السبت ٢٠ - ٤ - ٢٠٢٤
 
التاريخ: آذار ٣, ٢٠١٥
المصدر : جريدة الحياة
سوريا
تحقيق: سورية: مئات المواقع الأثرية مدمرة ومنهوبة... ودول الجوار معبر المهربين
يارا وهبي  
لم يبق شيء في سورية لم تتم المتاجرة به ونهبه والتاريخ يذهب أدراج الريح، أمام أعين الجميع، فلا قلعة حلب استطاعت أن تصمد أمام التفجيرات، ولا الأوابد الأثرية في دير الزور بقي منها شيء يذكر، ولا الجامع الأموي استمر رمزاً لحضارة الإسلام، وكنيسة الزنار أيضاً لم تصمد لتحكي حكاية السيدة مريم التي أضاعت زنارها في حارات حمص. وكما يقول السوريون،» لقد فقدنا ذاكرتنا الجمعية».

القصف هو السبب الأساسي

في الوقت الذي كانت تنهال قنابل النظام علينا، كنا نفكر فقط بمن يموت نتيجتها، ولم تكن لتشغلنا الآثار والأوابد ولا التراث الشعبي من المنازل الطينية، ولا حضارة ماري ولا أفاميا. ولكن باستمرار القصف الممنهج على مدن سورية، راحت قائمة الضرر تكبر، وعن هذا يقول شيخموس علي وهو دكتور في آثار الشرق القديم من جامعة ستراسبورغ ورئيس جمعية حماية الآثار السورية لـ «الحياة»: «إن القصف هو أحد أهم الأسباب التي أدت إلى تحطم الآثار في سورية»، ويضيف أسباباً أخرى وهي:

«تحويل المواقع الأثرية إلى ثكنات عسكرية مثل قلعة حلب وموقع تدمر مما أدى إلى تعرض بعضها للقصف مثل قلعة الحصن وتحويل عدد آخر من المواقع إلى ساحات حرب مثل حلب القديمة، يضاف إلى ذلك تعرض بعض المتاحف للقصف مثل متحف الرقة ومعرة النعمان وعدم تأمين وسائل الأمان الكافية لعدد من المتاحف الأثرية التي تعرضت للسرقة مثل متحف معرة النعمان أيضاً ومتحف أفاميا الذي حتى هذا التاريخ تقفل أبوابه بأقفال عادية، يسهل كسرها وسرقة كل ما يوجد في المتحف، كما تم فتح أبواب وكسر أجزاء من جدران متحف حمص الأثري لتسهيل حركة جنود الجيش النظامي، وبالتالي كانت اللقى الأثرية معرضة للسرقة ولا ندري إن فُقدت أعداد منها».

ومن الأخطار الأخرى التي تعاني منها المواقع الأثرية السورية استخدام البلدوزرات في التلال الأثرية تحديداً، بقصد الأعمال الحربية كحفر الخندق أو إنشاء سواتر ترابية أو حفر كبيرة لحماية الدبابات وشق الطرق وهذا الأمر يفعله كل من المعارضة والنظام على حد سواء، إضافة إلى عمليات تكسير الأحجار القديمة التي قام بها في بعض الأحيان الأهالي أنفسهم للحصول على أحجار صغيرة الحجم من أجل بناء بعض الغرف، هذه الظاهرة انتشرت في بعض مواقع المدن الميتة في ريف إدلب.

