الأثنين ٦ - ٥ - ٢٠٢٤
 
التاريخ: كانون ثاني ٨, ٢٠١٧
المصدر : جريدة الحياة
مصر
مصر: سياسة الباب الموارب تبقي أمل التغيير الوزاري
القاهرة - أمينة خيري 
المواطنون أن تغييراً وزارياً من شأنه أن يواجه ملف الأسعار التي تحولت من مرحلة الغلاء إلى مرحلة الجنون بلا رادع. ويعتقد الوزراء أنهم يقومون بمهامهم على خير وجه ممكن، ويجولون في فلك وزاراتهم بأعلى كفاءة متاحة، ويدلون بتصريحات من شأنها أن تقطع ألسنة المتأوهين من النيران والمروجين لـ «إشاعات» غول الأسعار. ويعتقد القريبون من أروقة الحكم أن ما يستشفونه من انقباضات وجه مسؤول كبير هنا أو انفراجات أسارير جهات سيادية هناك أو كلمات لوم وعتاب أو ثناء وسماح هنا وهناك، إنما هي دلالات قاطعة وبراهين ثابتة على أن هناك تغييراً وزارياً مزمعاً.

ويؤمن المنظرون والفلاسفة ومعهم قطاع من الإعلاميين والسفاسطة بأن كل سياسة نقدية جديدة، أو تعديلات قانونية وليدة، أو تحولات في الأولويات عتيدة، أو ارتفاعات في الأسعار رهيبة إنما هي دليل دامغ وبرهان فادح على أن التغيير الوزاري قادم قادم.

القادم من أمام الشاشات التلفزيونية سيصيبه دوار شديد وخلط أكيد، فمنظرو البرامج وعتاولة «توك شو» يؤكدون بما لا يدع مجالاً للشك أو الريبة أن تغييراً وزارياً كان آتياً بعد أسابيع، ثم أيام سرعان ما تحولت إلى ساعات منذ استهل العام الجديد أول أيامه. لكنهم - وبعد ترقب مشوب بالأمل وتوجس لا يخلو من رجاء - فوجئوا بمن كانوا يؤكدون أمس أن التغيير آتٍ يجزمون هذه الساعات بأن لا تغيير وزارياً مرتقباً في المستقبل القريب.

وعلى مقربة من الشاشات، وتحديداً بين من ما زالوا يقرأون الصحف الورقية ويطالعون الأخبار والتحليلات المخملية، سادت حال شبيهة من البلبلة حيث الأخبار الحصرية وأعمدة الرأي البصيرية تلمح إلى أن ما يقال أو يشاع عن تغييرات وزارية ليس إلا اجتهادات شخصية واستنتاجات فردية في ضوء الأوضاع الاقتصادية الحالية. ولأن أنباء وفي أقوال أخرى توقعات وفي ثالثة أمنيات التغيير الوزاري كانت قد وصلت أقصاها وبلغت مداها منذ مطلع العام فقد صُدمت قطاعات متفاوتة من المصريين أمس حين استيقظوا على تصريحات رسمية وترقيعات غير رسمية تصب في خانة نفي التعديل والنهي عن التكهن وإغلاق باب التعلق بتلابيب التغيير لعلها تخفف وطأة اللهيب.

لهيب الأسعار بات يستشيط بينما المصريون يتحدثون عن سعر ليتر زيت الطعام الذي ارتفع من 14 إلى 18 جنيهاً في خلال أقل من أسبوع، فإذ بالسعر يقفز إلى 20 و22 جنيهاً عقب انتهاء الحديث. هذا اللهيب المصاحب بحال من التسليم بقضاء الله وقدره الاقتصادي المختلط بدراية شعبية بحقيقة الأحوال الاقتصادية، حيث ريع سياحي شبه متوقف، وتحويلات مقيمين في الخارج متقلصة، وأرباح لقناة السويس متكلسة، وما يشبه عقوبات اقتصادية من هنا وهناك شبه مطبقة يأتي على الجميع بدرجات متفاوتة. وبما أن جموع المصريين باتت ملمة بأبعاد «البئر وغطاه» من الموازنة والعجز والنصنيف الائتماني وسعر الصرف وتعويم العملة وميزان المدفوعات والاحتياط النقدي الأجنبي إلى ما شابه، فقد بات الأمل الوحيد الذي يلوح في أفق تخفيف الآلام وتسكين الأوجاع والخروج بفكرة أو فكرتين خارج صندوق الحكومة بتشكيلها الحالي هو «تعديل وزاري وخلاص».

