبر الكنيسة الكلدانية التي تعتمد اللغة الارامية - لغة السيد المسيح - من أقدم الكنائس المسيحية. وهي منبثقة من العقيدة النسطورية التي تخلت عنها في القرن السادس عشر مع الاحتفاظ بشعائرها. أما سائر الكاثوليك، فهم السريان الكاثوليك والارمن الكاثوليك والكاثوليك اللاتين.

ومن المسيحيين من غير اتباع المذهب الكاثوليكي الاشوريون (النساطرة) الاكثر عددا فيما تتوزع البقية بين السريان الارثوذكس والارمن الارثوذكس.
وخلال عشر سنين هوجمت 61 كنيسة وقتل نحو الف مسيحي، ولكن ليس جميعهم في هجمات استهدفتهم مباشرة، بحسب البطريرك ساكو. والاعتداء الاكثر دموية حصل في 31 تشرين الاول 2010، عندما قتل 44 مصلياً وكاهنان في هجوم شنه تنظيم "القاعدة" على كاتدرائية السريان الكاثوليك في
بغداد.



 
تعليقات القراء (0)
اضف تعليقك

اطبع الكود:

 لا تستطيع ان تقرأه؟ جرب واحدا آخر
 
أخبار ذات صلة
من "ثورة الياسمين" إلى "الخلافة الإسلامية"... محطّات بارزة من الربيع العربي
لودريان: حرب فرنسا ليست مع الإسلام بل ضد الإرهاب والآيديولوجيات المتطرفة
نظرة سوداوية من صندوق النقد لاقتصادات الشرق الأوسط: الخليج الأكثر ضغوطاً... ولبنان ‏الأعلى خطراً
دراسة للإسكوا: 31 مليارديرًا عربيًا يملكون ما يعادل ثروة النصف الأفقر من سكان المنطقة
الوباء يهدد بحرمان 15 مليون طفل شرق أوسطي من الحصول على لقاحات
مقالات ذات صلة
المشرق العربي المتروك من أوباما إلى بايدن - سام منسى
جبهات إيران الأربع والتفاوض مع الأمريكيين
إردوغان بوصفه هديّة ثمينة للقضيّة الأرمنيّة
إيران أو تحويل القضيّة فخّاً لصاحبها - حازم صاغية
عن تسامح الأوروبيين ودساتيرهم العلمانية الضامنة للحريات - عمرو حمزاوي
حقوق النشر ٢٠٢٤ . جميع الحقوق محفوظة