ويوضح أثريون آخرون، أن القذائف والانفجارات والحرق هي السبب الرئيسي في تدمير الآثار، مثلما حدث في حلب، فيما الحفريات غير القانونية كانت السبب الرئيسي في تدمير البنى التحتية في المواقع الأثرية مثل ماري. كما يلعب التهريب وانعدام عمليات الترميم دوراً إضافياً في خسارة الآثار يوماً بعد يوم. هذا وكانت هيئة الأمم المتحدة بالتعاون مع «يونيسكو» قد نشرت مؤخراً صوراً تم التقاطها عبر الأقمار الصناعية لعدد من المواقع الأثرية، تكشف مدى الدمار الرهيب الذي حل ببعض المواقع الأثرية السورية، حيث كتبت صحيفة فوكس الألمانية: «إن الإنسانية على وشك أن تفقد آلاف السنين من تراثها الثقافي، فقد كشف تحليل الصور أن هناك نحو ٣٠٠ موقع أثري تم تدميره، أو نهبه، إضافة إلى قصور انهارت ومآذن دمرت، ووفقاً لتقرير الأمم المتحدة فإن ٢٤ موقعاً دمرت بالكامل، و١٠٤ مواقع تعاني من أضرار كبيرة، و٨٤ تأثرت تأثراً جزئياً، وأكثر من ٧٧ موقعاً عانت من الأضرار».

«داعش» يتفاخر بما يفعله في هذا المجال، ولكن الحقيقة في الحرب كما في السلم يتحمل الجميع مسؤولية ما يحدث، شيخموس يؤكد: «إن الإعلام أعطى داعش حجماً أكبر من اللازم في ما يخص عملية التهريب، والسبب هو اقتصادي بحت، فالمبالغ التي يجنيها داعش أو الفصائل المسلحة أو أي ضابط من جيش النظام من عملية التهريب هذه لا تعود عليه بالأرباح الكبيرة، في حين تضمن تجارة النفط مثلاً، عوائد مالية أكبر».

ويؤكد كثر أن همجية «داعش» في التعامل مع الآثار هي أكثر خطورة من قيامه بتهريبها، ففي تل عجاجة قام «داعش» بتحطيم تماثيل آشورية تعود إلى الألف الأول والثاني قبل الميلاد، خلال محاولة بعض المهربين تهريبها، وعمد إلى تفجير المراقد الصوفية، فسلوكه تجاه الآثار يحمل بعداً أيديولوجياً، أكثر منه تجارياً يبتغي الربح.

من جهة أخرى، فإن مصادر مطلعة تؤكد أن النظام السوري ليست لديه خطة واضحة لتهريب الآثار، بل على العكس فهو يعلن رفضه لتهريبها، كما تفعل المعارضة الشيء نفسه، لكن الذي يحدث أن مجموعة من الجنود بقيادة ضابط أمن معين تقوم بالحفر في المناطق الأثرية التي تسيطر عليها للحصول على الآثار المطلوبة، في شكل فردي وليس ضمن خطة حكومية. هذا من جهة، ومن جهة أخرى فإن عدم توافر أمن حقيقي للمتاحف السورية والتي تمتلك درراً أثرية، يعتبر سلوكاً استهتارياً من قبل النظام. فقد تم تسجيل حالة سرقة واحدة حتى الآن من متحف حماة عام ٢٠١١، وهو تمثال إله آرامي، وتمت السرقة في شكل كامل من دون خلع أبواب أو شبابيك المتحف، مما يدل على أن سرقة التمثال نفذها من يمتلك مفاتيح المتحف.

وفي الرقة يبدو أن القصص مختلفة عن سرقة متحفها، فهناك جهات أكدت أنه تمت سرقة صناديق من متحف الرقة عندما كان تابعاً لمديرية المتاحف في شكل رسمي، وجهات أخرى ذكرت أن هذه السرقات لم تتم بتواطؤ مع مديرية المتحف.

كيفية التهريب وخطورة التنقيب

عملية التهريب نفسها وفق الخبراء تحتاج إلى خبرة وعلاقات وشبكة واسعة من الاتصالات، وتتم بسرية كاملة، ويلعب الوسطاء دوراً كبيراً فيها، فالتاجر الأجنبي له وسيط في الداخل، يقوم بعرض القطع عليه، وبعد الاتفاق على السعر يقوم الوسيط بإرسال القطعة إلى دول الجوار مثل الأردن أو لبنان أو تركيا، والتي هي عبارة عن دول عبور، منها تخرج القطع إلى أوروبا أو دول الخليج أو أميركا وحتى الصين، وقسم منها يذهب إلى جامعي التحف لتخبئتها وقتاً من الزمن حتى تعود لتباع.