عبارة «وخلاص» المترددة بشدة في الشارع المصري هذه الآونة تطالب أو تتعلق بتلابيب «أي تغيير وخلاص» علّه يأتي بتحسن ولو طفيف. آمال التعديل وأمنيات التغيير تتعلق بقشة أن يأتي أحدهم باختراق غير متوقع لحلقة الضائقة الاقتصادية المغلقة. بعضهم يعلل ذلك بشعور ما بأن حكومة رئيس الوزراء شريف إسماعيل بطيئة أو تعمل في جزر منعزلة أو لا يعمل جانب كبير منها أو يعمل بعضها في اتجاه عكسي. وبعضها الآخر يرجع ذلك إلى أن الأوضاع الصعبة تحتاج تغييرات دورية بحثاً عن الجديد من الحلول والمبتكر من العلاجات. وفريق ثالث لا يعلل ولا يرجع، لكنه فقط ينتظر معجزة اقتصادية تهطل عليه من السماء، ويظن أن هذا الهطول يرتبط ارتباطاً شرطياً بتغيير الوزراء، ليس لأن التغيير يرجى منه التعديل، لكن لأنه المتغير الوحيد المتاح.

المتاح حتى اللحظة من حديث التغيير وأمل التعديل هو عناوين صحافية متواترة ومتناحرة ومتأرجحة بين حديث عمومي عن «أنباء عن تعديل قريب» وآخر محدد مفصل مثير يتراوح بين «ست حقائب وزارية في طريق التغيير» أو «خمسة وزراء خارج التشكيل» أو «تغيير وزاري شامل وعلى رأسه رئيس الوزراء». وضمن المتاح كذلك أحاديث «مجهّلة» منسوبة إلى مصادر مموهة لكن يتم التفوه بها بطرق وأساليب تجعلها تبدو أقرب ما تكون إلى الحقائق الموحدة. وأحدث هذه الأحاديث أنه كانت هناك نية مؤكدة للتعديل عقب تحرير سعر صرف الجنيه وارتفاع الأسعار واشتعال غضب الناس، لكن النية تعدلت ولم يعد هناك توجه لتغيير قريب.

حتى الناطق باسم مجلس الوزراء أشرف سلطان خرج عن صمت الوزراء ومجلسهم ونفى نفياً نارياً وجود نية للتعديل خلال المرحلة المقبلة، وأن إسماعيل باقٍ في منصبه (باعتباره من أبرز المرشحين شعبياً وصحافياً للتغيير). لكنه عاد وأبقى على الباب موارباً قائلاً: «التعديل الوزاري يمكن أن يحدث في حال وجود قصور من الوزراء في الفترة المقبلة».

حديث الباب الموارب يبقى منهج مصر الحثيث. فإن أوصد باب التعديل تماماً، فقد المواطنون أحد تلابيب التعلق بالأمل. وإن انفتح الباب على مصراعيه، فقد حديث التعديل عنصر إثارته وعامل جاذبيته. ومن ثم، فقد اعتنق المنظرون والمحللون والمقربون منهجاً جديداً يدور في فلك «لا تغيير الآن، لكن ربما بعد ذكرى ثورة كانون الثاني (يناير)، أو مضي شهر شباط (فبراير)»، أو في حال جد جديد على ملف التشبث بأمل التغيير.


 
تعليقات القراء (0)
اضف تعليقك

اطبع الكود:

 لا تستطيع ان تقرأه؟ جرب واحدا آخر
 
أخبار ذات صلة
منظمة حقوقية مصرية تنتقد مشروع قانون لفصل الموظفين
مصر: النيابة العامة تحسم مصير «قضية فيرمونت»
تباينات «الإخوان» تتزايد مع قرب زيارة وفد تركي لمصر
الأمن المصري يرفض «ادعاءات» بشأن الاعتداء على مسجونين
السيسي يوجه بدعم المرأة وتسريع «منع زواج الأطفال»
مقالات ذات صلة
البرلمان المصري يناقش اليوم لائحة «الشيوخ» تمهيداً لإقرارها
العمران وجغرافيا الديني والسياسي - مأمون فندي
دلالات التحاق الضباط السابقين بالتنظيمات الإرهابية المصرية - بشير عبدالفتاح
مئوية ثورة 1919 في مصر.. دروس ممتدة عبر الأجيال - محمد شومان
تحليل: هل تتخلّى تركيا عن "الإخوان المسلمين"؟
حقوق النشر ٢٠٢٤ . جميع الحقوق محفوظة