وبما أن القطع الأثرية لا بد لها من المرور على دول الجوار، كان لا بد من تعاونها للحد من حالات التهريب هذه، وفي هذا الصدد قالت ندى الحسن رئيسة قسم الشرق الأوسط في مركز التراث العالمي اليونسكو لـ «الحياة»: «بناء على الاتفاقية الموقعة سنة ١٩٧٠ للحد من الإتجار غير المشروع بالآثار، تقوم «يونيسكو» بإرسال توصيات إلى جميع الدول المحيطة بسورية لتذكرها بهذه الاتفاقية وتحضها على العمل بها، وتنبيهها إلى أنه لا يتوجب عليها شراء أي قطع أثرية سورية غير موثقة وليس معروفاً إذا كانت الدولة السورية توافق على بيعها، وفي هذا الصدد لقت محاولتنا بعض النجاح، ففي لبنان تم القبض على الكثير من القطع الأثرية السورية المهربة وأعيدت إلى الجهات السورية الرسمية، بينما تركيا ذكرت أنها تحتفظ بالقطع الأثرية التي وجدتها وهي أكثر بكثير مما وجده لبنان، إلى حين حلول الوقت المناسب لإعادتها».

ويعمل الأنتربول الدولي على تسجيل جميع القطع الأثرية التي يتم إعلامه بها، على لائحته الخاصة لكي يعمل على مراقبتها دولياً، وحجزها في حال عثر عليها.

سمير عبدالحق الحاصل على دكتوراه في التخطيط العمراني والأمين العام للمجلس الدولي للآثار ICOMOS في فرنسا، والناشط في مجموعة العمل من أجل صون التراث الثقافي في سورية والعراق يقول:» أهمية القطعة المهربة تكمن في معرفة الجهة التي تمتلكها ومصدرها، فإذا لم يعرف مصدرها أنه سوري، تفقد القطعة الأثرية الكثير من قيمتها. القطعة الأثرية تحتاج إلى هوية تعريفية، ومصدر القطعة لا يمكن إثباته إلا من خلال منهجية علمية». وفي هذا الصدد يؤكد عبدالحق أهمية أن تصدر قوانين للحد من عملية الإتجار، فيوضح أن «ألمانيا أصدرت قراراً يمنع التجارة بالقطع الأثرية السورية، ومن شأن هذه القوانين الحد من عملية الإتجار. فأثناء حرب العراق، أصدر مجلس الأمن، قراراً بمنع التجارة بالقطع الأثرية وكانت له آثار إيجابية في الحد منها، وقد أصدر مجلس الأمن الدولي مؤخراً قرار رقم 2199 لتحسين حماية التراث في سورية والعراق، تم اعتماده بموجب الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة وهو في الوقت الحالي الصك القانوني الدولي الأكثر فعالية لمكافحة الإتجار غير المشروع بالتراث الثقافي».

ومن جهة أخرى، فإن الخطورة في عملية التنقيب، تكمن في طريقة حفر اللصوص وبحثهم عن القطع الأثرية، التي لا تعتمد على المنهجية العلمية، وتستخدم فيها أدوات بدائية، فيتم محو طبقات كاملة من الأثر نفسه أو تهميش أجزاء منه، مما يجعله يفقد قيمته ودلالته، كما أن هناك صعوبة حقيقية في استرجاع الأثر بعد انتهاء الحرب مما يعني أن صفحات كاملة من التاريخ تم هدمها أو تشويهها، وضاعت إلى الأبد.

وتشهد الآن الأسواق العالمية لتجارة القطع الأثرية وجود الكثير من القطع الأثرية السورية المزيفة، وهذا أمر يجده كثيرون جيداً ومفيداً، فهو يخفف في شكل أو في آخر من بيع القطع الحقيقية، ويجعل الشاري شديد التشكيك.

الحفاظ على الآثار

لكن هل من فرصة ولو بسيطة لإنقاذ جزء من التراث السوري، وهل يتجاوب النظام السوري بعد أن كان السبب الرئيسي في هدم آثار سورية، سؤال توجهنا به إلى ندى الحسن فأجابت: «إن مكتب «يونيسكو» في بيروت مسؤول عن سورية، وتوجد وحدة لإدارة مشروع ممول من الاتحاد الأوروبي، بالتنسيق مع مديرية الآثار والمتاحف في سورية، حيث يتم تدريب أشخاص فنيين، يعملون على الحفاظ على الآثار في سورية. ونحن نعمل مع أشخاص يهمهم الحفاظ على الآثار وليس لدينا أي أجندة سياسية، في جميع أنحاء سورية توجد جهات وجمعيات تبذل قصارى جهدها للحفاظ على الآثار، ولكن شريكنا الرسمي في هذا المشروع هو مديرية الآثار والمتاحف).

وإحدى المبادرات العالمية للحفاظ على التراث السوري، قيام مجموعة من الآثاريين من فرنسا وبلجيكا وألمانيا، برسم خارطة لكل المواقع الأثرية في سورية لرصد الأضرار. ومن المتوقع الاستفادة من هذه الخرائط بعد انتهاء الحرب أيضاً.

سورية تمتلك نحو ٣٨ متحفاً، الكثير منها يقع في مناطق نائية، وقد بذلت DGAM جهوداً كبيرة وفق الاختصاصيين من أجل إجلاء محتويات هذه المتاحف إلى مناطق آمنة، ويتم الاعتراف على نطاق واسع بإنجازاتها حيث إن مديرها العام تلقى في أيطاليا جائزة دولية لعمله على إنقاذ التراث الثقافي السوري. كما تقدم المنظمة بالتعاون مع علماء أميركيين قوائم شاملة للمواقع الأثرية المتضررة في سورية وخريطة تفاعلية على موقعها على الإنترنت.

الخبراء يتواصلون سراً

وقال مصدر مطلع رفض الكشف عن اسمه، وهو خبير أثري سوري مقيم في ألمانيا، أنه بعد جهد كبير تمكن من التواصل مع حارس المقابر المملوكية القديمة في سورية، حيث عمل الخبير وقتاً طويلاً في ترميمها، وبعد بدء الحرب، لم يعد بإمكانه العودة إلى سورية، لإتمام عملية الترميم التي كان يقوم بها، ولكنه يتصل في شكل دائم مع الحارس، ويطلب منه تصوير القبر وإرسال الصور، ليتأكد من أن القبر الذي عمل فيه لسنوات لم يصبه الأذى، وأكد المصدر أن حاله هي حال الكثير من علماء الآثار والخبراء الذين سبق وعملوا في سورية قبل الحرب.

من الجدير ذكره أن سورية كانت تشهد حركة تنقيب أثري وترميم كبيرة قبل الحرب، حيث عمل فيها في الفترة الأخيرة حوالى ١٣٠ بعثة وطنية وأجنبية ومشتركة، ضمت آثاريين سوريين.


 
تعليقات القراء (0)
اضف تعليقك

اطبع الكود:

 لا تستطيع ان تقرأه؟ جرب واحدا آخر
 
أخبار ذات صلة
تقرير لوزارة الخارجية الأميركية يؤكد حصول «تغييرات طائفية وعرقية» في سوريا
انقسام طلابي بعد قرار جامعة إدلب منع «اختلاط الجنسين»
نصف مليون قتيل خلال أكثر من 10 سنوات في الحرب السورية
واشنطن تسعى مع موسكو لتفاهم جديد شرق الفرات
دمشق تنفي صدور رخصة جديدة للهاتف الجوال
مقالات ذات صلة
سوريا ما بعد الانتخابات - فايز سارة
آل الأسد: صراع الإخوة - فايز سارة
نعوات على الجدران العربية - حسام عيتاني
الوطنية السورية في ذكرى الجلاء! - اكرم البني
الثورة السورية وسؤال الهزيمة! - اكرم البني
حقوق النشر ٢٠٢٤ . جميع الحقوق محفوظة